أخبار عالميةالأخبار

غليان شعبي متصاعد في فرنسا.. ارتفاع الأسعار وتداعيات حرب أوكرانيا تحاصر المواطنين

ارفعوا الرواتب وأوقفوا ارتفاع الأسعار، هذا هو المطلب الأول لعشرات الآلاف من المتظاهرين الفرنسيين الذي ملؤوا شوارع العاصمة باريس ومدنا أخرى -اليوم الثلاثاء- احتجاجا على ارتفاع الأسعار وعدم رفع الأجور، وتفاقم أزمة الطاقة مع اقتراب دخول فصل الشتاء القارس.

 

وتتزامن الاحتجاجات مع الإضراب العام الذي دعت له النقابات العمالية الكبرى والأحزاب اليسارية، وشارك فيه العاملون بقطاعات النفط والكهرباء والطاقة النووية والنقل والمدارس والجامعات والصحة وإدارات الدولة، وبعض كبريات شركات القطاع الخاص، وذلك للمطالبة بزيادة الأجور.

 

ومن الأسباب التي تقف وراء عدم رضا ملايين الفرنسيين، التضخم الذي تسبب في انخفاض القدرة الشرائية، التشديد المقبل لقواعد إعانات البطالة، إصلاح المعاشات التقاعدية المتوقع نهاية العام.

 

وتسبب الإضراب في خفض حركة القطارات الإقليمية اليوم بنحو النصف، بالإضافة إلى استمرار الإضراب في محطات الطاقة النووية.

 

وقدرت الحكومة حجم الاستجابة للإضراب أوساط موظفي قطاع التعليم بأنه تجاوز 60% بقليل، كما أوقف مئات التلاميذ في عدد من الثانويات الدراسة وخرجوا في مظاهرات تضامنا مع الحركة الاحتجاجية.

 

ودفعت التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا فرنسا نحو أكبر تراجع للقدرة الشرائية منذ 40 عامًا، بعد أن تسبب وقف روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، لأجل غير مسمى، في ارتفاع أسعار الغاز في القارة بنسبة 610% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي، مما ساهم في ارتفاع أسعار كافة السلع.

 

وتخشى فرنسا -مثل معظم الدول الأوروبية التي تسابق الزمن للحصول على بدائل للغاز الروسي قبل الشتاء القادم- من ارتفاع فواتير الطاقة والذي قد يضع ملايين العائلات الأوروبية بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة.

 

أزمة الوقود

 

وتأتي هذا التحركات الشعبية الغاضبة في وقت تعيش فيه فرنسا منذ 3 أسابيع على وقع مظاهرات منددة بالغلاء وارتفاع الأسعار، وسط اتهامات للرئيس إيمانويل ماكرون بأنه رئيس للأغنياء ولا يهتم بالفقراء.

 

وشكل إضراب اليوم امتدادا لإضراب شركة “توتال” النفطية المستمر منذ أسابيع، والذي عطل بشكل كبير توزيع الوقود في جميع أنحاء البلاد منذ نحو أسبوعين، خصوصا الشمال والوسط ومنطقة باريس.

 

وبات الحصول على وقود للسيارات أمرا بالغ الصعوبة، حيث تمتد طوابير السيارات عدة كيلومترات أمام محطات الوقود، والتي يعمل 70% منها فقط منذ بداية الإضراب.

 

وأصبح إضراب عمال البترول أحد أصعب التحديات التي يواجهها ماكرون منذ إعادة انتخابه في مايو/أيار الماضي، فإلى جانب الخسائر الاقتصادية الكبيرة فقد تسبب الإضراب في صعوبة الوصول إلى العمل خصوصا المناطق الريفية التي تعيش منتصف موسم الحصاد.

 

وقال ماكرون إنه سيواصل بذل قصارى جهده، مضيفاً أنه يريد حلّ هذه الأزمة “في أسرع وقت ممكن” ومؤكداً أنه يقف إلى جانب جميع المواطنين الذين يكافحون والذين سئموا هذا الوضع.

 

ورغم توصل شركة النفط لاتفاق مع نقابات عمالية أخرى الجمعة الماضية يشمل زيادة 7% في الرواتب ومكافأة، فإن الاتحاد العام للعمال (سي جي تي) رفض الاتفاق وطالب بزيادة الأجور 10%، مشيرا إلى ارتفاع التضخم وزيادة الأرباح الضخمة لهذه الشركة.

