أخبار عربيةالأخبارسوريا

أسباب التوتر بين تنظيم “قسد” الإرهابي ومجلس دير الزور العسكري شرق سوريا

شهدت محافظة دير الزور، الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، خلال الأيام الماضية توترات وحالة من الترقب، عقب استنفار قوات تنظيم سوريا الديمقراطية «قسد» الإرهابية من جهة، وقوات «مجلس دير الزور العسكري» التابع لها من جهة أخرى، وشملت التعزيزات استقدام «قسد» لأرتال من قوات الكوماندوس الكردية، وقوات الأمن الداخلي المعروفة بـ «الأسايش» من منطقة الشدادي جنوب محافظة الحسكة، ومن مناطق انتشارها شمال الرقة، لتسيطر على نقاط وحواجز لمجلس دير الزور العسكري في ريفي دير الزور الغربي والشرقي، وتركز ثقلها في محيط حقلي العمر وكونيكو للنفط، كما أنشأت قوات «الكوماندوس الكردية» حواجز تفتيش في مناطق طيب الفال والحريجي والصور وربيضة وأبو خشب والسخمية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي من المدينة.

وكانت «قسد» قد دفعت منذ مطلع الشهر الجاري بقوات جديدة لها من الحسكة انتشرت في المنطقة الواقعة بين ناحية الصور غربًا، وناحية الباغوز في أقصى شرق دير الزور، على الحدود السورية العراقية. وهي المنطقة التي يتواجد فيها مقاتلو عشيرة الشعيطات والمنتسبون تحت لواء قوات الصناديد وهي القوة العربية التي أسسها زعيم قبيلة شمر، حميدي الدهام ويقودها ابنه بندر، وتوسع التشكيل وانضم إليه أبناء عشيرة الشعيطات خصوصا في مرحلة قتال تنظيم الدولة بعد 2017 حيث انتقم مقاتلو الشعيطات من التنظيم الذي ارتكب مجزرة مهولة عام 2014 بحق أبناء القبيلة دون تمييز بين مدني أو مسلح وبين طفل أو رجل مسن، وزاد عدد القتلى عن 700 قتيل.

بالمقابل نشر «مجلس دير الزور العسكري» قواته في منطقة شمال الفرات، وعلى مداخل مدينة دير الزور، وعلى طريق الدير- الرقة، كما سحب المجلس قواته من خطوط الجبهة المواجهة لقوات النظام، والميليشيا الإيرانية، ليعيد نشرها في نقاط مواجهة محتملة مع «قسد» بين بلدتي الشحيل وجديد عكيدات.

والتصعيد الأخير بين مكونات «الإدارة الذاتية» جاء عقب أنباء متداولة عن نيّة «قسد» إقالة قائد «مجلس دير الزور العسكر» أحمد حميد الخبيل، المعروف بأبو خولة الديري، نتيجة خلافات مستمرة ومتراكمة بين الأخير وقيادات من وحدات «حماية الشعب» الكردية.

تسجيلات صوتية مسربة للخبيل حصلت عليها «القدس العربي» أكدت حالة الخلاف بين مجلس دير الزور، و«قسد» حيث طالب قائد المجلس عناصره بالاستنفار الدائم، والاستعداد التام لأي معركة (داخلية او خارجية) حسب ما ورد في التسجيل، كما أوضح الخبيل في التسجيل توجه جديد للمجلس العسكري يقتضي وجود متحدثين رسميين لما ستتطور إليه المرحلة المقبلة، وفي كلام موجه لبعض القيادات من قسد والإدارة الذاتية ممن يخططون لتخوين المجلس ومكوناته، قال الخبيل، «يدفعوننا لخيارات صعبة، ولا يمكن القبول بذلك، ولا يمكن وصفنا بالخونة، وسيلقى المتآمرون الرد المناسب على ذلك» كما شبه الخبيل القيادي في وحدات الحماية والمسؤول الأمني عن منطقة دير الزور، هافال روني، بالمندوب السامي الفرنسي خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا مطلع القرن الماضي، مؤكدا على أن روني وباران وهما قياديان في وحدات حماية الشعب الكردية «ب ي د» يدفعان من خلال طريقة تعاملهما مع مكونات قسد الأخرى لحالة من العداء داخل قسد.

