أخبار عربيةالأخبار

الاعتراف بدولة فلسطين خطوة رمزية غير كافية

نبيل شحادة

منذ أكثر من ثلاثةِ عقود والقضية الفلسطينية تدورُ في حلقة فارغة تتمثّل دائماً بوعودٍ دولية بالسلام، واعترافات متفرقة دون وزن أو أثر بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مقابل واقع يومي يزدادُ تعقيدًا بفعل الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الانسان، لتجيء الحرب الدامية المروّعة التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، وما تنقله وسائل الإعلام من مشاهد القصف والدمار والحصار والتجويع والنزوح، لتعيد وبزخم القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، وصدارة الاهتمام، وتضعها على طاولات القرار الدولية بعد عقود طويلة من التهميش والتجاهل. كما ساهم ظهور وعيٌ شعبي جديد وغضب عارم في عواصم العالم تمثّل في تحركاتٍ شعبية ومسيرات حاشدة، في حشرَ الحكومات الغربية في زاوية سياسية وأخلاقية، دفعها الى أن ترفع من مواقفها الاعتيادية المُندّدة والمُستنكرة الى مستوى أعلى وهو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين التي ظهر اسمها إلى العلن أول مرة في عام 1988.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أكدّ هذا الواقع الجديد في حديث الى شبكة “فوكس نيوز” فقال: أنّ الدول التي تعترف بدولة فلسطينية تفعل ذلك بسبب ضغوط سياسية داخلية.
موجة الاعتراف جاءت لتعبّرُ عن الاستياء من السياسات الإسرائيلية التي يرسمها وينفذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتبعثُ رسالة واضحة وقاسية بأن استمرار الاحتلال ورفض حل الدولتين لم يعد مقبولاً دولياً، وتضغطُ لكسرِ حالة الجمود في عملية السلام التي طالها الإهمال السياسي والدبلوماسي المقصود منذ سنوات، والأهمّ من كل ذلك، إفهام اسرائيل أنها لن تستطيع أن تطمس “فلسطين” تحت ركام البيوت المدمرة ووسط اشلاء ودماء الشعب الفلسطيني في غزة والضفّة الغربية.

حتى الآن أكثر من خمس عشرة دولة غربية آخرها بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال أعلنت اعترافها رسميا بدولة فلسطين، وانضمّت إلى أكثر من مئة وأربعين دولة أخرى تدعم تطلعات الفلسطينيين إلى إقامة دولة مستقلة على أساس قرارات الشرعية الدولية، وتبني بذلك التزامًا قانونيًا أكثر وضوحاً يرفضُ الاحتلالَ الإسرائيلي بكل أشكاله وممارساته.

ولكن يجب التوقّف هنا والتذكير، بأنّ الاعترافات رغم آثارها الرمزية والسياسية والمعنوية تبقى هشّة وفارغة، ودونها عقبات جوهرية تحول دون ترجمتها إلى مشروع دولة فعلية حرة ومستقلة في الحال. ومن هذه العقبات:

أولاً: الاحتلال الذي يتحكّم عبر انتشار واسع لقواته وآلته العسكرية بمساحات جغرافية واسعة وحيوية تشمل الأملاك والحدود، وحركة التنقل، والموارد المائية والمحروقات، والمعابر، والأجواء، ويمتلك كذلك القدرة على جعل إقامة سيادة دولة كاملة أمراً صعباً ومعقداً، ويبقيها واقعاً على الورقِ فقط حتى لو اعترفت بها كل دولُ العالم.

ثانياً: معارضة إسرائيل الشرسة لمفهومِ دولة فلسطين، فكيف وأن تُصبح واقعاً حقيقياً، ممّا يدفعها الى اتخاذ ردّات فعل تتراوح بين دبلوماسية غضب، وتهديدات لا تحترم تعهدات ولا مواثيق، أو حتى خطوات أحادية مثل مواصلة اعتماد العنف والقبضة الحديدية، والاستمرار في تدمير وانهاء كل مظاهر الحياة كما يحدُث في غزة، او توسيع الاستيطان وتفتيت الترابط الجغرافي والاجتماعي للفلسطينيين داخل الضفة.

ثالثاً: الانقسام السياسي الفلسطيني بين الضفة وغزة، الذي يعرقلُ القدرةَ على تأسيس جهاز حكومي قوي ومتماسك وموحد يدير الدولةَ بطُرقٍ مستقرة وشفافة، في وقت يتطلبُ بناء الدولة توحيد مؤسسات الحكم وآليات الخدمات، وإصلاح أدوات القانون والعدالة وضمان الأمن الداخلي، وهي امور غير متاحة في الظرف الراهن.

رابعاً: يلعب الموقف الأمريكي دوراً رئيسيا في النظام العالمي ويعمل بشكل دائم سراً وعلانيةً، على معارضة الدولة الفلسطينية، ويُقلّل من فاعلية الاعتراف بها من دول أخرى، ولا يستبعد مراقبون أن تلجأ الولايات المتحدة إلى اجراءات أو عقوبات تُجبرُ الدول على إعادة النظرِ بمواقفها، أو تفريغ اعترافاتها من مضمونها لتبقى ضمن إطار “الهمروجة” الاعلامية دون تأثير أو خطوات جادة.

خامساً: المواقف العربية شكّلت على المدى الطويلة معضلة في اطار القضية الفلسطينية، وهي وأن كان ظاهرها يحملُ الاجماعَ والتوافق على الاعترافِ بدولة فلسطين، ولكنها – مع الأسف- تحملُ في أعماقها تباينات واسعة ناتجة عن غياب الرؤية المشتركة، وأولوية الحسابات الداخلية والعلاقات الدولية والمعاهدات والتحالفات الأمنية والاقتصادية، مما أبقى الاعتراف في مجاله النظري والسياسي، ولم يتحول الى قوة فعلية تُلزمُ اسرائيل بوقف احتلالها وتوسّعها الاستيطاني ومنح “دولة فلسطينية” فرصة للحياة.

ما تقدّم، يوضح أن تحقيقَ حلمِ الدولة الفلسطينية ومعها السلام في الشرق الأوسط لم يعد مسألة شعارات أو بيانات سياسية، بل هو حلّ تاريخي وحاسم يتطلب مقاربة جديدة وشاملة على المستويين العربي والدولي. على المستوى العربي، المطلوب أولاً، العمل السريع على إنهاءِ الانقسام الفلسطيني الحاد، والسعي لتوحيدِ القرار والمؤسسات، ثم ابتكار وسائل لتحويل الاعتراف إلى قوة فعلية وجازمة، تربط أي مسار للتطبيع أو التعاون أو اقامة العلاقات مع إسرائيل بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ووقف الاستيطان، والانسحاب من الاراضي التي تحتلها حسب القرارات الدولية، ويتبعُ ذلك تأسيس صندوق عربي دائم لإعادة الإعمار، ودعم التنمية في الضفة وغزة لتعزيزِ صمود الشعب الفلسطيني وقدرته على بناء مؤسسات دولته والالتفات الى تحقيق ازدهارها ورفاهية شعبها.
أما دولياً، فالمجتمع الدولي مطالبٌ بأن يتحرك بشكل عملي وشامل ليعيد التوازن إلى مسار القضية الفلسطينية بعد عقود من المماطلة، وأن يتجاوزَ سياسة الاكتفاء ببيانات الإدانة، وكذلك الكفّ عن ازدواجية المعايير والتناقض الصارخ بين الأقوال والممارسة، وأن يتحول إلى طرف فاعل ويستخدم أدواته القانونية والسياسية والاقتصادية لإنهاء الاحتلال لضمان عضوية تامة في الأمم المتحدة لدولة فلسطين وما يترتب على ذلك من شرعية سياسية وقانونية، وتوفير حماية حقيقية للفلسطينيين، فضلاً عن نشر آليات مراقبة على الأرضِ لوقف الانتهاكات اليومية وإنهاء الاحتلال وعمليات الضم والتهويد والاستيطان، ودعم تأسيس بنية تحتية متكاملة وأجهزة خدمات وحماية قوية، بما يسمح بقيام هذه الدولة.

الاعتراف بدولة فلسطين ليس مفتاحًا سحريًا بل هو دفعةٌ أخلاقية ومعنوية وسياسية مهمة للفلسطينيين وللمساعي الدولية لحل الدولتين، على قاعدة اعتبارها “حقاً لا مكافأة”، ليبقى أن التحدي الحقيقي سيتطلب ثلاثة أمور متزامنة وهي:
ضغطٌ دوليٌ متواصل وموحد ويشمل خطوات دبلوماسية واجراءات عملية.
إصلاح داخلي فلسطيني يؤسسُ لوحدة مؤسساتية حقيقية ورؤية مستقبلية جادة وواقعية.
خطط عمل استراتيجية على الأرض تضمن انتقالًا تدريجيًا لسيادة فعلية على المساحات الجغرافية والحضور البشري والموارد ونقاط العبور والخدمات الحيوية.
هذه الأمور يمكن أن تحوّل الاعترافَ بالدولة الفلسطينية من خطوة رمزية إلى بداية مرحلة جديدة تُشكّلُ ركيزة لاستقرار الشرق الأوسط تعيدُ التوازنَ إلى المنطقة، وتؤسسُ لسلام عادل، وتُنتج دولة حقيقية تؤمّن متطلبات حياة وأمن واستقرار الشعب الفلسطيني وبقائه، ويسهّل تدفق موارد مالية واقتصادية لإعادة إعمار البنية التحتية في غزة والضفة الغربية.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى