أخبار عالميةالأخبار

المعارضة التشادية: تركيا ترمم الجروح التي صنعتها فرنسا

في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة التشادية تحولاتٍ ملحوظة على الصعيد السياسي والدبلوماسي، وعلى صعيد العلاقات والتحالفات التي تسير في ضوئها.

 

فهذا البلد الغنيّ كان قد عرف لعقود طويلة التدخلات الفرنسية السلبية، دون منافسة تذكر، منذ عهد الاستعمار المباشر وصولاً إلى عهد الاستعمار الاقتصادي والتحكم بمقدّرات هذا البلد دون وجه حق.

 

واليوم، ظهر على ساحته لاعبٌ جديد، حاملاً معه عروضاً وفرصاً أقلها فائدةً هو أفضل من أفضل ما تقدمه فرنسا.

 

هذا اللاعب هو تركيا، التي أخذت توسّع دخولها في القارة الإفريقية عاماً بعد عام، حتى باتت ورقةً رابحة من جهة، وشريكاً يمكن الاعتماد عليه دون التخوّف من نيةٍ يبيّتها للتغوّل ووضع اليد على ثروات البلدان الإفريقية، بما فيها تشاد.

 

رئيس تنسيقية المعارضة التشادية محمد أبوبكر موسى، تحدث لـ”وكالة أنباء تركيا” عن الدور الفرنسي في تشاد، والعلاقات التركية التشادية.

 

الدور الفرنسي في تشاد

 

عن هذا الدور، قال موسى إن دولة تشاد تعتبر من الدول الإفريقية التي استعمرتها فرنسا من قبل، وبعد الاستقلال تركت فرنسا وكلاء لها، وهؤلاء الوكلاء ما يزالون يقدّمون لفرنسا ثروة البلاد، دون موافقة من الشعب.

 

وتابع أن ذلك يحدث مع العلم أن الاستعمار الفرنسيّ قد مارس أسوأ أنواع الاستبداد والقهر والاستعباد واستغلال الإنسان التشاديّ وموارد البلاد، وانتهاك حقوق الإنسان.

 

وأوضح موسى أنه أصبح هناك وجودٌ فرنسي بصورتين في تشاد:

 

1- الصورة الأولى الوجود العسكري، الذي من خلاله تستطيع فرنسا أن تنصّب الرئيس وتتحكّم به وبقراراته الداخلية والخارجية، وتملي عليه قراراتها، فيكون رئيساً صورياً ليس له أي قرار.

 

2- الصورة الثانية الدور الاقتصادي، من خلال استغلال الموارد الطبيعية، واستعباد الناس، فقد أصبحت فرنسا تتحكم وتفرض الرسوم في صكّ العملة، ولا يوجد لدى تشاد بنك مركزي ولا احتياطي للعملة الوطنية، فالمقر في باريس وموارد بلادنا رهينة تحت رحمة المؤسسات الفرنسية الخبيثة الفاسدة، وتشاد دولة غنية لكن ترتيبها دائماً في ذيل قائمة دول العالم في كل شيء بسبب ما تقوم فرنسا.

 

وتابع موسى مشيراً إلى أن هناك دوراً سياسيّاً تمارسه فرنسا، وهو التحكم بالقرار السياسي، فهي التي تقرّر وتتحكم في سياسة البلد، ولها دورٌ استعماريّ كامل الأركان.

 

وأكد أن الاستعمار الفرنسي هو من أسوأ أنواع الاستعمارات على مرّ التاريخ، فقد خدعت فرنسا الشعب التشاديّ خلال العقود الماضية أنّ دورها سيقتصر على الشراكة وفق سياسة المصلحة المشتركة مع الشعب.

 

وأضاف: ولكن مع مرور الوقت، بات الشعب يستوعب تدريجياً، وأخيراً أدرك أن فرنسا لم تكن شريكاً له أبداً، بل كانت تستغلّ بلادنا وتسيطر علينا.

 

وأردف: أنه من ضمن دور الوجود الفرنسي هو دعم الأنظمة الديكتاتورية القمعية القاتلة المستبدة، فما من حاكم ديكتاتور إلا وخلفه فرنسا، وما من دمارٍ إلا وخلفه فرنسا، لذا فالدور الفرنسيّ دورٌ سلبيٌّ جداً لم ولن نجد منه منفعة أبداً.

 

ولفت موسى إلى أن الاتحاد الأوروبيّ والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، جميعها ترفض الظلم وتنادي بالحرية والعدالة، لكنّ فرنسا خالفت العقود والمواثيق الدولية، فانتهكت حقوق الإنسان في تشاد، مستغلةً نفوذها الدولي.

 

وأوضح قائلاً: نحن في تنسيقية المعارضة التشادية، نسعى إلى نشر ثقافة السلام والتحرّر من عبودية الاستعمار الفرنسي.

 

كيف دخلت فرنسا إلى تشاد ومن دعم دخولها؟

 

وهنا، بيّن موسى أن فرنسا دخلت إلى تشاد بداية العقد الأول من القرن الماضي، كدولة غازية مستعمرة طامعة بمواردنا وخيرات بلادنا، ومنذ ذلك الوقت وفرنسا مستمتعة بخيرات بلادنا حتى اللحظة عبر سياسات استعمارية وضعتها مسبقاً.

 

وشدّد أن فرنسا جائت كدولة غازية، في البداية واجهها الشعب برفضٍ قاطعٍ وقت الممالك، حيث استخدمت أسلوب القوة العسكرية والقتل والتشريد، وذلك لم يرعب الشعب في الدفاع عن عرضه ووطنه.

 

وأضاف أن ذلك استمرّ حتى استخدمت فرنسا سياسة (فرّق تسد) بين المجتمع التشاديّ، وقتلت علماء الدين، ونفّذت مجازر مروّعة أشهرها مجزرة الكبكب التي راح ضحيّتها 400 عالم دين، وفتّتت النسيج الاجتماعيّ لبلادنا وقسمتنا إلى دويلاتٍ داخل دولة، وشتّتت فكرنا وأشغلتنا ببعضنا واستخدمت أسلوب غفلة الشعب عن حقه وإشغاله  بالحروب الأهلية المصنوعة.

 

هل فرنسا متورطة بإدخال الإرهاب إلى تشاد؟

 

وفي إجابته على هذا السؤال، قال موسى: عندما جاء الاستعمار الفرنسيّ لم يكن هناك إرهاب أبدا.

 

وتابع: بعد الاستقلال عام 1960، طالب أنقرتا تمبلباي، أول رئيس تشاديّ، بخروج القوات الفرنسية من تشاد، وكانت أولى مهمّات الجيش الفرنسيّ هي الإطاحة به واغتياله بصورة غامضة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت فرنسا على علمٍ بأن خروج قواتها سينهي العقود المبرمة والظالمة، لذلك صنعت الحجج لبقاء قواتها في تشاد.

 

وأكد أن المهمّة الرئيسية للقوات الفرنسية ليست محاربة الإرهاب كما يدّعون، بل إن مهامّها تعيين الرؤساء، ودعم الانقلابات، ومحاربة أو دعم حركات التمرّد، والاغتيالات السياسية.

 

وشدد أن فرنسا هي الداعم الرئيسي للإرهاب، وهناك قرائن تشير إلى ذلك، منها أن:

 

– الأسلحة التي يتمّ ضبطها دائماً بيد الإرهابيين، فرنسية الصنع.

 

– والإرهاب لا ينبع إلا من أماكن وجود الجيش الفرنسيّ.

 

وأردف “وثّقنا لشعبنا عبر المنابر الإعلامية الرسمية لتنسيقية المعارضة التشادية، العلاقة الوثيقة بين المخابرات الفرنسية والجماعات الإرهابية، ولولا الجماعات الإرهابية التي صنعتها فرنسا ما كان لها وجودٌ عسكري ولو لم يكن الوجود العسكري لتحرّرنا من هيمنتها القاتلة، فالجماعات الإرهابية التي يتمّ ضبطها يتم إطلاق سراحها بأمر من السفير الفرنسي أو قائد عمليات بورخان.

 

ما هي الأطماع الفرنسية في تشاد؟

 

وحول هذه الأطماع، قال موسى إن تشاد دولة غنية بثروة معدنية وحيوانية وزراعية ونفطية، وهذه الموارد مكثت في يد المؤسسات الفرنسية وتحت رحمتها.

 

وأوضح أن المكوّنات الرئيسية للاستعمار الفرنسيّ الجديد، أي ما بعد الاستقلال المزيّف، هي:

 

1- تسديد دين سنويّ بسنبة 50%.

 

2- مصادرة الاحتياطات الوطنية بصورة دائمة.

 

3- حق الأولوية لفرنسا لأي مورد طبيعيّ أو خام تمّ اكتشافه.

 

4- الأولوية الكاملة للشركات الفرنسية في العقود العامة والإنشاءات العامّة.

 

5- الحقّ الحصري في توريد المعدّات العسكرية والتعامل عسكرياً مع فرنسا فقط.

 

6- حقّ فرنسا المسبق بنشر قوّاتها أو التدخل في أي مناسبة في الدولة.

 

7- الالتزام باللغة الفرنسية لغةً رسميةً في البلاد ولغةً للتعليم.

 

8- الالتزام باستخدام العملة الفرنسية FCFA.

 

9- الالتزام بإرسال تقرير الرصيد والاحتياطيّ السنوي إلى فرنسا”.

 

وتابع موسى إن هذه هي أبرز النقاط الواضحة والأهداف المهمّة للوجود الفرنسيّ، لذالك هي تفرض وجودها العسكريّ دون إرادة الشعب ودون إرادة المطيع التي تضعه في رأس الدولة، وإن خالف أمر فرنسا فسيكون مصيره مثل رئيس غينيا السابق، أحمد سوكوتوري، صاحب مقولة (نفضّل الحرية في الفقر.. على الترف في العبودية).

 

كيف تنظر تشاد إلى الدور التركي فيها؟

 

وعن هذا الدور في إفريقيا وتشاد، قال موسى: نحن ننظر ونتابع، هناك دول إفريقية مواردها بسيطة مقارنةً بتشاد، وتلك الدول تعاونت مع تركيا وبالفعل كان ذلك تعاوناً قائماً على المصالح المشتركة، وتلك الدول استقام مؤشر النموّ لديها بصورة واضحة.

 

وتابع: برأيي إن تعاون تركيا مع تشاد أفضل، ففرنسا قد أخذت فرصةً كافية، ومن خلالها لم نجد أية فوائد أبداً، فأنا وكثيرون من قادة التحالفات السياسية ومعظم الأحزاب لا نثق في فرنسا أبدا.

 

وأكد أنه في حال طرح خيار التعاون مع تركيا أو فرنسا على النظام القائم دون عواقب، فسيختار تركيا بكل تأكيد، فهي دولة صادقة وأمينة وقد دعمت شعبنا دون مقابل، والشعب يرحّب بتركيا إن تُرك الخيار له.

 

وقال: بالفعل إذا بدأنا بالتعاون مع تركيا أولاً في المجال الاقتصاديّ، سنكون ضمن الدول الأفضل في إفريقيا، وفي المجال الأمنيّ سنقضي على الإرهاب الذي زرعته فرنسا، ومن هنا تبدأ عجلة النجاح لبلادنا.

 

وفي معرض الإجابة على سؤال حول إلى أي مدى يمكن أن تكون العلاقات مع تركيا مثمرة، شدد موسى أن تركيا دولة لديها شركات ونفوذ قويّ ونحن لدينا موارد طبيعية ضخمة، وبذلك إذا بدأنا التعاون سوياً ستكون مثمرةً للطرفين، وهذا حلم بالنسبة لنا ولشعبنا أن نتعاون مع تركيا، ولذا فستكون النتائج إيجابية ومثمرة وسريعة.

 

هل تقف فرنسا جانبا ببساطة؟

 

أما التساؤل الذي يفرض نفسه حول توقعات أن تعرقل فرنسا أي توسّع في العلاقات التركية التشادية، فأجاب عليه موسى بالقول: نعم، فرنسا خائفةٌ من النوايا التركية الصادقة تجاه شعبنا، وقد بدأت عرقلتها بالفعل، وهي تتّهم أي جهةٍ رافضة لوجودها بالعميلة.

 

وتابع: فرنسا تنظر إلى تشاد كولايةٍ تابعة لها، وفي نظرها لا يحقّ لأي دولةٍ التعاون معنا إلا بعد موافقةٍ منها، وتركيا باتت قريبة جداً من تشاد، وقربها يفرحنا ويشعرنا كأنها الأخ الأكبر لنا الذي أتى لترميم الجروح التي سبّبها الوجود الفرنسيّ الغاشم.

 

دور تركيا بمحاربة الإرهاب في تشاد

 

جدد موسى التأكيد أن الإرهاب هو إرهاب مصنوع وحلقة ضعيفة جدا.

 

وأضاف أن دور تركيا في محاربة الإرهاب في ظلّ الوجود الفرنسيّ وعملائه المطيعين والأنظمة الموالية لفرنسا، سيكون وفق معادلة صعبة جداً، لكن برأينا إن تمّ التعاون مع تركيا في الجانب العسكري، فخلال فترةٍ وجيزة سينتهي الإرهاب ولن تقوم له قائمة.

زر الذهاب إلى الأعلى