لبنان ـ حزب الله بلا خيارات والتدويل قادم

نبيل أحمد شحاده كاتب لبناني
الغارة الاسرائيلية على منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية التي استهدفت القائد العسكري في حزب الله هيثم طبطبائي، أتت في لحظة توتّر، وضمن سلسلة متواصلة من عمليات تدمير البنى التحتية للحزب، واغتيال مسؤوليه وكوادره.
هذا كله تعمل عليه اسرائيل في استراتيجية واضحة وواسعة لتفكيك قوى الحزب العسكرية والبشرية عبّرعنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو بقوله:”لن نسمح لحزب الله بإعادة بناء قوته، ولن نسمح له بتشكيل تهديد لدولة إسرائيل مرة أخرى”. ويبدو أنه يُشرف على حصول ذلك في الوقت الحالي دون الإنزلاق إلى حرب مفتوحة أو اجتياح برّي شامل.
اغتيال طبطبائي لا يبعدُ كثيراً عن السياق الإسرائيلي الداخلي؛ فحكومة نتنياهو الغارقة في أزمات سياسية وقضائية، ومُهدّدة باهتزازات بسبب كلفة الحروب المتلاحقة بين غزة ولبنان واليمن وإيران وأيضاً سوريا، تحتاج إلى إنجازات نوعية تُرضي الرأي العام الإسرائيلي وتؤكد له أنها ممسكة بالزمام وتحقق نتائج على الأرض وتصطاد خصومها حتى في أعتى معاقلهم.
وفي العودة إلى طبطبائي، فهو ليس مجرد قائد عسكري في جبهة واحدة؛ فوفق البيانات الغربية، هو الرجل الذي أدار وحدات الحزب في سوريا واليمن، وله دورٌ لا يُستهان به في وحدةِ الرضوان تدريباً وتسليحاً وعقيدة، واغتياله يشير إلى أمرين مهمين؛ أولهما، تطور اسرائيلي كبير يهدف إلى قطع رأس من بقي من القيادة العسكرية والعملياتية التي ما زالت تؤدي واجباتها داخل الحزب في ظروفه الصعبة.
وثانيهما رسالة مزدوجة إلى الحزب بأن لا ملاذ آمناً له، وللدولة اللبنانية بأن قرارَ تصفية الحزب مستمر ولا تراجع عنه.
ويزيد في الأمر سوءاً، أن الحزب الذي وافق على بنود اتفاق وقف اطلاق النار، عاجزٌ عن الرد، أو محكومٌ بمعطيات قد تكون داخلية بسبب الكلفة العالية والكارثية لأية حرب جديدة لا يتحمّلها لا لبنان ولا شعبه، أو خارجية تحدُّ من حركته وخياراته خوفاً من تعطيل مسارات تتعلق بالنووي الايراني.
وفي كلا الحالتين، يتعرّضُ الحزب لاستنزافٍ ممنهج يأكل رصيدَه السياسي والشعبي، وتتهاوى قدراته بشكل يخدمُ تسوية تبدو ملامحها الأولية – من وقت لآخر- في المنطقة.
ونصل إلى قلب المعضلة، وهو المأزق مكتمل الأركان الذي يحاصر الدولة اللبنانية وما بداخلها من وجهات نظر وقوى سياسية متحكمة من جهة، وجيشها الذي يفتقرُ إلى التسليحِ والموارد والغطاء السياسي الكامل من جهة ثانية، فتظهر عاجزةً لا حول لها ولا قوة في عدة مستويات، من تنفيذ القرارات الدولية، فضلاً عن بنود الدستور اللبناني، ووصولاً إلى تنفيذ الإصلاحات الادارية والسياسية والمالية الملحّة على المستوى الداخلي، والمطلوبة من الدول وصناديق المال والإستثمارات العالمية.
كنا نقول سابقاً أن مساحة الخيارات المتاحة للحزب ضيقة جداً، وأن عليه فيما لو سلّمنا جدلاً أنه حزب لبناني، أن يسلكَ واحداً منها وهو تسليم سلاحه كاملاً، ويتحوّل هو للعمل السياسي كما يفعل غيره من الأحزاب، مقابل أن تتفرغ الدولة للديبلوماسية بمساعدة من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لانقاذ لبنان قدر الإمكان.
