أخبار عربيةالأخبار

سلاح حزب الله اللبناني يدخل نفق “الظروف”

نبيل أحمد شحاده – كاتب لبناني

أثار تصريح رئيس الجمهورية جوزاف عون من بكركي، صبيحة عيد الميلاد، حول مسألة حصرية السلاح، وما تضمنه من تأكيد أنّ القرار “اتُّخذ” مع ربط التنفيذ بالظروف، موجة قلق واسعة في الأوساط السياسية والشعبية ووصلت إلى حد نشر الإحباط، ليس بسبب الموقف المبدئي الذي عبّر عنه، بل بسببِ كلمةٍ واحد تختصر تجارب لبنانية مريرة، وهي “الظروف”.

في لبنان، كثيراً ما تكون “الظروف” هي الذريعة التي تُعلّقُ عليها القرارات الكبرى، وخاصة التي يرتبط منها بالسيادة وبسط سلطة الدولة. وهنا، يعود ملف سلاح حزب الله إلى واجهة النقاش، لا بوصفه قضية سياسية وخلافية فقط، بها هي اختبارٌ حقيقي لقدرةِ الدولة على القيامِ بواجباتِها، وفرض هيبتها وسلطتها، واحترامِ التزاماتها الدستورية والدولية، ومنع انزلاق البلادِ مجدداً إلى دائرة الخطر، في وقت يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لمناقشة أوضاع المنطقة، والمعلومات الواردة عن نيته طلب الموافقة على شنّ عملية واسعة النطاق ضد حزب الله، واستمرار إطلاق التهديدات وكان آخرها من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير الذي قال إن المعركةَ لم تنته، وكل الجبهات نشطة وما زالت أمامنا تحديات جمة.

وفي العودة إلى الإطار الدولي، شكّلت قرارات مجلس الأمن الدولي مرجعية واضحة لا لبس فيها في مقاربة الوضع اللبناني. القرار 1559، دعا صراحة إلى حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها وربط ذلك ببسط سيادة الدولة على كامل أراضيها. أما القرار 1701، والذي أنهى حرب تموز في عام 2006، فقد وضع إطاراً أمنياً أكثر تفصيلاً، فجعل من منطقة جنوب الليطاني منطقة خاليـة مـن أي أفراد مـسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، ودعا إلى التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و1680، والتي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية أو موافقتها.

بهذا المعنى، نرى أن المجتمع الدولي لا يتعامل مع حصرية السلاح على أنها مسألة ظرفية، أو تفاوضية، بل هي عنصر بنيوي أساسي يدخل في صلب تعريف الدولة ذاتها. فالدولة التي لا تحتكر قرار القوة وحق السلاح، تبقى في نظرِ القانون الدولي، دولة منقوصة السيادة، ومعرّضة دائماً للاهتزاز.

أما قرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني /نوفمبر 2024، فقد أعاد التأكيد على القرار 1701كمرجعية ناظمة للمرحلة، وربط الاستقرار انتشار الجيش اللبناني، ومنع أي وجود مسلّح غير شرعي جنوب الليطاني، مع تطبيق آلية مراقبة تُشارك فيها اليونيفيل والدول الراعية للاتفاق.
هذا الاتفاق، بطبيعته، ليس حلاً نهائيا، بل هو هدنة مشروطة بانتظار ترجمة سياسية وميدانية تبدأ بنزع السلاح غير الشرعي، وفرض سلطة الدولة بشكل حازم على الأرض.

إنّ الربط الذي أعلنه الرئيس جوزاف عون بين تنفيذ القرار و”الظروف” قد يبدو ظاهرياً، تعبيراً عن واقعية سياسية تراعي التعقيدات الداخلية والإقليمية، أو محاولة للتخفيف من سرعةٍ قد تُهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية يلوّح بها حزب الله في حال الإصرارِ على سحب سلاحه. لكن في الحقيقة يُشكّل الربطُ تأجيلاً مفتوحاً، وتراجعاً عن الالتزامات التي يُفترض أن تُنفّذها الدولة وينتظرها غالبية اللبنانيين بعد عقود طويلة من الفوضى وفلتان السلاح والمغامرات العبثية التدميرية والنتائج الخطيرة..

وأول هذه النتائج هو الإمعان في إضعاف موقع الدولة نفسها. فالدولة التي تُعلنُ قراراً سياسياً من دون جدول زمني، أو آلية تنفيذ محكمة، تُرسلُ إشارات مزدوجة؛ في الداخل تعترف ضمناً بعدم امتلاكها القدرة الكاملة على تنفيذ سياساتها، وتطبيق قراراتها. وفي الخارج تظهرُ كطرفٍ ضعيف، وعاجزٍ عن الوفاء بالتزاماته، ما يفتح الباب أمام ضغوط كبيرة ومتزايدة في المجالين السياسي والأمني.

ثانيهما، هو تعريض اتفاق وقف إطلاق النار للاهتزاز، وإتاحة الفرصة لإسرائيل كي تبرّر أي عمل عسكري مستقبلي بذريعة “الدفاع عن النفس” وحماية كيانها في مواجهة دولة متهالكة لا سيادة لها على أرضها، ولا قدرة لها على ضبط أمنها، وهنا تتحوّل المماطلة و “الظروف” إلى عامل يزيدُ من احتمالات اشتعال الحرب بدلاً من إطفائها.
أما داخلياً، فإنّ استمرارَ وجود السلاح بيد طرفٍ معيّن، وخارج إطار الدولة، فهو يكرّسُ اختلال ميزان القوة بين اللبنانيين، ويقوّض مفاهيم العدالة والمساواة، ويُغذّي نزعات الانقسام والانعزال الطائفي والمناطقي، وصولاً إلى التساؤل عن جدوى بقاء هذه الدولة نفسها.

ولا تقف تداعيات هذا النهج عند حدود الأمن والسياسة. فالاقتصاد اللبناني المُنهك أصلاً، لا يحتملُ حالة سياسية رمادية. الجهات المانحة والمستثمرون، وحتى اللبنانيون أنفسهم، يبحثون عن دولة قوية وحازمة، لا سلطة تتعايش مع الأزمات وتُجمّل مساوئها، ويريدون دولةً تحمي كرامةَ شعبها في الداخلِ والخارج، وتؤمّنُ حدّاً مقبولاً من العيش الكريم، بدل أن تتركَهُ رهينةَ الأزمات والهجرة والقلق الدائم.

خلاصة القول، هو أن الفارق الجوهري بين الواقعية والمماطلة هو وجود خريطة طريق واضحة تتضمنُ مراحلَ محددة، وسقوف زمنية، وأولويات تبدأ من الجنوب حيث النصوص الدولية أكثر وضوحاً ولا تحتاج إلى تأكيد، وتنتقل تدريجياً إلى كافة المناطق، ضمن مقاربة وطنية شاملة مستمدة من نصوص الدستور والقانون والقرارات الدولية، تكرّس حصرية السلاح بيد الدولة.

اللبنانيون، اليوم، يريدون دولة طبيعية تشبه كل الدول؛ تحكمُ وتقرّر دون انتظار أو تبرير. دولة يشعر المواطن فيها أنّه محميٌ بالقانون، لا متروك لموازين القوة أو تقلبات السياسة، أو ظروف تبني نفقاً طويلاً إلى المجهول.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى