من حرب اللا مفر في غزة إلى التهديد وجودي

العميد احتياط تسفيكا حايموفيتش
مر 22 شهراً من القتال منذ 7 أكتوبر. من حرب متعددة الجبهات، ثم مواجهة مباشرة مع حزب الله. وقبيل تغيير الواقع في الساحة الشمالية – حرب شديدة في ثلاث جولات حيال إيران، وآخرها كانت الأشد، ولعلها أحدثت تغييراً ذا مغزى في فورية التهديد النووي على إسرائيل. في قطاع غزة، استمرت الحرب مع كثير من الشعارات والتهديدات، وفي هذه الأثناء بلا نصر (مع أننا كنا قبل سنة ونيف على مسافة نحو “خطوة” عنه)، و”بوابات الجحيم” لم تفتح على حماس (رغم أن وزير الدفاع يكرر التهديد إياه كل أسبوعين).
منذ بداية الحرب في قطاع غزة وإسرائيل تمتنع عن اتخاذ القرارات وتنجر وراء مبادرات خارجية، وتطلق بين الحين والآخر أفكاراً محلية معظمها عديمة الجدوى وذات احتمالات محدودة ولا تحقق أهداف الحرب. في سياق الحرب بدأنا “نقدس” المحاور: بداية، كان هذا محور فيلادلفيا الذي سماه رئيس الوزراء “محور الشر” و”تهديداً وجودياً” على إسرائيل. وقد استبدل بمحور موراغ، ولفترة زمنية قصيرة تسلل إلى وعينا محور ماغين عوز (محور يقسم خان يونس). كل واحد منها لم يكن هو ما وصف به، وشكل نقاط انسحاب في مفاوضات لم تتقدم إلى أي مكان.
والأسوأ، أن قرارات الحكومة تقدس تلك الأفكار التي لا تستند إلى سياسة أو استراتيجية أو خطة مع منطق مرتب، وفي النهاية الواقع يؤدي إلى نتيجة معاكسة بالتأكيد.
تبلورت في آذار الماضي فكرة ترجمت إلى تعليمات عسكرية: حظر إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع. شدد وزير المالية سموتريتش على أنه “لن تدخل ولا حتى حبة أرز إلى قطاع غزة. لم تمر أربعة أشهر وإذا بوقف المساعدات الإنسانية يتحول إلى “إغراق” إنساني، حين يدعو رئيس الوزراء كل دولة لتكون شريكاً لحملات التموين في الجو والبر. وهكذا فقدت إسرائيل إحدى روافعها حيال حماس.
مثال آخر ومقلق، يثير تساؤلات أكثر، وهو رفض حكومة إسرائيل البحث في “اليوم التالي” لحماس في القطاع. إسرائيل الرسمية رفضت، وردت كل محاولة لبحث البديل السلطوي والإداري في قطاع غزة (مبادرة القاهرة، الاقتراح السعودي وغيرها)، وفي الأسبوع الماضي، حصلنا على المبادرة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية. النتيجة: رفض البحث في بديل سلطوي لحماس سيجلب علينا اعترافاً بدولة فلسطينية.
ماذا حصل بالدفعات؟
أنهي بمثال موجود في لباب الحرب – إدارة المفاوضات لتحرير المخطوفين. إسرائيل هي التي بادرت في أيار الماضي بفكرة الاتفاق على دفعات، انطلاقاً من إرادة في الامتناع عن إنهاء الحرب – موقف كان حجر عثرة أمام أي تقدم لتحرير مخطوفين. فجأة، الخميس الماضي، “مصدر سياسي كبير لمكتب رئيس الوزراء” (رئيس الوزراء نفسه؟) أعلن بأن هذا هو الوقت لصفقة واحدة لتحرير كل المخطوفين في دفعة واحدة. هل يعرف أحد ما أو يمكنه أن يشرح ماذا حصل في الأيام الأخيرة ما لم يحصل في الأسابيع والأشهر الأخيرة؟ الأمر ونقيضه.
من حرب بدأت من وضع اللامفر، مع شرعية دولية بلا تحفظات ولا تلعثمات، ها نحن نصل إلى اللامخرج. الإصرار على عدم البحث في “اليوم التالي” وعدم المبادرة إلى أوضاع نهاية الحرب أدى بانقلاب الأفكار علينا، وجر دولة إسرائيل إلى أوضاع تحرف أهداف الحرب الأساسية (هذا لا يقدم في شيء تحرير المخطوفين ولا حسم حماس)، وأكثر من ذلك – أصبح هذا تهديداً على الدولة وعلى المجتمع الإسرائيلي كله: وقف الأموال الأوروبية إلى الأكاديمية للبحث والتطوير، وتعاظم موجات اللاسامية في العالم، وعزلة دولية قد تؤدي إلى خطوات تقيد الإسرائيلي العادي في كل أنواع الأماكن، وحظر ومقاطعات على أنواع مختلفة من السلاح، وغيرها.
هكذا تبدو دولة في ارتباك، وليس دولة على مسافة خطوة عن النصر. مطلوب سياسة واستراتيجية. مطلوب بوصلة توجه كل الأعمال والأفكار. وإلى أن يحصل هذا، سننتظر الفكرة غير الناجحة التالية.