مصدر مقرب من المجلس العسكري في دير الزور قال إن قيادات في وحدات حماية الشعب وعلى رأسهم روني وباران، ينظران بعين الحذر إلى تواصل قيادات مجلس دير الزور العسكري بشكل منفرد عن قسد مع القاعدة الأمريكية في حقل كونيكو للنفط.

وأضاف المصدر أن قوات التحالف الدولي، وعلى رأسها القوات الأمريكية لديها رؤية لتشكيل قوات عربية رديفة لقسد، ومستنسخة من تجربتها مع جيش سوريا الحرة المنتشر في التنف، حيث توجد أكبر قواعد القوات الأمريكية في سوريا.

فيما أرجعت مصادر محلية، حالة الخلاف بين «قسد» والمجلس العسكري، لممارسات وصفتها بـ «السلطوية» من قبل أحمد الخبيل قائد المجلس على مكونات قواته العشائرية، وبسبب فرض سلطته على عشائر المنطقة التي تنتشر فيها قوات المجلس، والتي يطالب وجهاؤها قوات التحالف وقيادة قسد بعزل الخبيل والحد من استفزازاته، ويتشكل المجلس العسكري في دير الزور من مقاتلين ينتمون لعشائر، أبرزها العكيدات والجبور والمعمرة والمشاهدة. وفي هذا الصدد، تداول ناشطون تسجيلات أخرى للخبيل يهاجم فيها أحد شيوخ عشيرة الهفل، مصعب خليل عبود الهفل، لعدم موافقته على ما قال عنه أبناء من المنطقة، أنه مشروع يسعى الخبيل المنتمي لعشيرة العكيدات له وهو إنشاء إمارة عشائرية مستقلة تحت سلطته، مرتبطة بخلفيته العشائرية، وهي إمارة زبيد، وجاء في التسجيل تهديد للشيخ الهفل، وانتقاص من عشيرة الهفل التي وصفها بـ هفلك بيت من العكيدات، وهي (الهفل) جزء من 70 عشيرة تكون قبيلة العكيدات.

الجدير بالذكر، أن حالة من التوتر وعدم الاستقرار تسود علاقة «قسد» بـ «المجلس العسكري في دير الزور» منذ أكثر عامين، وبلغت ذروتها منتصف العام الماضي برفض قائد المجلس لأوامر من قيادات» قسد» بالاستنفار، وتعزيز قوات قسد بـ 2000 مقاتل من مكونات مجلس دير الزور العسكري، خلال فترة التهديدات التركية بإطلاقها عملية عسكرية موسعة شرق الفرات، وبعد اجتماعين لقيادات قسد مع قيادات الكيانات العسكرية المكونة لها في مدينة الرقة والصور شمال دير الزور، لم يستجب الخبيل لمطالب قسد، معتبرًا ان المعركة بين وحدات حماية الشعب الكردية، وتركيا، ليست معركة مجلس دير الزور العسكري الذي يحصر اهتماماته لحماية المدينة وليس لإرسال قواته لشمال محافظة الحسكة للدفاع عن حزب الاتحاد الديمقراطي.

