أخبار عربيةالأخبارالمغرب

العاهل المغربي يجدد دعوة الجزائر للعمل معاً لبناء علاقات على أسس الثقة

مرة أخرى، يعتمد المغرب سياسة «اليد الممدودة» تجاه الجزائر من أجل إعادة بناء علاقات قوية تعزز المصالح الثنائية للبلدين الجارين، كما تعيد ترميم البناء المغاربي في عالم يقوم على التكتلات الإقليمية المستندة إلى الأبعاد الجيوستراتيجية.
وفي هذا الصدد، جاء الخطاب الذي وجهه العاهل المغربي محمد السادس، مساء الثلاثاء، بمناسبة عيد العرش (ذكرى الجلوس)، متضمناً نداء صريحاً إلى الشعب الجزائري، إذ جاء فيه: وبصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك.
وأكد أنه حرص دوماً على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبّر عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين. واستطرد العاهل المغربي قائلاً: إن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا معاً على تجاوز هذا الوضع المؤسف. كما أكد تمسكه بالاتحاد المغاربي، واثقاً بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة.
ومن جهة أخرى، عبّر الملك محمد السادس عن اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية، مثنياً في هذا السياق على «الموقف البناء» لكل من المملكة المتحدة وجمهورية البرتغال، معتبراً أنه يعزز مواقف العديد من الدول عبر العالم. وقال: بقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
ورغم الحدود المغلقة بين البلدين منذ 1994، حرص المغرب في أكثر من مناسبة على تجاوز الخلاف مع الجزائر؛ ففي خطاب العاهل محمد السادس يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أكد أن الرباط مستعدة للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، مقترحاً لهذا الغرض إحداث آلية مشتركة.
وفي خطابه بمناسبة عيد العرش 2021، جدد العاهل المغربي الدعوة الصادقة للمسؤولين الجزائريين من أجل العمل معاً لبناء علاقات على أسس الثقة والحوار وحسن الجوار، معرباً عن اعتقاده بأن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين. وكرّر الدعوة نفسها في خطاب العرش 2022، مشدداً على أن الجزائريين سيجدون دائماً المغرب إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال.
ويرى مراقبون أن الهدف من هذا التوجه لدى السلطات المغربية هو تقديم البلد في صورة الطرف الساعي إلى السلام وحسن الجوار أمام المجتمع الدولي، وكذا السعي بشكل غير مباشر إلى كسب تعاطف الرأي العام الجزائري من خلال التركيز على القواسم المشتركة والروابط الاجتماعية؛ علاوة على تجنب أي تصعيد من شأنه أن يلحق ضرراً ما بالاستقرار في المنطقة.
مقابل ذلك، تبدي سلطات الجزائر تحفظاً على الدعوة المغربية لإعادة إحياء العلاقات بين البلدين، معتبرة أن المغرب لم يتوقف يوماً عن الأعمال العدائية ضد الجزائر، وفق تعبير وزير خارجية هذا البلد رمطان لعمامرة. كما يؤكد قصر «المرادية» أنه لا يقبل أي حوار ثنائي شامل إلا بعد تغيير المغرب لموقفه من قضية الصحراء والقبول بمبدأ تقرير المصير.
لكن المغرب يتجنب التصعيد، ويتفادى الرد على المواقف الحادة بلغة التهدئة، كما يشدد على أن تعزيز التعاون مع جارته الشرقية سيخدم استقرار المنطقة المغاربية والتنمية المشتركة. ورغم أن قضية الصحراء تشكل الخلاف الأساسي بين البلدين الجارين، فإن المغرب يدعو إلى فصل الخلافات السياسية عن المصالح المشتركة للشعبين.
وشهدت العلاقات بين البلدين مراحل متقلبة، فبعدما كان المغرب يدعم الثورة الجزائرية سياسياً وعسكرياً ضد الاستعمار الفرنسي، ظهرت بعد استقلال الجزائر الخلافات حول ترسيم الحدود، خاصة في منطقتي تندوف وبشار اللتين يعتبرهما المغرب جزءاً من حدوده التاريخية، ما أدى إلى «حرب الرمال» 1963.
وعندما استعاد المغرب الصحراء من الاستعمار الإسباني 1975، ازدادت حدة الخلاف بين البلدين الجارين بسبب دعم الجزائر لجبهة «البوليساريو»، ما انعكس سلباً على محاولة التقارب بعد تأسيس اتحاد المغرب العربي 1989.
وبعد التفجيرات التي شهدها مدينة مراكش 1994، قررت الجزائر إغلاق الحدود البرية كرد فعل على قرار المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين. واستقبل المغاربة تجديد العاهل المغربي لمد اليد للأشقاء في الجزائر بالحفاوة نفسها التي رافقت المرات السابقة حين شدد على أن المغرب مستعد لحوار أخوي، وأن ما يجمع الشعبين الشقيقين إنساني وتاريخي عريق.
وتوزعت اهتمامات المغاربة بكل محاور الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش (عيد الجلوس)، وحظي المحور الذي تحدث فيه عن العلاقات مع الجزائر باهتمام الإعلاميين والمحللين السياسيين والمثقفين والفنانين.
الإعلامي عبد الحميد جماهري، مدير صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، ذكر في تدوينة على الفيسبوك أن خطاب العرش يعيد من جديد دعوة اليد الممدودة ويطمئن الجيران أن ملك المغرب يريد حلاً لا غالب فيه ولا مغلوب.
وأكد الإعلامي عبد الصمد بن شريف، المدير السابق للقناة الثقافية، أن سياسة اليد الممدودة من طرف ملك المغرب تجاه الجزائر «شكلت ثابتاً بنيوياً في العديد من الخطب». وأشار إلى أن هذه «الخطوة الجريئة والتاريخية» لم تقتصر «على عزم المغرب الأكيد على تصفية الأجواء وتنقيتها فقط»، فقد سبق أن تقدم الملك محمد السادس في مناسبات سابقة باقتراح عملي إلى المسؤولين الجزائريين، تمثل في إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، مهمتها الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية، وصدقٍ وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ومن دون شروط أو استثناءات.
ومن جهته، بادر المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال» إلى إصدار بيان عبر فيه عن «إشادته العالية» بتجديد تمسك الملك محمد السادس بالاتحاد المغاربي، الذي لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة. وتأكيداً لذلك، أبرز المركز بأن موقف العاهل المغربي «واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك.
وقال حزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، في بيان، إنه يشيد عالياً بحرص الملك على سياسة اليد الممدودة إزاء الأشقاء الجزائريين. ويتطلعُ الحزبُ إلى أن يلتقط حكّام الجزائر الشقيقة رسالة السمو والنّبل التي يحملها مجددًا الخطاب الملكي، بصدق وإرادة وحسن نية، لما فيه مصلحة وخير بلدانِ وشعوب الاتحاد المغاربي ذات المصير المشترك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى