أخبار عالميةالأخبار

الصين حذرت اليابان من هزيمة ساحقة وسط غموض موقف أمريكا

تشهد العلاقات الصينية-اليابانية مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات الأمنية مع التنافس الجيوسياسي، في ظل تصاعد التوتر حول تايوان وتنامي الشكوك المتبادلة. وبينما تتسع هوة الخطاب السياسي والعسكري بين بكين وطوكيو، تبرز الحاجة إلى إدارة الخلافات بحذر للحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع الانزلاق نحو تصعيد قد تتجاوز كلفته حدود الطرفين.

هذا ما أكد عليه الدكتور توماس كافانا، الباحث غير المقيم في مؤسسة ديفنس برايوريتز، والزائر الأكاديمي في جامعة ليهاي، والمتخصص في الاستراتيجية الكبرى والسياسة الخارجية الأمريكية والتنافس الأمريكي-الصيني، وذلك في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية.

ويقول كافانا إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحسن الاختيار بسعيه إلى تهدئة حرب التصريحات بين طوكيو وبكين.

ففي الأسابيع الأخيرة، انخرطت اليابان والصين في سجال حاد بشأن تايوان. ويعرب كثير من المراقبين عن قلقهم إزاء امتناع واشنطن عن الانحياز إلى طوكيو. غير أن محاولة البيت الأبيض رسم مسار وسطي لا ينبغي تغييرها.

واندلع الخلاف بعدما صرحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي أمام البرلمان بأن أي أزمة حول تايوان قد تدفع الصين إلى نشر “سفن حربية” والنظر في “استخدام القوة”، وهو ما ستعتبره طوكيو تهديدا لبقائها، وقد يدفعها إلى التفكير في تدخل عسكري. وعلى الرغم من أن هذا كان يمثل سياسة يابانية ضمنية، فإن تاكايشي كانت أول رئيس حكومة ياباني في منصبه يعلن ذلك صراحة.

وكان رد فعل بكين قاسيا على نحو متوقع. فقد هددت بأن أي تدخل ياباني سينتهي بـ “هزيمة ساحقة”، وحذرت من أن “من يلعب بالنار سيهلك بها”، وطالبت مواطنيها بتجنب زيارة اليابان، وصعدت استفزازاتها العسكرية قرب الجزر اليابانية.

وانتقد بعض الخبراء والمسؤولين اليابانيين الغموض الأمريكي. فعلى الرغم من أن السفير الأمريكي في طوكيو أعلن دعمه “الراسخ” ضد “الإكراه” الصيني، فإن الرئيس دونالد ترامب امتنع عن دعم اليابان، وعندما سئل عن الصين قال إن الكثير من حلفائنا ليسوا أصدقاء أيضا.

ويقول كافانا إنه في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، بادر ترامب بإجراء اتصال مع الرئيس شي جين بينج، شدد خلاله شي على أن “عودة تايوان إلى الصين جزء لا يتجزأ من النظام الدولي لما بعد الحرب”. ويبدو أن تلك التصريحات دفعت ترامب إلى مطالبة تاكايشي بعدم استفزاز الصين، رغم نفي طوكيو لهذه الرواية.

كما حذر مراقبون من أن تشدد ترامب تجاه اليابان، إذ فرض أيضا رسوما جمركية بنسبة 15% على طوكيو ووصف التحالف الأمريكي-الياباني بأنه “أحادي الجانب”، إلى جانب اتفاقه التجاري الأخير مع بكين، ربما جعلا اليابان في موقف يائس وأكثر تهورا، والصين أكثر تصلبا، ما ساهم في اندلاع الأزمة.

وأشاروا كذلك إلى أن سلبية واشنطن تتناقض مع “قوس القلق” الذي ولده رد فعل بكين لدى الحلفاء والشركاء مثل أستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين والهند. وتعكس هذه التقييمات خوفا واسع الانتشار من أن إهمال الولايات المتحدة قد يدفع حلفاءها إلى البحث عن بدائل. وقد فاقمت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة تلك المخاوف. وبحسب كافانا، تحمل هذه التحليلات قدرا من الوجاهة. فمن المؤكد أن الصين تختبر رئيسة الوزراء المنتخبة حديثا، ساناي تاكايشي. ولدى اليابان مخاوف مشروعة بشأن القوة العسكرية الصينية وتداعياتها على تايوان، التي إن سقطت فستعرض الأمن الغذائي والطاقة والاقتصاد الياباني للخطر.

وقد تكون هذه المخاوف نفسها دفعت واشنطن إلى إصدار بيانها في 9 ديسمبر/كانون الأول الذي أكد أن التحالف “أقوى وأكثر وحدة من أي وقت مضى”، وأن “التزام” أمريكا تجاه اليابان لا يتزعزع.

لكن ثمة غموضا هنا ينبغي على الولايات المتحدة تجنبه. فربما كانت تاكايشي تحاول إثارة مشاعر مناهضة للهجرة والصين لدى قاعدتها المحافظة، وبناء دعم لزيادة الإنفاق الدفاعي، وإرضاء صقور الصين في الولايات المتحدة وديمقراطيات أخرى.

في المقابل، لدى بكين أسباب تدعوها للقلق. فغزو اليابان للصين بين عامي 1931 و1945، الذي تسبب في مقتل نحو 14 مليون صيني، ما زال حاضرا بقوة في الذاكرة الجماعية. وعلى الرغم من اعتذار طوكيو عن جرائمها، فإن بعض اليابانيين لا يزالون ينكرونها أو يقللون من شأنها. وقد ارتبط اسم تاكايشي، وهي من تلامذة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، بتفسيرات تنقيحية للإمبريالية اليابانية، كما زارت ضريح ياسوكوني الذي يكرم، بين آخرين، شخصيات عسكرية ارتكبت فظائع.

كما تتمتع تاكايشي بعلاقات وثيقة مع تايوان، حيث دعت في أبريل/نيسان 2025 إلى “تحالف أمني شبه رسمي” بين ديمقراطيات منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعلى نحو أوسع، تشهد سياسة “الصين الواحدة” التي تتبناها طوكيو تراجعا منذ سنوات، ويبدو أن الساسة اليابانيين باتوا أقل ترددا في الدفاع عن تايوان منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. واستغلت حكومة تايبيه هذا الزخم، كما يظهر في تعيينها رئيس الأركان المشتركة السابق لقوات الدفاع الذاتي اليابانية مستشارا لها، الأمر الذي يثير قلق بكين التي تخشى أن تستخدم طوكيو تايوان “لدفع الصين إلى موقع أدنى” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وتعهدت تاكايشي برفع ميزانية الدفاع اليابانية إلى 2% بحلول مارس/آذار .2026 ورغم القيود، تظل القوة العسكرية اليابانية كبيرة. ويمكن لليابان توظيف أرخبيلها الواسع لتقييد وصول الصين إلى المحيط الهادئ. كما أن بعض القدرات التي حصلت عليها مؤخرا، مثل صواريخ “توماهوك”، توحي بعقلية أكثر هجومية.

وفوق ذلك كله، ومع وجود نحو 55 ألف جندي أمريكي وقدرات أمريكية متقدمة للغاية، تبقى اليابان حجر الزاوية في وضع عسكري أمريكي يطوق الصين عن قرب، إلى حد قد يثير توازنات خصومية تولد حلقات تصعيد متصاعدة.

وفي عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عززت واشنطن وطوكيو بشكل كبير تخطيطهما العسكري، وقابلية التشغيل البيني، والمناورات المشتركة. كما سعتا إلى تعاون صناعي ودفاعي غير مسبوق مع حلفاء آخرين، شمل تقاربا مشتركا مع الفلبين، ولا سيما تقاربا ثلاثيا مع كوريا الجنوبية تضمن توافقا بشأن تايوان، واستئناف تبادل الاستخبارات العسكرية، وإمكانية بناء أنظمة دفاع صاروخي باليستي أكثر تكاملا.

كما دعمت اليابان جهود واشنطن لوقف “انتشار” التقنيات المتقدمة إلى الصين، رغم الكلفة التي تتحملها بكين على صعيد التنمية.

وسارت إدارة ترامب الحالية في الاتجاه نفسه، كما ظهر في زيارة الرئيس إلى اليابان في أكتوبر/تشرين الأول، حين تحدث مع تاكايشي على متن حاملة طائرات أمريكية، وأعلن “عصرا ذهبيا جديدا” للتحالف، وأشاد بتعزيز طوكيو لقدراتها الدفاعية وطلباتها من المعدات العسكرية الأمريكية. وعلى الرغم من أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة عدلت مقاربتها تجاه الصين وطالبت بمزيد من تقاسم الأعباء مع اليابان، فإنها شددت أيضا على ضرورة ردع الخصوم وحماية سلسلة الجزر الأولى.

ويقول كافانا إنه في هذا السياق، تحتاج الأزمة الحالية إلى خفض التصعيد. فلدى واشنطن الكثير لتخسره نظرا لعلاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع اليابان والصين، فضلا عن تنامي القوة الاقتصادية القسرية لبكين. وقد ترتفع هذه الكلفة بشكل كبير إذا فرضت الصين عقوبات على المعادن النادرة، وقيدت اليابان صادراتها من المكونات الإلكترونية المتقدمة. كما قد تميل الصين أكثر نحو روسيا وكوريا الشمالية، كما يتضح من إرسال موسكو مؤخرا قاذفتين استراتيجيتين قادرتين على حمل أسلحة نووية إلى بحر الصين الشرقي للتحليق مع طائرات صينية. وفوق كل ذلك، قد تؤدي الشكوك القومية وسوء الحسابات إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب كارثية حول تايوان أو جزر سينكاكو أو بؤرة إقليمية أخرى.

لص كافانا إلى أنه بناء على ذلك، ينبغي على واشنطن الحفاظ على نهجها المتوازن، مع تشجيع طوكيو على إعطاء الأولوية للإجراءات الدفاعية وتجنب الاستفزازات الجديدة.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى