أخبار عالميةالأخبار

هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قريبا؟

يمكننا اليوم رؤية طفرة الذكاء الاصطناعي من الفضاء، إذ تظهِر صور الأقمار الاصطناعية لمدينة نيو كارلايل في ولاية إنديانا الأميركية بقعا خضراء من الأراضي الزراعية وقد تحوَّلت في غضون أقل من عام إلى مناطق صناعية لا تخطئها عين، فهناك 7 مراكز بيانات مستطيلة الشكل قائمة بالفعل، و23 مركزا آخر قيد الإنشاء، وداخل كلٍّ من هذه المباني، تتراص صفوف لا تنتهي من وحدات بحجم الثلاجات، محشوَّة بشرائح حاسوبية تصدر أزيزا لا ينتهي هو الآخر، وهي تنفذ عمليات رياضية على نطاق يصعب تخيّله.

هذه المباني مملوكة لشركة أمازون وتستخدمها شركة أنثروبيك، إحدى أبرز شركات الذكاء الاصطناعي، لتدريب وتشغيل نماذجها اللغوية. ووفقا لأحد التقديرات، فإن هذا الحرم الضخم لمراكز البيانات، ورغم أنه لم يكتمل بعد، يستهلك أكثر من 500 ميغاوات من الكهرباء لإجراء تلك العمليات، أي ما يعادل استهلاك مئات الآلاف من المنازل الأميركية، وعندما يكتمل بناء جميع مراكز البيانات في نيو كارلايل، ستتجاوز حاجتها من الطاقة ثلث ما تستهلكه مدينة بحجم نيويورك.

إن حجم الطاقة والمال الموجَّه اليوم إلى الذكاء الاصطناعي مذهل حقا، فمن المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى 375 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام، وإلى نصف تريليون دولار في عام 2026. و3 أرباع المكاسب في مؤشر “إس آند بي 500” منذ إطلاق منصة “شات جي بي تي” جاءت من الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، أي أن كل شركة مدرجة في البورصة شهدت ارتفاعا في قيمتها بفعل موجة التفاؤل المدفوعة بالذكاء الاصطناعي.

لتأكيد الصورة، أصبحت شركة إنفيديا، المصنعة للرقائق المتطورة التي يقوم عليها هذا الازدهار، أول شركة في التاريخ تبلغ قيمتها 5 تريليونات دولار قبل أسابيع قليلة. ويمكننا النظر إلى هذا التحول من زاوية أخرى كي ندرك أبعاده. مثلا، لو زادت القيمة السوقية لشركة فورد الحالية 94 مرة، فإنها لن تصل إلى قيمة إنفيديا. ومع ذلك، قبل 20 عاما فقط، كانت قيمة فورد تساوي نحو 3 أمثال قيمة إنفيديا.

مثلما نقول إن السعودية “دولة نفطية”، فإن الولايات المتحدة تنمو شيئا فشيئا إلى “دولة ذكاء اصطناعي”، وبالأخص “دولة إنفيديا”، إذ إن استمرار صعود قيمة الشركة يرفع الأسواق على الأمد القصير، وهو أمر جيد ظاهريا، لكنه يجعل من إنفيديا في الوقت نفسه قطعة محورية ونقطة هشة داخل البنية الاقتصادية العالمية.

يبدو أن الولايات المتحدة في هذه اللحظة رهينة تلك الحالة. فالنفقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تسهم الآن في نمو الناتج المحلي أكثر مما يقدمه إنفاق المستهلكين الأميركيين بكل أشكاله. وبحسب تقدير آخر، شكَّلت هذه النفقات 92% من نمو الناتج المحلي في النصف الأول من عام 2025. ومنذ إطلاق “شات جي بي تي” عام 2022، ارتفعت حصة قطاع التكنولوجيا في قيمة مؤشر “إس آند بي 500” من 22% إلى نحو الثلث.

مؤخرا، أعلنت شركات ميتا ومايكروسوفت وغوغل نموا كبيرا في إيراداتها الفصلية، كما ذكرت وكالة رويترز أن شركة “أوبن إيه آي” تخطط لطرح أسهمها للاكتتاب العام ربما بدءا من العام المقبل بقيمة قد تصل إلى تريليون دولار، وهو طرح يمكن أن يكون من أكبر الطروحات العامة في التاريخ، وقد قال متحدث باسم الشركة لرويترز إن الاكتتاب ليس في صلب اهتمامنا، لذا لا يمكن أن نكون قد حدَّدنا موعدا بعد.

