السيطرة على وعي الأميركيين

مع تراجع أعداد المشتركين في خدمات الكوابل التقليدية كوسيلة لمشاهدة التلفزيون في الولايات المتحدة، صعّب توافر عدد كبير من خدمات ومنصات البث التلفزيوني على ملايين الأميركيين العثور على المحتوى الذي يرغبون في مشاهدته.
وأشارت دراسة حديثة لمركز “بيو” للأبحاث إلى انخفاض عدد المشتركين في خدمات الكيبل من 90% عام 2010 إلى أقل من 30% حاليا.
ووسط ازدحام السوق الأميركية بمنصات البث، تعمل الشركات الكبرى على خلق نموذج أكثر استقرارا وبساطة يفيد المشاهدين، عبر تسهيل العثور على ما يرغبون بمشاهدته في مكان واحد، ومضاعفة أرباحها في الوقت نفسه.
ومن هنا، لجأت العديد من الشركات لسياسة الدمج أو الاستحواذ على منافسيها بما يتيح تجميع أرشيف ومكتبة تلفزيونية ضخمة، يصاحبها زيادة في وتيرة إنتاج البرامج والأفلام الجديدة، وضمن هذا الإطار جاءت أنباء معركة شبكة نتفليكس (الأولى في نسب المشاهدة) وشركة باراماونت (الخامسة في نسب المشاهدة) للاستحواذ على شركة “وارنر براذرز” (الرابعة في نسب المشاهدة)، لتثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل منصات البث الأميركية.
ووفق مجلة الإيكونوميست، فإن عدد المشتركين في كبريات منصات البث كانت على النحو التالي:
نتفليكس: 325 مليون مشترك
ديزني: 195 مليون مشترك
أمازون برايم: 180 مليون مشترك
وارنر براذرز: 125 مليون مشترك
بارامونت: 75 مليون مشترك
آبل – تليفزيون: 55 مليون مشترك
بيكوك: 45 مليون مشترك
والجدير بالذكر أن منصة يوتيوب تسبق كل منصات البث، وتُعد المصدر الأكثر شعبية لمشاهدة مقاطع الفيديو في أميركا، إذ يشاهدها نحو 28% من الأميركيين سواء عبر التلفزيون أو الهواتف، في حين يشاهد نتفليكس 19% من الأميركيين، إلا أن يوتيوب لا تنتج أي أعمال خاصة بها.
وأبرزت الصفقة الأخيرة مع “وارنر براذرز” ثورة في حروب البث التي تتنافس فيها أستوديوهات هوليود التقليدية، ومنصات البث الحديثة على المشتركين.
وتتوق باراماونت، وهي شركة أستوديوهات صغيرة نسبيا، إلى زيادة حجمها وخوض المنافسة ضد كبار اللاعبين، في حين تأمل شبكة نتفليكس في تضخيم محتوى مكتبتها وأرشيفها الخاص، وسيتمكن من يستحوذ على “وارنر براذرز” من الحصول على أرشيفها الضخم والهام، إضافة إلى 125 مليون مشترك بها.
وسبق هذا التنافس، صفقة هامة في الصيف الماضي، وتحديدا في منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، حين استحوذ ديفيد إليسون على شركة باراماونت مقابل 8 مليارات دولار، مدعوما من والده لاري إليسون، صاحب شركة أوراكل، وثاني أغنى رجل في العالم، وتجمع عائلة إليسون علاقة ودية مع الرئيس دونالد ترامب.
معركة نتفليكس وباراماونت على “وارنر براذرز”
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت نتفليكس، أكبر شركة بث في العالم حاليا، نيتها الاستحواذ على معظم شركة “وارنر براذرز”، إحدى أكبر الأسماء في صناعة الأفلام التقليدية، في صفقة تقدر بقيمة 83 مليار دولار، وبعد 3 أيام، تدخلت شركة باراماونت، التي تملك شبكة “سي بي إس” (CBS) الإخبارية، وعدد من المحطات الأخرى المتنوعة، على خط المنافسة، وعرضت 108 مليارات دولار للشركة بأكملها، وتعهدت بصفقة “تتفوق على نتفليكس في كل جانب”.
وتملك “وارنر براذرز” عددا من المحطات الإخبارية والدرامية الهامة مثل شبكة “سي إن إن” (CNN)، ومنصة “إتش بي أو” (HBO). وأوضحت عائلة أليسون، مالكة باراماونت، استعدادها لدفع المزيد، في حين ردت نتفليكس بالتأكيد على استعدادها رفع قيمة عرضها إذا رغبت بذلك، وستحصل الجهة المشترية على أستوديوهات الشركة وخدمة البث الخاصة بها، إضافة للمشتركين.
ودفعت التحولات التكنولوجية السريعة والضخمة والتي يتقاطع فيها الاحتكار بدور رأس المال مع التوجهات والأهداف السياسية المباشرة وغير المباشرة، إلى اعتبار معركة نتفليكس وباراماونت أكثر من كونها مجرد منافسة على حصة أكبر من سوق المشاهدة الأميركي والعالمي.
وتفاعلت مواقف سياسية عدة بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجلسي الكونغرس، وصولا للبيت الأبيض، لمناصرة طرف على آخر، في حين يقف المشاهد الأميركي البسيط مرتبكا وسط تفاصيل كثيرة ومعقدة وهامة لا يكترث بها بالضرورة.
ولا تختلف فقط قيمة عرضي الشراء كثيرا، لكن تختلف نتفليكس عن بارامونت في ما يتعلق بفلسفة تشكيل مستقبل هوليود، وما يشاهده الناس، ومستقبل الترفيه في أميركا وحول العالم.
وتتطلع باراماونت -التي تَعِدُ بإحياء صناعة السينما- إلى هدف واضح، حيث تفتقر الشركة إلى الثقل الكافي لمنافسة أكبر الأسماء في مجال البث، ومن هنا يتيح استحواذها على “وارنر براذورز” توفير موارد ضخمة لمنافسة منصتي نتفليكس وديزني.
في حين تتطلع نتفليكس التي تضخمت سريعا في عدد المشتركين، وتبتعد في الصدارة على بقية المنافسين، إلى توفير كمية ضخمة من الأفلام والمسلسلات على منصتها، التي لا يُعرف عنها ضخامة الإنتاج، كما أنها تفتقر إلى أرشيف كبير من الأعمال الكلاسيكية التي لا تزال تجذب ملايين المشاهدين.
ويرى بعض المعلقين أن السماح لأكبر شركة بث في أميركا بالاستحواذ على رابع أكبر شركات البث فكرة غير مقبولة، في حين يمثل سيناريو صفقة باراماونت البديلة بخلق منافس جديد قابل للاستمرار عبر دمج رابع وخامس منصات البث معا لينافسوا الشركات الكبرى.
ويعتقد مراقبون أن المنافسة بالأساس ترتكز على الاشتراكات، فمن خلال معرفة توجهات المشتركين تُصمم الإعلانات التي توفر دخلا كبيرا للمنصة، إضافة إلى ذلك، يعد المحتوى ذاته هدفا رئيسيا لعملية الاستحواذ، وتساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في الوصول لأسواق خارجية بعد توفر آلية الدبلجة بلغات أجنبية بتكلفة بسيطة.
وبسبب محدودية الإنتاج لدى منصة نتفليكس، رغم هيمنتها في مجال البث، ورغم ما يبدو من كبر حجم منصة باراماونت، فإن المنافسة تبدو أقوى مما هي عليه في الواقع، ويسبب ذلك حالة من الغموض وعدم الوضوح بشأن مصير الصفقة.
تعقيدات السياسة
ودخلت السياسة بصورة مباشرة في تفاصيل هذه الصفقة، لا سيما عندما أكد الرئيس ترامب أنه سيلعب دورا أساسيا في تحديد مسار الصفقة، في حين تؤكد باراماونت أنها ستحصل على صفقتها جزئيا بسبب غياب مخاوف الاحتكار والمنافسة، بالإضافة إلى أن عائلة إليسون، مالكة بارامونت، صديقة للرئيس ترامب.
وحذر أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ من أن عرض شركة باراماونت سيؤدي إلى سيطرة شركة واحدة على كل ما يشاهده الأميركيون على التلفزيون تقريبا، وفي المقابل، حذر أعضاء جمهوريون من أن عرض نتفليكس سيُضخم أكبر شركة بث في العالم ويزيد من احتكارها.
وقالت السيناتورة الديمقراطية البارزة إليزانبيت وارن، إن أي اندماج بين باراماونت ووارنر براذرز سيكون كارثة لمكافحة الاحتكار، وهو بالضبط ما سُنت من أجله قوانين مكافحة الاحتكار لدينا. وأضافت أن العرض القسري (عرض باراماونت) مدعوم من قبل صفوة من رفاق الرئيس ترامب.. يثير تساؤلات جدية حيال استغلال النفوذ والمحاباة السياسية ومخاطر الأمن القومي.
ومن جهته، قال ترامب إن كلا الطرفين المتنافسين “ليسا صديقين لي”، مضيفا أنه يريد “القيام بما هو صحيح” وأنه لم يتحدث إلى صهره جاريد كوشنر بشأن عرض باراماونت، وصرح في الوقت ذاته أن صفقة نتفليكس “قد تكون مشكلة” بسبب حصتها السوقية الكبيرة.
ويجدر بالذكر أن مالك نتفليكس الأساسي، تيد ساراندوس، هو متبرع للحزب الديمقراطي، وسبق وشغلت زوجته منصب سفير خلال رئاسة باراك أوباما.
كما دخل جاريد كوشنر، صهر ترامب، على خط الصفقة من خلال شركته “أفينيتي بارتنرز” وبدعم من صندوق الثروة السيادية السعودي والإماراتي معا بمبلغ 24 مليار دولار ضمن صفقة بارامونت.
ومن شأن امتلاك دول خليجية وشركة صهر الرئيس جزئيا لإحدى أكبر شركات الإعلام الأميركية، التي ستسيطر على شبكتي “سي إن إن” (CNN) و “سي بي إس” (CBS)، أن يفتح بابا واسعا للجدل.
معلومات إضافية ومفصلة
محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.
مواضيع ذات صلة
- هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قريبا؟
- مقتل عالم نووي في معهد ماساتشوستس الأميركي
- مرشح إدارة غزة الجديد يكشف اعتماد إسرائيل على دور الإمارات
- ما وراء اعتقال الإعلامي التركي "أرصوي"
- كبيرة موظفي البيت الأبيض ترسم ملامح فوضى صادمة داخله
أسئلة شائعة
س: ما أهمية هذا المحتوى؟
ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.
س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟
ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.