 

كيان عربي عشائري

 

وفي سياقٍ متصل، تتخوف «قسد» من شائعات أمريكية لإنشاء كيان عربي عشائري في منطقة دير الزور والحسكة، ويرجح ان تكون سببا في التوترات الأخيرة بين «قسد» ومجلس دير الزور العسكري، وترتبط هذه التوترات بما تناقلته مصادر محليه حول رفض «قسد» عرضًا من القوات الأمريكية في سوريا للتوسع شرقًا باتجاه مدينة البوكمال، وقطع طريق دمشق-بغداد الدولي، وسحب ورقة سيطرة الميليشيا الإيرانية وقوات النظام منهما مطلع العام الجاري، إلا أن قسد عارضت المشروع الأمريكي بشكل قطعي، مبررة ذلك بأولوياتها العسكرية المنصبة على حماية الحدود الشمالية لمناطق انتشارها من أي عملية عسكرية تركية، وفي ظل عدم قدرتها على تغطية كل هذه المساحة الواسعة من قواتها وحمايتها.

ويأتي الحديث حول عرض القوات الأمريكية من رغبة «البنتاغون» في توسعة دائرة الأمان حول قواعد قوات التحالف في دير الزور والحسكة، ونيته ربط منطقة التنف (منطقة الـ 55) التي تتمركز فيها أكبر قواعد القوات الأمريكية في سوريا، بمناطق قواعدها الأخرى في شرق نهر الفرات، لكن رفض قيادات قسد من «وحدات حماية الشعب الكردية» دفع قيادة القوات الأمريكية في سوريا، للتفكير ببدائل أخرى، وإطلاق تجارب ومحاولات تختبر امكانية انخراط المكونات الأصلية من السكان المحليين والعشائر في مشروع قوات عربية، يمكنها من الخروج من طوق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وإنشاء مناطق سلطة مستحدثة قائمة على الانتشار القبلي والعشائري، وتستغل قيادة القوات الأمريكية من خلال هذا الطرح، وجود جبهات مباشرة بين هذه القوات وقوات النظام من جهة، ووجود أهم الحقول النفطية مردوداً في ذات المنطقة من جهة ثانية.

وبالعودة لمرحلة ما بعد رفض «قسد» للطرح الأمريكي، تشير أحداث عدة إلى أن قيادة التحالف الدولي في سوريا لم تبطئ خطواتها في السعي عن بديل مناسب، ففي نهاية شباط الماضي التقى ممثلون عن القوات الأمريكية مع وجهاء وشيوخ عشائر في منطقة الكسرة بريف دير الزور بمعزل عن «قسد» أو التنسيق معها على خلاف ما جرت عليه العادة في مثل هكذا لقاءات. كما انخفضت نسبة الاجتماعات الدورية بين «قسد» وقوات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» عما كانت عليه قبل فترة الطرح الأمريكي.

المشروع الأمريكي في حال صحت التقديرات، يعي أهمية دير الزور، والتنوع العشائري والقبلي فيها، كما يعي إشكالية التمثيل العربي في «الإدارة الذاتية» و«قسد» وحالة التهميش التي تعاني منها الزعامات العشائرية في المنطقة، ويعكس تشبيه الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري للكادر الأمني الكردي روني بالمندوب السامي طريقة تعاطي السكان مع الأمر، ومصطلح المندوب السامي يتناقله سكان دير الزور منذ أكثر من عامين، تعبيرا عن حالة التهميش التي تعانيها المنطقة في ظل سيطرته، فيما عبر عنه الخبيل مؤخرا بعد الخلافات بين قيادات «قسد» ومجلس دير الزور العسكري.

في نهاية الأمر، لم يكن هذا التوتر هو الأول من نوعه ولن يكون الأخير، ويبقى موقف «التحالف الدولي للقضاء على الدولة الإسلامية» من الخلاف وشكل تدخله هو ما سيكشف المخطط الأمريكي في شرق الفرات، فمنع التحالف لـ«قسد» من الاقتراب من مجلس دير الزور العسكري أو اعتراضه، يرجح الادعاءات القائلة بنية «البنتاغون» تشكيل قوة عربية يمكن الاعتماد عليها لقطع طريق طهران – بيروت البري الذي حققته إيران بعد أن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في محافظة دير الزور مطلع عام 2019.

زر الذهاب إلى الأعلى