ويعتقد كثيرون أن هذا النمو سيستمر، فقد كتب مؤخرا المحللان في مجال الذكاء الاصطناعي، دواركش باتيل وروميو دين: “سنحتاج إلى ملاعب كاملة من عمَّال الكهرباء ومشغِّلي المعدات الثقيلة وعاملي الحديد وفنيي التكييف”، فالتوسّع الضخم في بناء مراكز البيانات قد بدأ بالفعل يعيد تشكيل منظومة الطاقة في أميركا.

وقد أعلنت شركة “أوبن إيه آي” نيتها بناء ما لا يقل عن 30 غيغاوات من مراكز البيانات، أي أكثر من إجمالي ما تحتاجه منطقة نيو إنغلاند بأكملها حتى في أشد أيام الصيف حرارة (نيو إنغلاند هي ولايات الشمال الشرقي بالولايات المتحدة، وتقع إلى شمال ولاية نيويورك وجنوب كندا)*، كما قال رئيس الشركة التنفيذي سام ألتمان إنه يرغب في النهاية ببناء غيغاوات من البنية التحتية للذكاء الاصطناعي كل أسبوع، ولدى شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى طموحات مشابهة.

طفرة أم فقاعة؟

إذ ما استمعنا كثيرا لحديث مجتمع الذكاء الاصطناعي، سنشعر أننا ربما نقف على أعتاب طفرة في البنية التحتية. ومع ذلك، يحدث شيء غريب في عالم الاقتصاد، فبينما تحلِّق أسهم القطاع التكنولوجي منذ عام 2022، فإن حصَّة هذه الشركات من صافي أرباح شركات مؤشر “إس آند بي 500” لم تتحرَّك إلا قليلا، كما تراجعت فرص العمل رغم السوق المالي المشتعل، ودخلت 22 ولاية في حالة ركود أو هي على حافة الركود، ورغم أن مراكز البيانات تبقي قطاع البناء متماسكا، فإن التصنيع الأميركي يشهد تراجعا.

من الواضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح يخفي ملامح اهتزاز الاقتصاد الأميركي ويغرق أخباره وسط أخبار الطفرة الحاصلة، وهذا أمر يدعو للقلق، لكن الأسوأ هنا هو لو تبيَّن أن الوعود التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لقطاع الأعمال الأميركي ليست سوى سراب. ماذا سيحدث عندها إذن؟

لقد أدى التفاوت الهائل بين الإنفاق على مراكز البيانات وبقية الاقتصاد إلى صعود خطاب يتهامس به البعض حول “فقاعة” الذكاء الاصطناعي. فهناك عدد متزايد من المحللين الماليين والصناعيين يلفت نظرنا إلى الفجوة الضخمة بين الاستثمارات التاريخية في الذكاء الاصطناعي مؤخرا من جهة، والعوائد المتواضعة نسبيا التي يحققها القطاع من جهة.

على سبيل المثال، يشير موقع “ذي إنفورميشن” المتخصص في شؤون الصناعات التكنولوجية إلى أن شركة “أوبن إيه آي” حققت على الأرجح 4 مليارات دولار العام الماضي، لكنها خسرت 5 مليارات، مما يجعل الحديث عن تقييم اكتتاب عام بقيمة تريليون دولار أكثر إدهاشا.

في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2025، أدت استثمارات مايكروسوفت في شركة “أوبن إيه آي” إلى خسائر تجاوزت 3 مليارات دولار، وأعلنت ميتا عن ارتفاع سريع في نفقاتها بسبب استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، مما أثار ذعر المستثمرين وأدى إلى هبوط سهمها بنسبة 9%.

لا تزال الكثير من الأمور في حالة تقلّب، فالدردشة الآلية والرقاقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي تتحسَّن من حيث الكفاءة شبه يوميا، في حين يبقى الأساس التجاري لتبني استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي أساسا هشا. فقد وجد تقرير حديث صادر عن شركة ماكينزي أن ما يقرب من 80% من الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي اكتشفت أن التقنية لم يكن لها أي تأثير كبير على أرباحها.