 

ومع تصاعد أزمة الطاقة، هددت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن عمال قطاع النفط المضربين بأن الحكومة قد تستخدم مجددا الصلاحيات التي تخولها إجبارهم على العودة إلى العمل لتخفيف شح الوقود الناجم عن تحرّكهم.

 

بينما قال وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير إن وقت التفاوض مع العمال انتهى داعيا إلى “تحرير مستودعات الوقود والمصافي” من العمال الذين يمنعون الوصول إليها، واللجوء إلى وسائل لإصدار أوامر تفرض على الموظفين العمل.

 

مخاوف حكومية

 

وتتخوف الحكومة كثيرا من تصاعد التحركات الاحتجاجية في الشارع، لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار يصب في مصلحة النقابات والأحزاب اليسارية التي تتمسك بتحقيق كافة مطالبها.

 

وإلى جانب الغضب الشعبي، يعاني ماكرون وحكومته على المستوى السياسي أيضا، بعد أن فقد الأغلبية في البرلمان، وبات غير قادر على تمرير القوانين بسهولة، مما ينذر بتفاقم الأزمة.

 

وترفع الأحزاب اليسارية والنقابات قائمة مطالب في وجه الحكومة، وهي مد سن التقاعد إلى 64 سنة، زيادة الأجور، تقديم مساعدة “استقلال مالي” للشباب بقيمة 1100 يورو، تجميد ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى فرض ضرائب على الأغنياء، والإسراع في التحول البيئي.

 

وقد دفعت الضغوط -التي تعاني منها الحكومة- رئيسة الوزراء للقول إن حكومتها تتأهب لتمرير مشروع موازنة 2023 باستخدام صلاحيات دستورية خاصة تسمح لها بتجاوز إجراء تصويت في البرلمان.

 

وقالت بورن -في مقابلة على قناة “تي في 1” (TV1) أمس- إن الحكومة ستستخدم على الأرجح الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور، في إشارة ما يبيح للسلطة التنفيذية تجاوز البرلمان لتمرير القوانين.

 

وتجري الحكومة منذ عدة أيام مفاوضات مع أحزاب المعارضة للتوصل إلى تسوية حول مشروع الموازنة، لكنها لم تحقق أي تقدم حتى الآن.

 

ومن المرجح أن ترد أحزاب المعارضة باقتراح لحجب الثقة عن حكومة بورن، الذي من المحتمل أن يفشل، ولكنه مع ذلك سيكون ضارا مع استعداد الحكومة لتنفيذ إصلاحها المزمع لنظام المعاشات.

 

انفجار اجتماعي

 

ويخشى كثير من المحللين أن تتصاعد الاحتجاجات الحالية وترتفع الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين، كما حدث باحتجاجات “السترات الصفراء” عام 2018 الفترة الأولى لحكم ماكرون، والتي ندد المتظاهرون خلالها بارتفاع الضرائب وتفشي الفقر.

 

ومع استمرار موجة الإضرابات التي شلت الحياة الاقتصادية، وتأزم العلاقات بين المركزيات النقابية والحكومة، كشف استطلاع رأي -أجرته صحيفة لوبوان أن 66.2% من المشاركين بالتصويت يخافون من حدوث “انفجار اجتماعي” خلال الأسابيع القادمة.

 

وحسب الاستطلاع نفسه الذي ظهرت نتائجه على موقع الصحيفة، فإن 33.8% فقط من المصوتين أجابوا بالنفي عن سؤال طرحته لوبوان “هل تخشى وقوع انفجار اجتماعي في فرنسا خلال الأسابيع القادمة؟”.

 

وتعكس نتيجة استطلاع الرأي تخوفا لدى الرأي العام الفرنسي من اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.

 

ونقلت صحيفة ليزيكو هذا الأسبوع عن المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية قوله إن تراجع القدرة الشرائية للمواطن ستستمر العام المقبل.

 

وحسب المرصد، فإن ارتفاع المداخيل خلال النصف الثاني من هذا العام لا يمكن أن يسد الثغرات التي تسببت فيها الخسارات المسجلة خلال الشهور الأولى من 2022. واعترف بأن الوضع سيزداد سوءا خلال 2023، وتوقع تقلصا للقدرة الشرائية بنسبة 0.3%.

 

ونقلت الصحيفة عن الباحث الاقتصادي بالمرصد ماثيو بلان قوله إن الأرقام حول الوضع الاقتصادي عام 2023 تشير إلى أن البطالة سترتفع بنسبة 8%، وستضيع نحو 175 ألف وظيفة، مما سيؤثر حتما على منظومة الأجور.

زر الذهاب إلى الأعلى