لكن الوضع الآن اختلف، وبات الحزب في “مخنقة”، فلا هو قادر على الرد العسكري على الاعتداءات الاسرائيلية التي تستهدفه حصراً، ولا هو يتمتعُ بالحريةِ النسبية للاستسلام وفق آلية سياسية تحفظ له شيئاً من دوره.
الحزب لم يعد يملكُ ترفَ المناورة، ولا هو قادرٌ على فرضِ شرط أو مقايضة، ومن كان يقترح أفكاراً مثل “الدمج” أو “التعديل في قواعد الانتشار” أو “تحييد السلاح لا نزعه”، فليعلم أن كل ذلك قد اصبح خارج الطاولة تمامًا.
التطورات الإقليمية والدولية بعد حرب غزة، والضغوط المتصاعدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، والتي ترافقت مع تحول استراتيجي “مرضيٌ عنه” أميركيا في سياسة إسرائيل تجاه لبنان، أدت إلى نشوء معادلة جديدة وقاطعة تقول: إن القرار الدولي بتفكيك القوة العسكرية لحزب الله ومنع إعادة بنائها قد صدر، وسيتم تحقيقه عبر مسار منضبط، أو بصدام قاس ومدمّر.
ويزيد الأمر سوءاً تصاعد التذمر داخل بيئة الحزب التي أنهكتها الحرب الطويلة والانهيار الاقتصادي وتلاشي المساعدات وانعدام فرص العمل، وهي أمام مراسيم الدفن التي تتكرر يومياً، ورغم أنها ترى في الحزب “درع الطائفة وحاميها” بدأت تسأل: إلى أين، وما هو السقف الزمني لهذه التضحيات المفتوحة؟
وسط هذه المعضلة يؤكد محللون أن الأمر هو الآن بيد ايران رغم تراجع نفوذها، والدولة اللبنانية مُطالبة بأن تستجمع ما بقي من قوة لديها، وتبدأ جولة اتصالات واسعة لحشد دعم عربي ودولي يدفع بطهران إلى تغيير سلوكها في لبنان، واقناعها ديبلوماسيا أو عبرعقوبات قاسية، وضربات عسكرية جديدة بأن سلاح الحزب الذي مولته طوال اربعين سنة لم يَعُد له قيمة إضافية، ولن يكون له دور، بعد اليوم، ولو بسيط في حل مشكلتها النووية.
بل أكثر من ذلك، ربما عليها أن تتخلى عن أفكارها التوسعية التي طالما حلمَت بها وأهدرت المليارات لتحقيقها، وتُلزم حزبها المطيع في لبنان على تسليم كافة أسلحته للجيش اللبناني، أو نقلها إلى ايران كحلٍ آخر، ثم يعقب ذلك، إطلاق سراح الحزب من الأسر السياسي والقيادي والعقائدي والمالي الإيراني، والسماح له بحرية الحركة واتخاذ القرارات التي تناسب ظروفه الداخلية، والدخول في اللعبة الديمقراطية اللبنانية إذا كان قادراً على الإستمرار ومواصلة البقاء.
غير ذلك، اسرائيل ستستمر كما يُعلن قادتها، في توجيه الضربات الجوية للحزب في لبنان، وقد تذهب بعيدا إلى حد استهداف كيانات سياسية ومدنية تخدمُ الحزب، أو أو تقدمُ له خدمات وحواضن، ودائماً بذرائع تبتكرها تل أبيب مثل أخطار إعادة بناء قدرات الحزب، أو تهديده لوجود اسرائيل وأمنها.
لبنان يقتربُ من لحظة حاسمة؛ فإما يجد حلاً داخلياً ودولياً لمعضلة السلاح واستعادة سيادته المهترئة وترميمها، وإما سيدخل البلد في مسار انحداري تسقطُ فيه تدريجياً بقايا الدولة، ولا يعودُ ممكناً بعدها التفريق بين الحزب أو الدولة الفاشلة نفسها.
معلومات إضافية ومفصلة
محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.
مواضيع ذات صلة
- هكذا دفعت شركات أميركية الجامعات لمراقبة الطلاب الداعمين لفلسطين
- فضيحة المراهنات في الدوري التركي تتواصل
- فضائح أخلاقية هزت البيت الأبيض
- ضابط سعودي رفيع يهاجم الإمارات بشدة ويصفهم بشياطين العرب
- زيارة وزيرة إسرائيلية إلى الإمارات لإحياء مشروع سكك حديدية
أسئلة شائعة
س: ما أهمية هذا المحتوى؟
ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.
س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟
ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.