في الوقت ذاته، لا يستطيع أحد أن يجزم بمدى الحاجة الفعلية في وادي السيليكون إلى المزيد من مراكز البيانات بعد بضع سنوات، فهناك باحثون يعتقدون أن القدرات الكهربائية والحوسبية المتوفرة الآن قد تكون كافية لتلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي التوليدي لسنوات قادمة.

السيناريو الكارثي اقتصاديا هنا هو أن الإنفاق غير المسبوق على الذكاء الاصطناعي قد لا يحقق أي أرباح قريبا، وربما لن يحقق أرباحا أبدا، وأن مراكز البيانات تقع في قلب هذه المخاوف. وقد تكرَّر هذا الانهيار مع الطفرات السابقة في مجال البنية التحتية، فالبناء السريع للقنوات والسكك الحديدية وكابلات الألياف الضوئية التي أنشئت أثناء فقاعة الإنترنت خلقت موجات من الضجيج والاستثمارات والمضاربات المالية التي انتهت بانهيارات في الأسواق، دون أن ننكر بالطبع أن هذه المشروعات غيرت العالم، وربما يفعل الذكاء الاصطناعي التوليدي الشيء نفسه، سواء تشكلت فقاعة بالفعل أم لا.

ولهذا السبب، فإن شركات مثل “أوبن إيه آي” وغوغل ومايكروسوفت وأمازون وميتا مستعدة لإنفاق كل ما تستطيع، وبأسرع صورة ممكنة، لتحقيق أي أفضلية يمكن تحقيقها في السوق ولو صغيرة. وحتى لو انفجرت تلك الفقاعة، سيكون هناك رابحون، فكل شركة من هذه الشركات ترغب في أن تكون أول من يبني آلة فائقة الذكاء.

اللعبة المالية

في الوقت الحالي، لا تزال هذه الشركات التكنولوجية تمتلك فوائض مالية كبيرة من مشاريعها الأخرى، فقد حققت ألفابِت (المالكة لغوغل) ومايكروسوفت أكثر من 100 مليار دولار من الأرباح السنة المالية الماضية، بينما حقَّقت ميتا وأمازون أكثر من 50 مليار دولار، لكن في مرحلة ما من المستقبل القريب، قد يتجاوز الإنفاق على مراكز البيانات حتى هذه التدفقات النقدية الهائلة، ومن ثمَّ يقلِّل من سيولة شركات التكنولوجيا الكبرى ويثير قلق المستثمرين.

لذا، مع استمرار تصاعد سباق الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في جمع أموال خارجية، أو بعبارة أخرى “الاقتراض”. هنا تزداد ديناميات الفقاعة تعقيدا، فشركات التكنولوجيا لا ترغب في تحمّل عبء الديون رسميا، أي أن تطلب من المستثمرين قروضا بشكل مباشر، لأن الديون في ميزانياتها سترسم صورة سيئة وقد تقلِّل من عوائد المساهمين.

للتحايل على ذلك، عقدت بعض هذه الشركات شراكات مع عمالقة الأسهم الخاصة (Private Equity) لتنفيذ نوع من الهندسة المالية المركَّبة، كما قال بول كيدروسكي، المستثمر والمستشار المالي، حيث تقوم شركات الأسهم الخاصة بتقديم أو جمع الأموال اللازمة لبناء مراكز البيانات، على أن تقوم شركات التكنولوجيا بسداد قيمتها عبر الإيجار.

بعد ذلك يمكِن إعادة تنظيم عقود إيجار مراكز البيانات، من شركة ميتا مثلا، في صورة أداة مالية يمكن للناس شراؤها وبيعها، وكأنها فعليا سندات. وقد فعلت ميتا هذا مؤخرا، إذ جمعت شركة “بلو أول كابيتال” الأموال لمركز بيانات ضخم تابع لميتا في ولاية لويزيانا بإصدار سندات مدعومة من إيجار ميتا، وقد قالت ميتا عن شراكتها مع “بلو أول” إنها شراكة مبتكرة صمِّمَت لدعم السرعة والمرونة المطلوبة لمشاريع مراكز البيانات التابعة لميتا.

