أخبار عالميةالأخبار

اليمين الأمريكي على حافة انفجار داخلي… صراع الأجيال والموقف من إسرائيل

تتصاعد حدّة الانقسام داخل اليمين الأمريكي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث باتت علاقة الحزب الجمهوري بإسرائيل، وامتداد النقاشات حول النفوذ السياسي والإعلامي، أحد أبرز خطوط التصدّع الجديدة.
وقد برز هذا الشرخ بشكل أوضح عقب ظهور السيناتور تيد كروز في برنامج «تاكر كارلسون» في 18 حزيران/يونيو 2025، وهو ظهور اعتبره مراقبون جزءًا من محاولته رسم معسكر سياسي يمهّد لحملة رئاسية عام 2028، في مواجهة تيار «أمريكا أولًا» الذي يمثّله إعلاميون بارزون مثل كارلسون وستيف بانون. لكن جذور هذه الأزمة تعود إلى الأسابيع التي سبقت ذلك، حين فجّر رئيس مؤسسة «هيريتيج» المحافظة، كيفن روبرتس، عاصفة سياسية بعد دفاعه الصريح عن كارلسون عقب مقابلة الأخير مع الناشط اليميني نيك فوينتس المعروف بمواقفه المعادية لإسرائيل وشعبيته المتنامية بين المحافظين الشباب، أثار ظهوره على برنامج كارلسون موجة انتقادات داخل اليمين التقليدي، الذي رأى في المقابلة ميلًا نحو «تطبيع» الخطاب المتطرّف داخل التيار المحافظ.
ورغم محاولة روبرتس لاحقًا التبرؤ جزئيًا من بيانه، والتأكيد أنه «لا يؤيد» آراء فوينتس، فإن حجم الغضب داخل المؤسسة كان كبيرًا لدرجة دفعت شخصيات مرموقة مثل المفكّر المحافظ روبرت بي. جورج إلى الاستقالة من مجلس إدارة المؤسسة، بحجة أن روبرتس لم يقدّم تراجعًا كافيًا عن دعمه الأولي لكارلسون. وبذلك دشّن هذا الحدث مرحلة جديدة من الصراع داخل اليمين الأمريكي، حيث أصبح ملف إسرائيل هو محور «الحرب الأهلية السياسية» الدائرة داخل الحزب الجمهوري.
ويأتي هذا الانقسام على خلفية تحوّلات أعمق في مواقف الرأي العام الأمريكي. فخلال السنوات الأخيرة، تراجعت نظرة الأمريكيين لإسرائيل بصورة ملموسة، خصوصًا بين الأجيال الشابة، سواء في اليسار أو اليمين. وأسهمت الحرب المدمّرة على قطاع غزة، وما صاحبها من صور يومية لضحايا مدنيين، في توسيع الهوّة بين إسرائيل والجمهور الأمريكي. وتشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن نصف الجمهوريين تحت سنّ الخمسين لديهم نظرة «غير إيجابية» تجاه إسرائيل، وهو تحوّل غير مسبوق تاريخيًا.
ويضع هذا التراجع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة أمام معضلة استراتيجية، إذ إن رهاناتها خلال العقد الأخير اعتمدت بشكل أساسي على التحالف مع الجمهوريين بعد اهتزاز دعم الحزب الديمقراطي لها. ومع تصاعد شعبية أصوات يمينية تنتقد الدعم غير المشروط لإسرائيل، باتت هذه الجماعات تخشى أن تفقد القاعدة المؤيدة لها داخل الحزب الجمهوري، مُحوّلةً الجدل إلى معركة وجودية بالنسبة لها.
