أخبار عالميةالأخبار

الغلبة في آسيا للصين ولا عزاء لأميركا

نشرت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية مقالا عن التنافس المحموم بين الولايات المتحدة والصين للهيمنة على العالم.

 

ويرى كاتب المقال كيشور مهبوباني -وهو الزميل البارز في معهد آسيا للأبحاث بجامعة سنغافورة الوطنية- إن سياسة بكين القائمة على العلاقات الاقتصادية مع الدول لها قدرة على الاستمرار لمدة أطول من سياسات واشنطن المبنية على التحالفات العسكرية.

 

واستهل مهبوباني مقاله بمقارنة لا تخلو من مفارقة للدلالة على مدى اختلاف مقاربات الدولتين لعلاقاتهما الخارجية، زاعما أنه من السهل التنصل من صفقات لبيع غواصات؛ في إشارة منه إلى تخلي أستراليا -في وقت سابق من العام الحالي- عن شراء غواصات هجومية من فرنسا، والاستعاضة عنها بصفقة تقدم بموجبها واشنطن إلى كانبيرا تكنولوجيا متقدمة لغواصات تعمل بالطاقة النووية.

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن العلاقات المستندة على التكافل الاقتصادي بين الدول والتي تتأتى عبر التجارة  يصعب فسخها، على حد تعبير مهبوباني الذي أضاف أن أبرز دليل على ذلك إخفاق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في إلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية ورضي أخيرا باتفاق أعيد التفاوض بشأنه.

 

ويبرز هذا التباين الاختلاف بين السياسة قصيرة الأجل التي تنتهجها واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وتلك الطويلة الأجل التي تتبناها بكين؛ فالولايات المتحدة -كما يشير المقال- تراهن على اتفاقية “أوكوس” (Aukus) الأمنية المبرمة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي تعد ملمحا رئيسيا في تعهد واشنطن ولندن بتزويد كانبيرا بغواصات نووية.

 

أما الصين -يضيف الكاتب- فتراهن بدورها على التجارة في استمالة جيرانها إلى جانبها، لا سيما الأعضاء منهم في رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) “أنجح كتلة آسيوية”.

 

ويرى كيشور مهبوباني -في مقاله- أن واشنطن محقة في نقطة واحدة؛ فالدول الثلاث الموقعة على اتفاق أوكوس ترتبط ظاهريا بصلات قوية وتوافق في ما بينها إلى حد كبير. في حين أن رابطة آسيان، من الجانب الآخر، تبدو أشبه ما تكون بمنظومة مفككة وفضفاضة قادرة بالكاد على ترويض دولة عضو “طائشة” مثل ميانمار.

 

وتعاني آسيان كذلك في سبيل إيجاد صيغة إقليمية مُحكَمة للتصدي للتنافس المتعاظم بين أميركا والصين، كما أنها غير قادرة على تهدئة المياه المضطربة في بحر جنوب الصين، بل إنها أضعف من أن تفرض إرادتها على الدول المنضوية تحت لوائها، ناهيك عن فرضها على الآخرين.

 

غير أن مهبوباني يرى في ذلك الضعف قوة؛ ذلك أنه يتيح للرابطة بناء الثقة في المنطقة وما وراءها. ومضى إلى القول إن العداء وانعدام الثقة بين فيتنام وآسيان كانا واضحين تماما عقب انتهاء حرب فيتنام التي وقفت فيها دول آسيان إلى جانب الولايات المتحدة.

 

لكن بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، دمجت الرابطة فيتنام في اقتصاد المنطقة، مما ساعدها في البروز بوصفها معجزة اقتصادية شرق آسيوية، حسب مقال فورين بوليسي.

 

وحققت آسيان إنجازا كبيرا آخر؛ إذ تمكنت من إقناع اليابان وكوريا الجنوبية -اللتين لم يكن بينهما تشاور أو توافق في السنوات الأخيرة- لتوقيع اتفاق تجارة حرة بينهما ومع الصين أيضا.

 

وفي اعتقاد كاتب المقال، إن عاطفة واشنطن تجاه أستراليا حقيقية، واهتمامها بها صادق وكان ذلك عاملا مهما في استحداث اتفاق أوكوس. ثم إن طبيعة الجغرافيا السياسية تتسم بالقسوة حيث العواطف تتسبب في أضرار تنافسية.

 

فإذا كان اهتمام الصين منصبا على آسيان واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تجمع بين دول تلك الرابطة و5 من أكبر شركائها التجاريين -وهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا- بينما تركيز الولايات المتحدة على أستراليا واتفاق أوكوس، فإن الفوز سيكون من نصيب الصين.

 

الاقتصاد سر قوة الصين

 

ولعل السبب في تفوق الصين يتجلى في الاقتصاد، وليس في الجانب العسكري. ففي عام 2000، بلغ إجمالي تجارة واشنطن مع دول آسيان 135 مليار دولار، أي أكثر 3 مرات من تجارة الصين التي بلغت 40 مليار آنذاك.

 

وبحلول عام 2020، وصلت تجارة الصين مع تلك الرابطة إلى 685 مليار دولار أي ضعف تجارة واشنطن التي بلغت 362 مليار دولار.

 

ويخلص الكاتب إلى أن ارتباط الصين بدول آسيان “عميق وعريض”، فهي تقوم ببناء سكك حديدية عالية السرعة في إندونيسيا ولاوس وماليزيا وتايلند، وشبكة مترو في هانوي عاصمة فيتنام. وعندما كانت دول جنوب شرق آسيا تبحث عن لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد، وجدت ضالتها في الصين.

 

“ولا مراء في أن علاقات الصين والعديد من دول رابطة آسيان معقدة وتواجه تحديات، ومع ذلك فإن نطاق وعمق جهود التعاون المبذولة بين الطرفين لا يمكن إنكارها”.

 

وبرأي مهبوباني، فإن العلاقات الاقتصادية بين تلك الدول ستزداد متانة في وقت لا يزال فيه نمو اقتصاد دول آسيان “الإعجازي” في بدايته. فقد بلغت قيمة الاقتصاد الرقمي لتلك الدول عام 2020 نحو 170 مليار دولار، وقد يصل بحلول عام 2030 إلى تريليون دولار، وهو ما سيخلق بدوره شبكات جديدة من التكافل الاقتصادي في المنطقة.

 

وأمام واشنطن -في نهاية الأمر- خيار إستراتيجي واحد، إما أن تركز على بيع الغواصات لأستراليا أو تبرم اتفاقيات تجارة حرة مع دول شرق وجنوب شرق آسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى