توسع حرائق حماة واللاذقية

في ظل تعاظم التحديات الأمنية والبيئية التي تشهدها محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، دخلت أجهزة الدفاع والجهات الحكومية في حالة استنفار قصوى، عقب اندلاع سلسلة من الحرائق الواسعة امتدت على أكثر من 1800 هكتار من الأراضي الحراجية والزراعية في ريفي اللاذقية وحماة، حسب تقديرات أولية أصدرتها الجهات المعنية، في وقت تواجه فيه فرق الإطفاء صعوبات للسيطرة على النيران، بالتزامن مع استهداف آلية عسكرية على طريق جبلة ـ بانياس شمال غربي سوريا.
وتأتي هذه التطورات وسط عمليات انتشار أمني وعسكري وجملة من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الدفاع بهدف إحكام السيطرة على المنطقة ومنع وقوع أي تجاوزات أو هجمات محتملة.
مصدر مسؤول في وزارة الدفاع، قال في تصريح لـ«القدس العربي»، إن آلية عسكرية من طراز «بيكاب» تعرضت فجر الجمعة لمحاولة استهداف بواسطة عبوة ناسفة على طريق جبلة ـ بانياس، من دون تسجيل أي خسائر بشرية. وأشار المصدر إلى أن محافظة اللاذقية تخضع لحالة استنفار كامل، حيث نفذت الوحدات العسكرية انتشارا أمنيا واسع النطاق داخل مدينة اللاذقية وفي محيطها، بالتوازي مع نشر أسلحة ثقيلة على مداخل المحافظة لتعزيز إجراءات الحماية وتأمين سلامة المدنيين.
ولفت إلى أن المخطط الأمني يقوم على رفع مستوى الجاهزية لضبط الوضع على الأرض ومنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار، وذلك من خلال تعزيز الحواجز الأمنية والعسكرية بالأسلحة الثقيلة، وتكثيف الدوريات الجوالة في إطار الاستعداد لأي طارئ.
وأكدت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع، في بيان نشرته وكالة «سانا» الرسمية، أن آلية عسكرية تابعة للجيش السوري تعرضت، في 14 من آب/ أغسطس لهجوم من قبل مجموعات وصفتها بـ«فلول النظام البائد في ريف اللاذقية»، دون وقوع خسائر بشرية.
وذكرت بأن الأيام الثلاثة الماضية شهدت تصاعدًا في وتيرة الاعتداءات التي تنفذها تلك المجموعات، مستهدفة قوات الجيش في ريفي اللاذقية وطرطوس.
وأكدت وزارة الدفاع استمرارها في أداء واجبها بحماية جميع مكونات الشعب السوري، والحفاظ على السلم الأهلي، مشددةً على أنها لن تتساهل مع أي استهداف يطال قوات الجيش أو المدنيين، ومحذرةً فلول النظام البائد من أي محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في الساحل السوري.
ووفق الوكالة، فقد، شهد الساحل السوري خلال الفترة الماضية حالة من الاستقرار بعد تعزيز انتشار وحدات من الجيش والأمن العام في عدد من المناطق الريفية والحدودية، وذلك ضمن جهود مستمرة للقضاء على مجموعات فلول النظام البائد التي حاولت نشر الفوضى وزعزعة الأوضاع في المنطقة.
تصاعد الحرائق
وبالتزامن، اندلعت سلسلة من الحرائق في مناطق متفرقة من أرياف اللاذقية وحماة، بعضها يفصل بينه مسافات كبيرة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة هذه الحوادث وتوقيتها، لا سيما في ظل الظروف الأمنية المتوترة.
مسؤول العلاقات الإعلامية في محافظة اللاذقية نور الدين بريمو قال في تصريح لـ«القدس العربي»، إن جهود الإطفاء تتركز حاليا على عدد من المحاور الأكثر خطورة، وفي مقدمتها غابات بروما في جبل الأكراد، حيث تواصل الفرق العمل على منع تمدد النيران، إضافة إلى أحراج كفرتة في المنطقة نفسها، حيث يجري تطويق الحريق ومحاصرته رغم التحديات الميدانية الكبيرة.
وأضاف أن غابات كسب، ولا سيما مناطق النبعين والشجرة، شهدت أكبر انتشار للحرائق في ريف اللاذقية، مشيرا إلى أنّ فرق الإطفاء نجحت في عزل بؤر النيران والسيطرة على الحريق هناك، وتواصل في الوقت الراهن عمليات التبريد للحؤول دون تجدده. وفي غابات دير ماما قرب صلنفة في منطقة الحفة، أكد أن الحريق أُخمد أكثر من مرة، لكنه سرعان ما يعاود الاشتعال بسبب الرياح العاتية وارتفاع درجات الحرارة.
1300 هكتار
ولفت إلى أن عمليات الإطفاء شهدت تعزيزات واسعة، حيث وصل إلى محاور اللاذقية وحماة أكثر من خمسين فريق إطفاء مزودين بسيارات إطفاء وصهاريج مياه وآليات ثقيلة، استُقدمت من محافظات حمص وحلب وإدلب ودمشق وريف دمشق ودرعا، وتعمل هذه الفرق على فتح خطوط النار وطرقات جديدة لتسهيل وصول الطواقم وقطع مسار تقدم النيران.
ووفقا لمدير الطوارئ والكوارث في محافظة اللاذقية عبد الكافي كيال فإن أكثر من 1300 هكتار من الأراضي الحراجية في ريف اللاذقية تضررت كتقديرات أولية نتيجة الحرائق المندلعة، بينما تواصل فرق الإطفاء في الدفاع المدني وأفواج الإطفاء الحراجي، بمؤازرة الأهالي وعناصر وزارتي الداخلية والدفاع، لليوم الثالث على التوالي، مكافحة حرائق واسعة النطاق في مناطق جبلية وعرة في ريف اللاذقية، وسط تحديات ناجمة عن شدة الرياح وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى انتشار مخلفات الحرب التي تعيق حركة الفرق الميدانية.
وكشف بيان رسمي صادر حول تطورات حرائق الغابات في ريفي اللاذقية وحماة أنّ فرق الإطفاء التابعة للدفاع المدني السوري، بمساندة أفواج الإطفاء الحراجي، وطائرات الإسناد المروحية التابعة لوزارة الدفاع، تواصل من دون توقف جهودها للسيطرة على بؤر النيران المشتعلة منذ أيام في مناطق واسعة من الأحراج والغابات.
70 فريقا ميدانيا
وأوضح البيان أنّ أكثر من سبعين فريقاً ميدانياً يشاركون في عمليات الإخماد، بينهم خمسون فريق إطفاء، وعشرون فريقاً حراجياً، إلى جانب فرق هندسية مزودة بآليات إطفاء وصهاريج مياه ومعدات ثقيلة تستخدم في فتح الطرقات وخطوط النار، لتسهيل وصول الطواقم وقطع مسار النيران، لافتاً إلى أن تعزيزات إطفاء وصلت من محافظات حمص وحلب وإدلب ودمشق وريف دمشق ودرعا، في محاولة للسيطرة على الحرائق التي تتسع رقعتها بفعل الظروف الجوية والميدانية الصعبة.
وأشار البيان إلى أن النيران تسببت في أضرار لحقت بعدد من منازل المدنيين في ريف حماة، وخاصة في بلدة شطحة وقرى عناب وأبو كليفون ومرداش، مؤكداً أنّ فرق الإطفاء تواجه صعوبات بالغة نتيجة اشتداد الرياح وارتفاع درجات الحرارة وتضاريس المنطقة الجبلية الوعرة التي تعيق وصول الآليات إلى بؤر الاشتعال، فضلاً عن غياب خطوط النار المجهزة ومخاطر الألغام ومخلفات الحرب المنتشرة في المنطقة، ما يشكل تهديداً مباشراً على سلامة العناصر العاملة.
توزع الحرائق
وتتوزع الحرائق على عدة مناطق، أبرزها غابات وعرة في ريف اللاذقية، حيث لا تزال النيران مشتعلة في موقع «باب جنة» في منطقة صلنفة، الذي وصف بأنه الأكثر تعقيدا بسبب صعوبة الوصول واتساع رقعة الحريق بفعل الرياح، فيما تستعر النيران في غابات دير ماما قرب الحفة على شكل بؤر متفرقة تجددت عدة مرات رغم محاولات السيطرة عليها.
وفي جبل الأكراد، تواصل الفرق عملياتها في منطقة بروما لمنع تمدد النيران إلى أحراج قرية كفرتة، وسط صعوبات كبيرة ناجمة عن انتشار مخلفات الحرب، كذلك الأمر في غابات كسب حيث تمتد الحرائق على عدة نقاط في النبعين والشجرة وتلة النسر.
ويشهد ريف حماة الغربي، عمليات إخماد للحرائق على ثلاثة محاور رئيسية، تشمل قرية عناب التي وصلت فيها النيران إلى أحراج شطحة وألحقت أضراراً بعدد من المنازل، ما دفع فرق الطوارئ لإجلاء الأهالي من المناطق المهددة، إضافة إلى محور عين الكروم ـ طاحونة الحلاوة ـ أبو كليفون، حيث تمكنت الفرق من كبح تمدد الحريق دون القدرة على إخماده بالكامل بسبب التضاريس، فيما يتواصل العمل في محور فقرو والتمازة وطريق بيت ياشوط لعزل النيران التي ما تزال مشتعلة في عدة بؤر ضمن مناطق جبلية بالغة الوعورة.
وأجلت فرق الدفاع المدني عدة عائلات من قرى سهل الغاب في ريف حماة الغربي، في تصاعد لافت للأزمة الإنسانية في المنطقة، إثر امتداد النيران على مساحات واسعة ووصولها إلى تخوم الأحياء السكنية في القرى والبلدات.
وأسعفت الفرق عدة مدنيين من جراء إصابتهم بضيق تنفس إثر استنشاقهم الأدخنة والغازات المنبعثة من النيران، إلى مستشفى السقيلبية في ريف حماة، وفقاً لما أعلن الدفاع المدني والمعرفات الرسمية لمحافظة حماة.
عضو مكتب العلاقات في مديرية إعلام حماة، علي العلي، قال في تصريح لـ«القدس العربي»، إن المساحة المتضررة تجاوزت خمسة مئة هكتار، بينها أربعمئة هكتار في منطقة عناب وحدها، ما يجعلها الأكثر تضرراً حتى الآن في سلسلة الحرائق.
وأوضح أن بؤر النيران توزعت على أربع مناطق رئيسية هي بيت ياشوط، وعين الكروم، وعناب التي تُعد الأكثر تضرراً، ومنطقة مرداش، لافتاً إلى أن هذه المواقع تتميز بكثافة حراجية وغابية عالية، ما يزيد من حجم الخسائر البيئية ويضاعف من خطورة الكارثة.
فيما أكدت غرفة عمليات إطفاء الحرائق في حماة أن العمل يجري بتنسيق كبير بين مختلف الجهات، حيث تقود مديرية حماة عمليات الإطفاء بدعم من فرق محافظات إدلب وحلب ودمشق، وقد دخلت مروحيات وزارة الدفاع على خط العمل الميداني في اليوم الخامس، في خطوة تعكس خطورة الوضع. وأوضحت أن الكوادر المشاركة تضم أكثر من عشرين فريق دفاع مدني وأفواج إطفاء تتبع مديريات الزراعة والأحراج، إلى جانب جهود المجتمع المحلي الذي لعب دوراً محورياً في دعم الفرق الميدانية وتقديم العون اللوجستي.