إحياء سكك حديد الحجاز ولبنان خارج أي حساب

نبيل أحمد شحادة كاتب لبناني

يعود خط سكك حديد الحجاز إلى الواجهة مجدداً بعد التطورات الأخيرة في المنطقة وسقوط نظام بشار الأسد، حيث تحركت تركيا لإحياء هذا الخط كشبكة عصرية وحديثة تربط اسطنبول بدمشق ووصولاً في هذه المرحلة إلى عمّان.

الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في أيلول الماضي في العاصمة الأردنية، وجمع وزراء النقل في سوريا وتركيا والأردن انتهى إلى وضع مسارٌ حقيقي للعودة إلى التعاون بعد سنوات من الانقطاع، واتفاق نقلَ المشروع من مرحلةِ الأفكار العامة إلى التطبيقِ العملي والخطوات التنفيذية الواضحة لإحياء السكةِ الحديدية التاريخية، وعودة الحياة إلى حركة الشحن البري بين بين تركيا والأردن وصولاً إلى دول الخليج العربي بعد انقطاع لأكثر من ثلاثة عشر عاماً بسبب الحرب السورية.
الخط سيُستخدم مبدئيًا للشحن والركّاب على نطاق محدود خلال مرحلة التوسعة وقبل الوصول إلى انتهاء المشروع وعمله بكامل طاقته. التكلفة العالية في سوريا والتي قدّرها وزير النقل السوري يعرب بدر بنحو 5.5 مليارات دولار للتأهيل والتحديث الشامل استدعى التزاماً تركياً بمساعدةِ دمشق على صيانة وتجديدِ الأقسام المدمرة من السكك في الأراضي السورية وطولها ثلاثين كيلومتراً، للتسريع في الخطوات التنفيذية. كما سيعملُ الأردن من جانبه على صيانة القاطرات والمنظومات التشغيلية ضمن اراضيه وسيساهم بما هو في الأراضي السورية حتى دمشق لمرحلة التشغيل الأولى. وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو كان واضحاً في أن الأمر ليس خط سكك حديد، بل هو تراث ومستقبل واعد فقال: مع الحفاظ على التراث التاريخي لمنطقتنا، فإننا نرسي أيضًا تعاونًا قويًا في ممرات النقل الدولية، وسنواصل العمل من أجل مستقبل مشترك في مجال النقل.
سكك حديد الحجاز تعودُ أصولها إلى عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، الذي أطلق المشروع بين عامي 1900 و1908، ليربط دمشق بمكة المكرمة لإنشاء طريقة ملائمة وفعالة للمسلمين لأداء فريضة الحج. وصل خط السكك إلى درعا عام 1901 ، وعمّان عام 1903 ، ثم إلى المدينة المنورة عام 1908، على امتداد حوالي 1300 كم، وسُمي أيضا بطريق الحرير الحديدي نظرًا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

المشروع في ذلك الوقت تم تنفيذُه من قبل مهندسين ألمان وأتراك، وعمال محليين من المناطق الواقعة على طول الطريق، ولم يُقبل فيه أي تمويل أجنبي للحفاظ على “إسلاميته” بالكامل وتم اعتباره وقفاً لمصالح المسلمين في عام 1913.

الدول الثلاث تُراهنُ على خفض كلفةِ النقل ووقته من خلال ربط مناطق استراتيجية من الأناضول إلى المشرق ثم إلى الخليج العربي مع الحديث عن إجراء دراسات فنية مشتركة لربطه أيضا بخليج العقبة، وهذا سينشط كثيراً حركة التجارة والسياحة الدينية ويساهم في تنويع سلاسل الإمدادات بعيدًا عن الاختناقات البحرية وتكاليفها العالية، ويفتح آفاقاً اقتصادية واسعة للدول المشتركة وخاصة سوريا التي ستستفيد من رسوم العبور والخدمات المختلفة وتدفق السياح، فضلاً عن اعترافٍ بوظيفتها ودورها الجديد، وما سيجلب من تمويل واستثمارات كبيرة مع استمرار التحسّن الأمني واستتباب الإستقرار.
المشروع سيحظى بوجه سياسي عابر للحدود ضمن ترتيبات جديدة للمنطقة تتجه إلى التنمية والازدهار، وعلى قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وكما ذكرنا، فيه أفق خليجي عبر المملكة العربية السعودية التي أصبحت تملك الآن شبكة متطورة من سكك الحديد, وهذا لن يكون بعيداً إذا توافرت الإرادة، أما التمويل والجدوي فهما أمران متوفران في أي وقت.

ونعود الآن إلى لبنان، حيث السياسيون فيه خبراء متميّزون في هدر الفُرص، وهو الذي خسر سابقاً دوره كمنصة عالمية للترانزيت عبر مرفأي بيروت وطرابلس، وبات خارج اللعبة الإقليمية، ويقف معزولاً سياسياً واقتصادياً، محكوماً بتوتّر علاقاته مع العرب ودول العالم، وبسبب سقوطه في شباك محورٍ مُتهم عالمياً بالإرهاب، مما يجعل أية علاقة مع لبنان محفوفة بالمخاطر والحسابات الأمنية.

لبنان، وفي ظل اعادة صياغة خرائط التجارة الأقليمية هو بعيدٌ عنها، سيواصل تراكم الخسائر، وهذه المرة في مجالات اقتصادية ومجزية مالياً، في قطاعات التخزين والتأمين والمصارف وخدمات المرافئ والنقل البري. وقريباً سيتفرّج اللبنانيون على “طريق حرير” قربهم، تتدفق فيه البضائع ورؤوس الأموال ويساهم في تنامي الاقتصادات وازدهار حياة شعوبها، فيما هم يعانون الأزمات والفوضى وتتهالك بلادهم بسبب خيارات ومواقف سلطتهم وسياسييهم.