أخبار عربيةالأخبارليبيا

فاسدون ومجرمو يتنافسون لإدارة ليبيا

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، عن الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في ليبيا والمعوقات التي قد تواجه تنفيذها. وفي تقرير بعنوان “اختيار بائس لمرشحين يدعمون الفوضى” قال إن مجموعة من الفاسدين والمجرمين اصطفت للسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد بشكل قد يؤدي لانعطاف البلد نحو الحرب والفوضى. وأضاف أن الانتخابات عادة ما تقارن بمسابقة ملكة جمال ولكن لو كان المرشحون لإدارة ليبيا التي مزقتها الحرب جميلون فهم ليسوا بدون عيوب.

 

وواحد منهم، سيف الإسلام القذافي نجل الديكتاتور معمر القذافي، والمطلوب خارج بلده، بعد اتهام محكمة الجنايات الدولية له. وقررت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات منعه من الترشح في انتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر، لإدانته بنفس الجرائم قبل خمسة أعوام ولدعمه قمع والده للمحتجين. ويمكنه الاستئناف على القرار، إلا أن محاولته اللعب على حنين الليبيين لأيام الاستقرار في عهد والده الذي حكم 40 عاما، وبخاصة بين جموع الشباب الذين لا يتذكرون أي شيء من تلك السنوات قد انتهت الآن.

 

وما تبقى من المرشحين للديمقراطية الليبية الجديدة لا يثيرون أيضا شهية الناخب الليبي. فخليفة حفتر، 78 عاما، ومنح نفسه رتبة المشير، كان ضابط جيش في عهد القذافي قبل أن ينشق عنه، ومتهم أيضا بجرائم حرب في النزاع الذي مزق ليبيا في السنوات السبع الماضية. وكان أحد رفاقه، وقد قتل الآن، يحب تصوير نفسه وهو يطلق النار على رؤوس السجناء. وهناك عقيلة صالح، 79 عاما، رئيس مجلس النواب في شرق ليبيا، وقد وضعته الولايات المتحدة على قائمة العقوبات لتقويضه “السلام والأمن والاستقرار”. أما الشخصية الرابعة والبارزة، فهو عبد الحميد دبيبة، 63 عاما، رئيس الوزراء الانتقالي. وينتمي لعائلة تجارية متهمة بالفساد، والأهم من هذا هو أنه وعد بعدم الترشح للرئاسة عندما عين رئيسا للوزراء، وهو ما يفعله بالضبط الآن. وقد تجاهلت مفوضية الانتخابات التسوية التي رعتها الأمم المتحدة في شباط/فبراير والتي عززت من اتفاقية وقف إطلاق النار وفتحت المجال أمام الانتخابات، وأكدت تحديدا على عدم صلاحية قادة الحكومة الانتقالية الترشح للمناصب الدائمة. وأغضبت هذه الحادثة الجميع بمن فيهم المفاوضون الذين عملوا باجتهاد لوضع الرتوش النهائية على اتفاقية شباط/فبراير واعتقدوا أنه يفتح باب الأمل أمام ليبيا المضي في طريق السلام.

 

وقال مراقب إن الاتفاق ترك سلطات الرئاسة والشروط التي تؤهل المرشحين للمشاركة فيها مفتوحة وبدون تحديد. وقال المراقب “لم يتم التفاوض على أي من هذه العناصر، مما أنتج إطارا معيبا للانتخابات، وأنتجه طرف واحد وهو مجلس النواب” و “ربما كانت هناك حاجة لبناء إطار يضع قيودا تمنع مشاركة مجرمي الحرب”. وعندما أعلن سيف الإسلام، 49 عاما، عن ترشحه للانتخابات هذا الشهر، كانت هي المرة الأولى التي يخرج فيها علنا، حيث اعتقل بعد الإطاحة بوالده ومقتله قبل 10 أعوام.

 

وقدم نفسه مرة بصورة الإصلاحي. ولكنه حاول الظهور بمظهر يذكر بوالده عندما وقع على أوراق تسجيل اسمه في الانتخابات. وارتدى عباءة بنية وعمامة بنفس اللون تشبه ما ظهر فيه والده عام 2011 مهددا ومتوعدا المتظاهرين وملاحقتهم كالجرذان “شارع شارع ودار دار”، كما قال. وكانت علامة تنذر بالخطر، ولكنها تذكير بأن الحرب التي قادتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضد العدو القديم لم تؤد إلى السلام والديمقراطية التي رغبت بتحقيقها في ذلك الوقت.

 

ويشير الكاتب لمحاولات شجاعة لبناء دولة ديمقراطية، بما في ذلك عقد انتخابات برلمانية، إلا أن انقسام المتمردين إلى جماعات متنافسة وأيديولوجيات مختلفة، إسلامية وسلفية أدت لخسارة السلطات المنتخبة السيطرة تدريجيا. وانقسمت البلاد إلى قسمين في عام 2014، وعزز محاولة للأمم المتحدة تحقيق السلام في عام 2015 إلى زيادة الانقسام. وكانت هناك حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس بغرب البلاد وحكومة في بنغازي بدعم من خليفة حفتر. وكان القتال وحشيا، وتحديدا عندما هاجم حفتر طرابلس في 2019، وتكتشف المقابر الجماعية بشكل مستمر. وحصل حفتر على دعم الإمارات وروسيا وفرنسا ومصر. وأرسلت روسيا إلى حفتر مرتزقة لمساعدته. ودفعت تركيا لمجموعة من المقاتلين السوريين لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وكان الدعم التركي كافيا لهزيمة حفتر وإجبار المتحاربين على وقف إطلاق النار.

 

وقد يكون عقد الانتخابات، بجولة أولى في 24 كانون الأول/ديسمبر نقطة تحول في مسار البلد. إلا أن عدم حل المصاعب اللوجيستية الضرورية لتنظيم الانتخابات في بلد فقدت فيه الحكومة السيطرة على معظم البلاد وبدون التزامات من الاتحاد الأوروبي لتوفير مراقبين، فقد يقود هذا إلى مشاكل. فالفشل في عقد الانتخابات التي يدعو إليها البعض قد يشعل النزاع. لكن رفض المشاركين في العملية قبول نتائج الانتخابات، وهذا احتمال وارد، في ظل الجيوش الخاصة التابعة لهم والدول المتنافسة الداعمة لهم، وهذا هو الأسوأ. وأخبر المنسق الخاص للأمم المتحدة في ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي في يوم الأربعاء عدم عقد الانتخابات قد يؤدي لتدهور الأوضاع في البلد. وربما قاد إلى انقسامات ونزاعات جديدة.

 

لكن كوبيس، وفي تحول مثير للدهشة، قدم أوراق استقالته في نفس الوقت وبعدما فشل في السيطرة على عملية المفاوضات. ولا يعرف إن كانت استقالته سارية المفعول تفتح الباب أمام شخص آخر، أم سيطلب منه البقاء لحين الانتهاء من الانتخابات. وجنب استبعاد طلب سيف الإسلام من الانتخابات إحراجا للغرب ومنع -على الأقل في حالته- من عودة رمز لنظام ساهمت الدول الغربية بالإطاحة به. لكن ما بقي غير سيف الإسلام ليس مستساغا. ويقول طارق المجريسي، الذي يراقب الانتخابات للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “عندما أعلن عن العملية الانتخابية كان الهدف منها تخليص ليبيا من الديناصورات السياسية”، وهذه مطالب الليبيين، ويبدو أن هذا العمل شاق للغاية.

زر الذهاب إلى الأعلى