مواضيع ثقافية وسياسية

اليابان تحتضر

في مقاله بصحيفة واشنطن بوست، تخيل الكاتب فرانسيسكو تورو صورة لما يمكن أن تبدو عليه الولايات المتحدة في الواقع إذا ما تحققت أحلام اليمين المتطرف لخفض أعداد المهاجرين بشكل كبير.

 

وضرب الكاتب مثلا باليابان وكيف أن أصحاب المنازل من الطبقة العاملة المنخفضة المستوى في المنطقة التي يقطنها حماه يموتون وتتداعى المنازل ولا أحد من الورثة يبدو مهتما بها نظرا للارتفاع الكبير في الضرائب وعدم وجود سوق لهذا النوع من المنازل على أي حال.

 

وأشار الكاتب إلى تقلص عدد سكان اليابان وما لذلك من عواقب بعيدة المدى تتسرب إلى كل ركن من أركان الحياة هناك، وأنها ظاهرة لا تقتصر على مكان واحد، بل تكاد تكون عامة لأن البلد يشيخ وكبار السن يموتون دون أن يحل محلهم أحد والضواحي في جميع أنحاء اليابان تموت ببطء أيضا.

 

فهناك ما يبلغ 8 ملايين منزل شاغرة في اليابان، وهذا التوجه يتعمق. والقرى الريفية تختفي والمزيد من المدن والضواحي أصبحت “مجتمعات محتضرة” تندر فيها رؤية الأطفال، والسلطات بالكاد تتمكن من إيجاد العاملين في مجال الرعاية اللازمة للاعتناء بجحافل المتقاعدين.

 

وأشار إلى أن شيخوخة السكان التي تعاني منها اليابان، حيث تفوق معدلات الوفيات بين المواليد الأصليين عدد المواليد، لا تقتصر عليها فقط، بل تكاد تكون عامة في كل الدول المتقدمة الأخرى. ولكن في جميع البلدان المتقدمة الأخرى تقريبا، فإن المنازل التي خلت من المسنين يختطفها الوافدون الجدد، العمال الشباب من البلدان النامية الذين يتوقون إلى مستقبل أفضل لعائلاتهم. وهذا ما لا يحدث في اليابان.

 

هناك إجماع سياسي قوي في اليابان رفض الهجرة الجماعية منذ زمن طويل، وهو ما جعلها من أكثر البلدان تجانسا على وجه الأرض بحيث يمكن التفكير فيها كنوع من الجنة التي يصبو إليها الرئيس الأميركي: مجتمع وطني محدد عرقيا مع القليل من الأجانب، ولكن من دون مستقبل.

 

وأشار تورو إلى أن معدلات المواليد المنخفضة في اليابان تزيد فقط من دوامة الموت الديموغرافية، وأن هذه المشكلة أجبرت الإدارة المحافظة لرئيس الوزراء شينزو آبي على إعادة النظر في موقفها من الهجرة جعلت الحكومة تفتح سبلا جديدة للعمال الأجانب لدخول البلاد، ومع ذلك لا يزال الفصام السياسي حول الهجرة واضحا للغاية حتى مع هذا الانفتاح الجزئي الجديد.

 

وانتقد هذه السياسة بأنها علامة تحذير ساطعة على الانهيار الديموغرافي، وإدانة لمجتمع اختار التجانس على التقدم.

 

وختم بأن الرئيس ترامب في النهاية ليس مخطئا في أن أميركا لديها اختيار. فاليابان تثبت أن الاختيار بين التجانس والتنوع حقيقي، إلا أن التجانس يؤدي إلى الانحدار، بينما يوفر التنوع فرصة على الأقل للحيوية والازدهار المستمر. وتساءل: أيهما نفضل؟

زر الذهاب إلى الأعلى