النيابة العامة الليبية تصدر أمراً بحبس وزير التعليم في قضية فساد وإهمال

أصدرت النيابة العامة في ليبيا أوامرها الصارمة بحبس وزير التربية والتعليم المكلف في حكومة الوحدة الوطنية، علي العابد، ومدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، على ذمة التحقيق في قضية الإهمال وسوء الإدارة المتعلقة بالتعاقد على طباعة وتوريد الكتاب المدرسي للعام الدراسي 2025–2026.
القرار القضائي يشعل فتيل أزمة متفاقمة في قطاع التعليم ويضع ملف الكتاب المدرسي مجدداً تحت مجهر المساءلة، خاصة أن نحو مليوني طالب ليبي يفتقدون كتبهم المدرسية بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على انطلاق العام الدراسي، في مشهد يعكس فشلاً إدارياً متواصلاً.
وجاء قرار الحبس عقب تحقيق موسع أجرته النيابة العامة، حيث أكدت في بيان أن رئيس النيابة أجرى بحثاً تناول إجراءات التعاقد على طباعة الكتاب المدرسي للعام الدراسي الجاري، وتبين له وجود إساءة صاحبت الإجراءات الإدارية والمالية المتعلقة بالعقود المبرمة، وهي الإساءة التي شكلت أساس التهم الموجهة للمسؤولين.
وأشارت النيابة تحديداً إلى إهمال إتاحة الكتاب المدرسي لمليوني طالب خلال المواعيد المقررة في استراتيجية التعليم المعتمدة، ما يعد خرقاً واضحاً للواجب الوظيفي وبناءً على ذلك، قرر المحقق حبس المسؤولين على ذمة التحقيق بتهمة الإضرار بالمصلحة العامة وإخلالهما بالحق في التعلم، مؤكداً بذلك أن الأزمة تجاوزت الجانب الإداري البسيط إلى مسألة حقوقية وجنائية تمس حق الطلاب في التعليم.
وتكتسب هذه التطورات القضائية أهمية مضاعفة بالنظر إلى أن الوزير علي العابد كان قد كُلِّف بمهام وزارة التربية والتعليم في أيار/مايو 2025، بالإضافة إلى مهامه الأصلية كوزير للعمل والتأهيل، وذلك بعد صدور حكم قضائي بالسجن بحق الوزير السابق موسى المقريف، على خلفية ملفات فساد مشابهة تتعلق بطباعة الكتاب المدرسي أيضاً.
هذا التتابع في المساءلة الجنائية لوزراء التعليم يكشف عن أزمة هيكلية عميقة ومستمرة في إدارة هذا الملف الحيوي، ما يثير تساؤلات جدية حول آليات التعاقد والرقابة داخل الوزارة.
وقد سبق قرار النيابة العامة جدل واسع حول قيمة التعاقدات وآلية إبرامها، وسط تضارب في بيانات المؤسسات الرقابية. فبينما أكدت هيئة الرقابة الإدارية أن تكلفة التعاقدات بلغت 250 مليون دينار، أشار ديوان المحاسبة إلى أن القيمة الفعلية لا تتجاوز 238 مليونًا، ما يفتح الباب للتساؤل عن الفروقات المالية الكبيرة.
وكشفت وثائق رسمية نشرتها وسائل إعلام أن تقديرات لجنة العطاءات بوزارة التعليم لمشروع الطباعة تجاوزت 412.9 مليون دينار ليبي، تشمل تكاليف الطباعة والتوزيع والمتطلبات اللوجستية، ما يعني وجود فجوة مالية هائلة تصل إلى نحو 175 مليون دينار عن إجمالي العقود الفعلية التي أشار إليها ديوان المحاسبة.
من جانبها، كشفت هيئة الرقابة الإدارية عن “تجاوزات مالية جسيمة” في العقود، دفعتها إلى اتخاذ إجراءات فورية شملت تجميد حسابات للوزارة، وفتح تحقيق، وإيقاف عدد من المسؤولين احتياطياً.
هذه التدابير الرقابية أفضت في النهاية إلى التوصل لاتفاق جديد بين الوزارة والشركات تم بموجبه تخفيض قيمة العقود بنسبة تجاوزت 41%، وطالبت الهيئة الوزارة بإعادة فتح باب التسجيل أمام الشركات الراغبة في التقدم للعطاء مع التشديد على ضرورة الالتزام بالمعايير الفنية والقانونية لضمان جودة الطباعة وسرعة التنفيذ.
وقد أوضح مدير إدارة الإعلام بوزارة التربية والتعليم، عبد القادر بوشناف، في وقت سابق، أن التعاقدات الخاصة بالمشروع أُبرمت في شباط/فبراير الماضي، أي قبل تولي العابد مهامه، مشيراً إلى أن لجنة العطاءات تعاقدت مع 22 شركة.
وذكر بوشناف أن نصف تلك الشركات نفذت أعمال الطباعة في الخارج (مصر وتركيا وإيطاليا)، بينما النصف الآخر تلقى ثلاثة إنذارات متتالية بسبب التأخير، ما أدى في النهاية إلى فسخ العقود بعد انتهاء المدة القانونية لطباعة الكتب، وحمّلت الوزارة تلك الشركات المسؤولية القانونية عن الإخلال بالتزاماتها، مؤكداً أن القيمة الإجمالية للعطاءات بلغت نحو 250 مليون دينار.
وأظهرت البيانات الفنية للجنة العطاءات، المؤرخة في 15 حزيران/يونيو 2025، مشاركة شركات من عدة دول شملت تركيا وإيطاليا ومصر والإمارات ولبنان وتونس وإسبانيا في تنفيذ المشروع. وقدّرت اللجنة الفنية متوسط تكلفة الملزمة العادية بـ1.417 ديناراً والملزمة الملونة بـ1.473 ديناراً، ليبلغ إجمالي القيمة التقديرية للطباعة نحو 396.7 مليون دينار لـ79.4 مليون ملزمة عادية، و192.9 مليون ملزمة ملونة، بالإضافة إلى 16.2 مليون دينار مخصصة للمستلزمات اللوجستية. كما لفت التقرير الانتباه إلى تفاوت ملحوظ في قدرات الشركات الإنتاجية، حيث تراوحت الطاقة الإنتاجية بين طباعة خمسة ملايين كتاب خلال 30 يوماً لبعض الشركات التركية، و40 مليون كتاب خلال 45 يوماً لشركات إيطالية، في حين لم تحدد بعض الشركات مواعيد التوريد، ما أثار الشكوك حول جاهزيتها.
وفي تطور يثير شبهات تضارب المصالح وسوء استخدام المال العام، تحصلت وسائل إعلام على وثيقة تُظهر قراراً اتخذه الوزير علي العابد بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يقضي بتكليف شركة خاصة حديثة التأسيس تحمل اسم “شركة البشير للطباعة” بتوريد الكتب المدرسية وفتح اعتماد مستندي بقيمة تسعة ملايين دولار لصالحها، وهو الإجراء الذي أوقفه مصرف ليبيا المركزي لاحقاً.
هذا القرار يضيف بعداً جديداً للأزمة التي يبدو أنها متشابكة بين الإهمال الإداري والمخالفات المالية.
وفي سياق الرقابة، أعلن ديوان المحاسبة عن رصده لمخالفات في طباعة وتوريد الكتاب المدرسي والتقني، ما أدى إلى تأخير توريده، وقرر الديوان إخضاع كل المعاملات المالية المتعلقة بالمشروع لأعمال الرقابة المصاحبة، وذلك في إطار مهامه الرامية إلى حماية المال العام وضمان سلامة الإجراءات التعاقدية.
معلومات إضافية ومفصلة
محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.
مواضيع ذات صلة
- وفاة المجرم نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني الذي كان أبرز المحرضين على احتلال العراق
- هكذا تنشر إسرائيل والإمارات الخراب في المنطقة
- كيف أصبح أكثر من 40 مليون أميركي مهددين بالجوع؟
- تفاعل واسع بعد تسليم القسام جثة أرفع ضابط إسرائيلي
- تسعيرة جديدة للكهرباء تشعل الجدل في سوريا
أسئلة شائعة
س: ما أهمية هذا المحتوى؟
ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.
س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟
ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.