يمكن أيضا دمج عدة عقود إيجار لمراكز بيانات متعدِّدة في ورقة مالية واحدة، ثم فرزها إلى ما يعرف بـ”الشرائح” وفقا لمخاطر التخلّف عن السداد. ومن منظور شركات الأسهم الخاصة، فإن مراكز البيانات تمثِّل سوقا تقدَّر قيمته حتى نهاية عام 2028 بحوالي 800 مليار دولار. وبهذه الطريقة، ينتهي تمويل مراكز البيانات ليصبح صفقة عقارية بقدر ما هو صفقة ذكاء اصطناعي.

إذا بدا لك الأمر معقَّدا، فهذا هو المقصود، إذ إن التعقيد وهيكلة الاستثمار، وعمليات إعادة التغليف هذه تجعل فهم ما يجري أمرا صعبا. وإذا بدت هذه الديناميات مألوفة، فذلك لأنها تشبه إلى حد كبير ما حدث قبل عقدين تقريبا عندما أدَّى تجميع البنوك لقروض عقارية عالية المخاطر في شرائح أوراق مالية جرى تسويقها زورا على أنها عالية الجودة، إلى اندلاع الركود العظيم، وبحلول عام 2008، انهار هذا الهيكل الهش بالكامل.

عمليات التوسّع في بناء مراكز البيانات ليست مثل القروض عالية المخاطر، لكن لا يزال هناك قدر كبير من الهشاشة الكامنة في هذه الاستثمارات. فمراكز البيانات تتدهور بسرعة، على عكس البنى التحتية الأكثر ديمومة مثل القنوات أو السكك الحديدية أو حتى كابلات الألياف الضوئية، والكثير من الشرائح الحاسوبية داخل هذه المباني ستصبح متقادمة في غضون بضع سنوات، عندما تطلِق إنفيديا ومنافسوها الجيل التالي من عتاد الذكاء الاصطناعي المتقدِّم.

في الوقت نفسه، فإن العوائد من توسيع نطاق عمل الدردشات الآلية تتراجع حاليا، فكل نموذج جديد يحقِّق تحسينات أصغر من سابقه، مما يجعل حجة أن وادي السيليكون يستطيع تمويل طريقه نحو الذكاء الخارق أقل إقناعا يوما بعد يوم.

لقد بدأ الأشخاص الذين يتابعون هذه المرحلة يشعرون بالقلق. فإذا انخفضت أسهم التكنولوجيا بسبب فشل شركات الذكاء الاصطناعي في تحقيق وعودها، فقد تجبَر صناديق التحوّط ذات الرافعة المالية العالية، والتي استثمرت في شركات الذكاء الاصطناعي، على عمليات بيع نارية. وهذا يمكن أن يخلق دورة تدهور متتابعة، تمتد أضرارها إلى صناديق التقاعد، وصناديق الاستثمار المشتركة، وشركات التأمين، والمستثمرين العاديين.

ومع هرب رأس المال من السوق، ستهوي أيضا أسهم القطاعات غير التكنولوجية، وهو خبر سيئ لأي شخص ظنَّ أنه اختار استثمارا آمنا كالعقارات مثلا. وإذا امتدَّ الضرر ليطيح بشركات الأسهم الخاصة نفسها (وهي المستثمر في هذه المراكز)، والتي تدير تريليونات من الدولارات وتشكل عمليا نظام صرافة عالمية يعمل في الظل، فقد يقود ذلك إلى أزمة كبرى جديدة.

ثمن البحث عن الآلة الخارقة

حتى الآن، لا يزال المال يتدفَّق نحو مجال الذكاء الاصطناعي، لكن ثمَّة شيء دائري في هذه الاستثمارات. فمثلا: وافقت “أوبن إيه آي” على دفع 300 مليار دولار لشركة أوراكل من أجل سعة حوسبة جديدة، بينما تدفع أوراكل عشرات المليارات لإنفيديا لشراء شرائح تركَّب في أحد مراكز بيانات شركة “أوبن إيه أي”، في حين وافقت إنفيديا على استثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في “أوبن إيه آي” أثناء نشرها شرائح إنفيديا.

إن محاولات تصوّر هذا التشابك الدائري تنتِج سلسلة من المخططات المتداخلة التي وصفها أحد مهندسي البرمجيات على منصة إكس بأنها “كيان رأسمالي تقني فائق يقف عند نهاية الزمن”، ويبدو أن الإجماع هو أن هذا كله قانوني، لكنه على الأرجح لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

لربما تسير الأمور على ما يرام في النهاية. قبل 3 سنوات فحسب، لم يكن مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي يحقِّق أي إيرادات تذكَر، أما اليوم فهو يولِّد عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وهو معدَّل نمو قد يلحق بكل هذا الإنفاق في نهاية المطاف.

في الوقت الراهن، تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بواسطة مئات الملايين من الأشخاص، ومن الصعب تخيّل توقف ذلك فجأة بين ليلة وضحاها. ولعل “أوبن إيه آي” أو “أنثروبيك” تنجحان في الوصول إلى الذكاء الخارق، بما يسمح لهما بخلق “الآلة الإله ثم طلب المال منها” على حد وصف مات لفين الكاتب بوكالة بلومبيرغ.

تستغرق مراكز البيانات وقتا طويلا في إجراءات الموافقة والبناء، ومحطات الطاقة وخطوط النقل تحتاج ربما إلى وقت أطول. والقوى العاملة محدودة، وسلاسل الإمداد قد تتعثر، والاستثمار ينتعش حينا ويتراجع حينا آخر، مما يعني أنه حتى لو بنيَت مراكز البيانات بالحجم الهائل الذي يريده ألتمان ومنافسوه، فإن قيود البناء والطاقة قد تمنع هذا الازدهار من التمدّد بشكل غير مسؤول.

في جميع الأحوال، ومع اقترابنا من نهاية عام 2025، أصبحت مراكز البيانات ظاهرة ثقافية غريبة. فحجمها الهائل يمثِّل تذكيرا ماديا بهيمنة شركات وادي السيليكون الاقتصادية وطموحها غير المحدود كما يبدو. أما القلق الذي تثيره اقتصاديا فيعود إلى ذكريات عام 2008، وكذلك إلى ألاعيب القطاع التكنولوجي المالية نفسه، وتحديدا انهيار العملات المشفَّرة الذي حدث عام 2022، وغذَّته حلقة مدفوعات دائرية مشابهة.

فقد تبيَّن أن “إف تي إكس”، وهي منصة للعملات المشفَّرة، إلى جانب “ألاميدا ريسيرش”، وهو صندوق تحوّط، وكلاهما من تأسيس سام بانكمان-فريد، كانا يدعمان بعضهما البعض، بحيث تشتري ألاميدا العملة المشفَّرة الخاصة بإف تي إكس، ثم تقرِض إف تي إكس ألاميدا أموالا من حسابات عملائها.

وهكذا، فإن الآثار الجانبية لطفرة مراكز البيانات، سواء كانت بيئية أو اقتصادية، مرتبطة بمخاوفٍ بشأن ما قد يحدث، ليس عندما تفشل هذه الشركات التقنية، بل عندما تنجح في الحقيقة.

يمكن أن تبدو فترات الازدهار والانهيار بمثابة وجهين لعملة واحدة، ولنفكِّر أيضا أنه إذا نجحت شركات الذكاء الاصطناعي في تحقيق عوائد على استثماراتها الضخمة، فسيعني ذلك على الأرجح إنتاج تكنولوجيا بالغة القدرة والثورية بحيث تقضي على عدد لا يحصى من الوظائف، وتحدِث صدمة غير مسبوقة في الاقتصاد العالمي قبل أن تتاح للبشر فرصة للتكيّف معها، بل ولعلَّنا لن نتمكَّن من التكيّف معها على الإطلاق. أما إذا فشلت، فستحدِث فوضى مالية غير مسبوقة أيضا.

إن أكبر درس من العقدين الماضيين في وادي السيليكون هو أن ميتا وأمازون وغوغل، وحتى المختبرات الأحدث في مجال الذكاء الاصطناعي مثل “أوبن إيه آي”، قد أعادت تشكيل عالمنا وأصبحت ثرية بشكل يفوق الخيال، بينما كانت في معظمها غير مبالية أو غير مهتمة بالتداعيات.

لقد طاردت هذه الشركات النمو والتوسع بأي ثمن، ونجحت في ذلك إلى حد كبير. ويعَد التوسع الهائل في مراكز البيانات ذروة هذا السعي، وهو سعيٌ وراء التوسع من أجل التوسع. وفي كل السيناريوهات، يبدو أن النتيجة الوحيدة ستكون اضطرابا حقيقيا ومؤلما للبقية.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى