لبنان ـ أين ذهبت وعود الرئيس جوزاف عون في مواجهة الفساد؟

نبيل أحمد شحاده
شكّل الفساد أحد أعمدة البنية العميقة التي قامت واستندت عليها الدولة اللبنانية، ومع مرور الزمن أصبح منظومة متكاملة موزّعة على كل ممثلي الطوائف والقوى السياسية بمختلف توجهاتها، وباتت تُعيد انتاج نفسها باستمرار فتحمي نفسها ومكتسباتها، وتواصل ارهابها بشتى الطُرُق، فلا يجرؤ أحد على مواجهتها أو فضح ملفاتها.
ورغم تعاقب رؤوساء الجمهورية والحكومات منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، إلّا أن ملفات الهدر والنهب والصفقات والتزوير والجرائم المالية بكل أنواعها بقيت خلف جدران عالية من الصمت، محرّمة على التداول الحقيقي، وممنوعة من سوقها للعدالة، وكلما علا مقام المُتهم زادت سماكة جدران الصمت وارتفع منسوب الخوف.
كثيرون رفعوا الصوت، وأعلوا رايات الإصلاح، ووعدوا بمحاسبة المسؤولين عن كل فساد، ولكن النتيجة كانت دائماً معروفة من اللبنانيين وبقيت واحدة: لا ملف يُفتح، ولا مسؤول يُحاسب، ولا دولة تقوم أو تُمارس واجباتها.
تفاءل اللبنانيون كثيراً ببداية عهد الرئيس جوزاف عون، وسرّهم ما جاء صريحاً في خطاب القسم عن مكافحة الفساد وأنه اولوية وطنية، وركن أساسي من مشروع استعادة الدولة، وما قاله لاحقاً بأن “محاربة الفساد أساسية، والملفات ستُفتح مهما كانت طائفة المرتكبين”، فاعتبروا ذلك بداية حقبة جديدة مستندة إلى دعم عربي ودولي واسع، وهي حتماً ستكون مختلفة، وستؤدي إلى فتح باب المحاسبة وجرّ المرتكبين وتطبيق العقوبات على مَن يستحقّها.
ولكن، وبعد مرور حوالي سنة كاملة، اتضح أن الأمور تجري في غير المسار الذي توقعه وانتظره اللبنانيون؛ فلم يُسجل أي خرق في جدار الفساد، ولا أية خطوة عملية، في ملفاته المتراكمة منذ عقود، حتى في ملفات بسيطة مثل أوضاع النافعة وتسجيل السيارات ورخص القيادة، وفوضى خطوط الهاتف “المشبوهة”، واخبارات كثيرة من المواطنين في شتى المجالات الحياتية، بل فوجأ الجميع بأن المتهم الرئيسي بقضية حياتية مسّت ارواح اللبنانيين في تزوير أدوية السرطان وهو شقيق الوزير السابق علي حسن خليل يُطلق سراحه، فيما زوجته وهي متهم أيضاً هاربة وتعيش في جورجيا.
ولا ينسى اللبنانيون قضية تفجير مرفأ بيروت – المعروفة بالوقائع والأسماء- أن ملفّها ما زال أسير الركام القضائي والسياسي، والعجز من احضار متهم واحد وتقديمه للعدالة، ناهيك عن ملفات مزمنة وكبيرة في.
الادارات والوزارات، مثل قطاع الكهرباء الذي تأكد الهدر المالي فيه بنحو عشرات مليارات الدولارات، وعقود جمع النفايات في المدن، والمرافئ وما يجري فيها تهريب وسمسرات وتورّط في تسريب أسلحة، وقطاع الاتصالات وسوء اداراته وهدر واراداته، وأيضا كازينو لبنان المشهور باسم “مغارة الفساد”، وكثير غيرها لا يُحصى.
الرئيس جوزاف عون الذي قال أمام وفد الرابطة المارونية:” ان من يغطي الفاسد هو شريك في الفساد”، لم يتمكن حتى ألآن من فعل شيء، بل ازداد اللبنانيون يقيناً بأن منظومة الفساد ما زالت أقوى من الدولة وعصيّة على المحاسبة، وهي لها أدواتها وعملاؤها في سراديب ودهاليز مؤسسات الدولة، حيث يتداخل النفوذ المالي بالسياسي والطائفي، ويسمح للصفقات المشبوهة أن تمرّ، ولكل الفاسدين أن يحموا انفسهم من المحاسبة.
خطاب القسم ظلَّ كلاماً في الهواء -أقله حتى الآن- والأداء على الأرض بقيَ محكوماَ بنفس الشروط التي كبّلت العهود السابقة وأعجزتها عن تنفيذ ما أعلنت عنه؛ عهود كانت معجونة دائما بمكونات من الطبقة السياسية نفسها التي خربت لبنان، والتي لا تريدُ الاصلاح أصلاً، ولا ترغب في تحقيق أي إنجاز يحاصرها ويُعرّض مصالحها المالية للخطر أو يمنع هيمنتها على مقدرات الدولة.
قد يقول قائلٌ أن الرئيس لديه القدرات والإمكانات اللازمة ولكن الوضع السياسي أكبر واقوى منه. والجواب البسيط هو أن الرئيس عون ليس غريباُ عن هذه الطبقة فقد عاصرها وتعايش معها وعرف خفاياها مدة ستة سنوات خلال تبوأه منصب قيادة الجيش، وعندما وصل إلى سدّة الرئاسة، كان يجب أن يكون مستعدا لمواجهتها ووضعها أمام الأمر الواقع، وأن يفرض عليها التزام القوانين، وتقديم التنازلات المطلوبة لأجل الوطن ومصلحة الناس الذين يعتبرهم أولوية في سياسته ونهجه.
إن مرور سنة على العهد الحالي دون انجاز واحد في ملف مكافحة الفساد وغيره من الملفات المتراكمة، لا يعني فشلاَ عابراً للرئاسة والحكومة، بل هو يؤكد حقيقة أصبحت ثابتة وهي أن الفساد في لبنان هو نظام حكم لا يتأثر باختلاف العهود ولا بتبدل الأسماء. إنه دليل يقيني على أن الدولة فقدت القدرة على إنقاذ نفسها وشعبها.
معلومات إضافية ومفصلة
محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.
مواضيع ذات صلة
- ماذا دار في قمة أنقرة بين الرئيسين أردوغان ومحمود عباس؟
- إدانات فلسطينية وعربية وإسلامية لتصويت الكنيست على قانون ضم الضفة
- بعض اليهود علماء دين
- [=;-lp-l
- لولاهم
أسئلة شائعة
س: ما أهمية هذا المحتوى؟
ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.
س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟
ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.