ويظهر في هذه المواجهة معسكران واضحان: الأول يمثّله كارلسون وبانون ومجلة «ذي أمريكان كونسرفاتيف»، الذين يطرحون تساؤلات مباشرة عن سبب استمرار الولايات المتحدة في تقديم دعم واسع لإسرائيل على حساب مصالحها، ولماذا تُستثنى إسرائيل من مبدأ «أمريكا أولًا». أما المعسكر الثاني، فيضمّ إعلاميين وسياسيين محافظين تقليديين مثل مارك ليفين وبن شابيرو وتيد كروز، ويرى أنّ التخلي عن إسرائيل سيُعدّ تخليًا عن «القيم» و«التحالفات التاريخية». ويُرجّح محللون أن كروز يسعى، عبر تبنّي هذا الخطاب، إلى تقديم نفسه كوريث للتيار الجمهوري التقليدي في 2028، مقابل تيار قومي شعبوي صاعد داخل اليمين.
ويتقاطع هذا الانقسام مع قضية شائكة أخرى أعادت التوتر داخل الحزب: ملف جيفري إبستين. فقد أعادت تسريبات «Epstein Files» الجدل حول علاقة ترامب السابقة بإبستين، وتحوّلت إلى نقطة احتكاك بين الرئيس وأنصار تيار قومي يميني يتبنّى نظريات تربط إبستين بإسرائيل أو بجهاز الموساد، اعتمادًا على شبكة علاقاته مع مسؤولين إسرائيليين سابقين. هذا الربط، رغم غياب الأدلة الحاسمة، أصبح جزءًا من الخطاب السائد داخل بعض المنصات اليمينية.
وقد انعكس ذلك في هجمات ترامب الأخيرة على نواب جمهوريين مثل توماس ماسي ومارغوري تايلور غرين، وهما من أبرز الأصوات داخل الحزب المطالبة بنشر ملفات إبستين بالكامل، ومن أشد المنتقدين للدعم غير المشروط لإسرائيل. ويواجه ماسي، تحديدًا، حملة تمويل مضاد تقودها شخصيات بارزة داعمة لإسرائيل مثل بول سينغر ومريام أديلسون، ما يجعل معركته الانتخابية المقبلة واحدة من أكثر معارك اليمين الجمهوري رمزية في السياق الحالي.
وفي خضم هذا المشهد، يبرز اسم نائب الرئيس جيه. دي فانس، المرشح المرجّح لخوض انتخابات 2028، باعتباره الشخصية القادرة على التوفيق بين التيارات المتصارعة داخل اليمين. ويعيد فانس تقديم نفسه كنموذج جديد من الجمهوريين: لا يرى إسرائيل «حليفًا استثنائيًا»، بل دولة أجنبية ينبغي التعامل معها وفق المصالح الأمريكية فقط، مع الحفاظ في الوقت ذاته على خطاب يستوعب مخاوف الأمريكيين اليهود من تصاعد معاداة السامية.
وبرغم نجاح ترامب خلال السنوات الماضية في تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب شعبوي الطابع، إلا أن اليمين الأمريكي أصبح اليوم ائتلافًا هشًا بين أكثر الأصوات تأييدًا لإسرائيل وأكثرها عداءً لها. ورغم أن الناخب الجمهوري العادي يهتم أكثر بقضايا الهجرة والأمن والاقتصاد، إلا أن اللوبي الإسرائيلي – مع تراجع الدعم الديمقراطي لتل أبيب- بات يلجأ إلى أساليب ضغط قوية للحفاظ على نفوذه داخل اليمين، ما يعزز الانطباع بأنه يمارس تأثيرًا مفرطًا على السياسة الأمريكية.
في المحصلة، تشير المعطيات إلى أنّ إسرائيل باتت تخسر نفوذها التقليدي داخل اليمين الأمريكي، بعد أن فقدت الجزء الأكبر من دعم اليسار. وقد يكون دونالد ترامب – رغم دعمه التاريخي لإسرائيل-آخر رئيس جمهوري يُنظر إليه كصديق وثيق لها. أما المرحلة المقبلة، فستتشكّل وفق التحالفات والخطابات التي يتبنّاها الجيل الجديد من الجمهوريين، والذي يبدو أكثر ميلًا إلى تبنّي نزعة انعزالية تُفضّل المصالح القومية على الارتباطات الخارجية، ما يهدد بتغيير جذري في معادلة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل خلال السنوات المقبلة.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى