أخبار عربيةالأخبارتونس

حي التّضامن التونسي.. أمل في التغيير وإنذار للساسة

على بعد نحو 6 كيلومترات من العاصمة التونسية يقع “حي التضامن” بمحافظة أريانة على مساحة لا تتعدى 5 كيلو مترات مربعة يسكنها نحو 200 ألف نسمة.

 

مساكنُ متراصة وكثافة سكانية تكتشفها وأنت تبحث عن موطئ قدم لخُطوتك المقبلة، بين عشرات العاطلين عن العمل أو غير المُنصفين (سواء من العاملين أو غير العاملين) في حياة ومعيشة يرونها صعبة ومكلفة.

 

وصعد اسم “حي التّضامن” في الأيام الماضية بسرعة البرق في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بعد كسر أبناء هذا الحي الشّعبي حظر التجوال ومواجهة قوات الأمن لأسباب غابت عن الكثيرين وحضرت لدى أبناء المنطقة.

 

لا تفسير رسميا من السلطات التونسية والسّياسيين لدوافع هذه الأحداث اللّيلية، إلا أنها وفق مراقبين، صورة تعكسُ غياب الأمل وتفشي الفقر والبطالة وتردي الظّروف الاقتصادية والاجتماعية التي لم يُغير مرور عقد من الزمن على اندلاع “ثورة الياسمين” التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2011 شيئًا منها.

 

لتغيير الواقع

 

تقول إيمان (إعلامية تقطن حي التّضامن)، إن الأحداث الأخيرة بالمنطقة كانت مُنتظرة وهي مرتبطة بالوضع العام الصّعب الذي تعيشه تونس.

 

وتضيف: المناطق الشعبية غالبًا تحتمل الكثير من الصّبر في مواجهة واقعها، لكن حين ينفجر الوضع فيها يصعب معه العودة خطوة إلى الوراء.

 

وتتابع إيمان: البؤس والحيرة على وجوه السّكان هنا، عشرُ سنواتٍ مرت على اندلاع الثورة ولا شيء تغير (..) كل الآمال والأمنيات تضمحل تدريجيا مع مرور الأيام، الأمر الذي أثار الشّبان لإعلان عدم رضاهم عن الواقع ورغبتهم في التّغيير تبقى مشروعة.

 

وكانت وزارة الدّاخلية التّونسية أعلنت توقيف 630 من المحتجين في أنحاء البلاد على خلفية الأحداث التي رافقت التحركات الليلية المتزامنة بين 14 و17 يناير/كانون الثاني الجاري، أكثرهم من القصّر والأطفال ممن لم تتعد أعمارهم 18 سنة، فيما تحدثت منظمات حقوقية عن إيقاف أكثر من 1000 محتج.

 

ودعت منظمة “العفو الدولية” أجهزة إنفاذ القانون (وزارة الداخلية والنيابة العمومية)، إلى الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيا والإفراج المؤقت عن أولئك الذين يُحتمل أن يواجهوا المحاكمة في حالاتٍ لا يوجد فيها دليل واضح على ارتكابهم جرائم.

 

لا أمل في التغيير

 

حمودة (شاب ثلاثيني) من سكان حي التضامن يقول: من الغريب أن يعتبر السّياسيون والمحللون أن التّحركات الماضية لا سبب لها، (..) عليهم أن يزوروا الأحياء الشعبية وسيعرفون أسبابها ومطالب سكانها.

 

ويضيف: كثيرون تجاوزوا الثلاثين لا يجدون عملا، الأمل شبه منعدم والشباب يتجه للأقراص المخدرة وكل ما يمكن له أن يبعدهم عن الواقع.

 

ويردف حمودة: يجب أن تتوفر حلول للحد من البطالة الإجبارية للشباب والآلاف من التونسيين (..) على الدولة أن تكون حاضرة في الأوقات الصعبة لا في زيارات رسمية فقط لالتقاط الصّور دون أن تُغيّر شيئا من المأساة المستمرة.

 

من جهته، يقول شهاب (20 عاما) من سكان حي التضامن، قد تكون الصورة عادية للكثيرين ممن لا يعرفون المنطقة، الحقيقة مؤلمة جدا (..) مئات العائلات لا تستطيع توفير قوت يومها بسبب غلاء الأسعار والبطالة، مرت عشر سنوات منذ الثورة ولا شيء تغير هنا.

 

ويتابع: شخصيا لا أرى أملا كبيرا ولا أعتقد أن الكثير سيتغير.

 

ويردف شهاب، لا ألوم من يغادرون البلد الذي يشيد السّجون ولا يوفرُ العمل (..) أطلب فقط أن يُفرج عن الشّبان الذين تمّ إيقافهم، وأن يعملوا على إيجاد حلول لتغيير واقع المنطقة وتونس ككل.

 

وبجانب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وأزمة انتشار كورونا وصلت نسبة البطالة حتى أغسطس/آب الماضي وفق إحصائيات رسمية إلى 16.2 في المائة من السكان، 30.1 في المائة منهم ممن يحملون شهادات عليا.

 

فشل السّياسات

 

ويرى أستاذ علم الاجتماع جهاد الحاج سالم أن الاحتجاجات خاصة في الأحياء الشعبية هي نتاج لفشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية وهي نتيجة لغضب مشروع.

 

ويقول الحاج سالم إن الانتخابات الأخيرة كانت مؤشرا لضرورة عمل أكبر للطبقة السياسية على تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتطبيق عدالة حقيقة وإصلاح المؤسسات، وهو ما لم يحصل.

 

ويضيف: رغم رفض الكثيرين الإفصاح عن أسباب موجة الغضب الجارية، إلا أن المتابع بعمق للسّنوات الماضية يستنتج أن التّراكمات ستؤدي لانفجار الوضع بلا ريب.

 

إنذار للطبقة السياسية

 

ويستطرد الحاج سالم: عدد من الجهات السياسية عبّرت عن تضامنها مع الاحتجاجات باعتبارها تتحمل جزءًا من المسؤولية على غرار حزب التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/22 نائبا بالبرلمان).

 

ويتابع: هذا مقابل اعتبار أحزاب أخرى الاحتجاجات مجرد أعمال شغب وتخريب، الأمر الذي يعكس انفصالها عن واقع جزء هام من الشباب والطبقة الشعبية والمهمشة في تونس.

 

ويطالب الحاج سالم الطبقة السياسية والأحزاب بالاعتراف بفشل اقترابها من الواقع بعدم تحصيل المطالب الأساسية للثورة التي تبقى ملهمة لأبناء الأحياء الشعبية الذين قد يختلفون عن طبقات أخرى في التعبير، باختيارهم الاحتجاجات الليلية، مقابل الإضراب والاعتصام والاحتجاج نهارا.

 

وبحسب الحاج سالم فإن الحيلولة دون انفجار الوضع في البلاد ممكنة بالتقاط إشارة الاحتجاجات والوعي بجدية هموم الشباب والمجتمع، والابتعاد عن البحث عن المنافع الخاصة وتصويب مسار الديمقراطية.

 

والثلاثاء، قال رئيس الحكومة هشام المشّيشي إنه على وعي بأن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية متأزمة وأنه يتفهم الغضب والإحباط لدى الشباب الذي سيتعامل معه فريقه الحكومي كقوة اقتراح للحلول وسترافقهم الدولة بإدارتها وقوانينها لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم.

 

 

المصدر: القدس العربي + وكالة الأناضول

زر الذهاب إلى الأعلى