أخبار عربيةالأخبار

لبنان ـ تهديدات إسرائيلية وضغوط دولية

نبيل أحمد شحاده – كاتب لبناني

في ضوء المواقف والتصريحات المتقاطعة التي صدرت خلال الأيام الأخيرة، تبيّن أن لبنان يقفُ على عتبةِ مرحلةٍ شديدة الخطورة، وترتفعُ فيها احتمالات الانزلاق إلى مواجهة عسكرية، لا يبدو أبداً أن البلاد تملك قدرة على تحمل كلفتها ونتائجها، في ظل أداء سياسي لبناني يُعاني من البطء وغياب المبادرة، ولا يتناسب مع حجم المخاطر القادمة.

وجاء إقرار وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي بأن لبنان تلقّى رسائل تحذيرية دولية بشأن استعداد إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية موسّعة، يُعدُّ مؤشراً بالغ الدلالة. فهذه الرسائل لم تعد محصورة بمصدر واحد، أو جهة بعينها، بل هي تعكسُ مستوى متقدماً من القلق لدى عواصم القرار من التهديدات الإسرائيلية التي لم تعُد مجرد ضغط إعلامي أو سياسي، بل باتت جزءاً من تخطيط أمني جدّي من حيث التوقيت والحدود والأهداف.

رجّي تحدّث عن تكثيف الاتصالات الدبلوماسية لتحييد الدولة اللبنانية ومؤسساتها ومرافقها العامة عن أي ضربة اسرائيلية محتملة، وأوحى بكلامه وكأن الأمر واقعٌ، والعمل يجري لتجنّب مضاعفاته أو امتداداته التي قد تُشبه ما حصل في حرب تموز 2006، حيث لم تفصل إسرائيل بين الدولة وحزب الله عندما قررت الذهاب إلى حرب مفتوحة، واستهدفت آنذاك، البنى التحتية ومرافق عامة (مطار وموانئ ومحطات الكهرباء وضخ المياه) وحتى فرضت حصاراً كاملاً على لبنان.

الأكثر حساسية في كلام الوزير رجّي هو التذكير بجدولٍ زمني واضحٍ لحصر السلاح بيد الدولة، يبدأ من جنوب الليطاني وينتهي على كامل الأراضي اللبنانية في عام 2026. كلام من هذا النوع، من شأنه أن يُثير حساسية حزب الله الذي يُصرُّ على معادلة “ردع” ثبتَ فشلُها، وعلى رفض مبدأ نزع سلاحه. بل ويجاهر بإعادة بناء هيكليته العسكرية، ويضع الدولة أمام مُساءلة دولية صعبة: هل فعلاً يريدُ لبنان الخروج من أزماته، أم أنه يريد البقاء أسيراً للانقسام والفوضى والانهيار الكامل. إنها أسئلة لا يُمكن فصلها عن ما يجري من تحولات واسعة في المنطقة، حيث تسعى أطراف دولية إلى إعادة ضبط بؤر التوتر وفرض وقائع أمنية مهما كانت التداعيات لها.

في الجهة المقابلة، تبدو إسرائيل وكأنها تستثمر في هذا الجو إلى أقصى حد. فالقناة 12 الإسرائيلية تحدثت عن ضغط يُمارسه المستوى الأمني باتجاه شنّ عملية عسكرية تستهدف حزب الله، ومنعه من استعادة قدراته العسكرية، تعكس توجّهاً واضحاً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نحو استباق أي تعاف عسكري للحزب.

ويزداد هذا التوجّه خطورة مع إبلاغ تل أبيب الولايات المتحدة استعدادها للتحرك في لبنان على نطاق واسع، وما سينتج لاحقاً من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، ولقائه مع الرئيس دونالد ترامب.

هذا الموقف لا يعني بالضرورة أن قرار الحرب أصبح محسوماً، لكنه يُشير بوضوح إلى أن خيار التصعيد بات حاضراً على الطاولة، وأن إسرائيل تجهد لانتزاع غطاء أميركي، أو على الأقل تفهّم سياسي وأمني لضرورات تحركاتها المحتملة. وفي حال تلاقت الحسابات الإسرائيلية والأميركية، فإن لبنان سيجد نفسه في قلب مواجهة مدمرة ودموية لا تشبه سابقاتها.

فرنسا، من جهتها، التي قدمت نفسها دائماً كحامية للاستقرار اللبناني وداعمة للمؤسسة العسكرية اللبنانية، أضافت بُعداً آخراً للمشهد القاتم، إذ باتت تُشدّدُ على ضرورة أن يقدّم الجيش اللبناني “الأدلة” على ما يُنفّذه فيما يتعلق بنزع السلاح وبسط سلطة الدولة. هذا التحوّل في الخطاب يَعكسُ تراجع ثقة المجتمع الدولي بلبنان، ونفاد الصبر معه، وانتقال بعض العواصم المؤثرة من سياسة الدعم غير المشروط إلى سياسة الرقابة والقياس، بل وحتى المطالبة بتأكيد النتائج وتوثيقها في حال حصولها.

وهذا يضع الحكومة اللبنانية، والجيش اللبناني معاً في موقع مُعقّد ومتشابك، وتحت الضغط المتواصل، في ظل شح الموارد التي تعاني منها المؤسسات العسكرية والأمنية، وتزايد الانقسامات الحادة في الجبهة السياسية الداخلية.

يبقى أن نُشير إلى ما يتمّ تداوُله عن مشاورات أوروبية ودولية لم تتضح تفاصيلها وأطرها بعد حول مهمات أمنية وعسكرية مستقبلية في لبنان، مما يعكس أيضاً اهتزاز الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على إدارة ملفاتها الأمنية، ويفتح الباب أمام سيناريوهات تدخل خارجي بأشكال مختلفة، قد تبدأ بالدعم والمراقبة، ولا يُعرف أين يُمكن أن تنتهي.

ووسط كل هذا، يظهرُ الخلل الأكبر في الأداء السياسي اللبناني المتصدّع والمبعثر. فأداء الدولة اللبنانية، نسف مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، وخسرت بسرعة ثقة أطراف عربية مؤثرة، وتبيّنَ أن التزاماتها وتعهداتها وكثرة تصريحاتها – مهما كانت حازمة- كانت بمثابة “شيكات بلا رصيد”، أصدرتها في لحظة خطر وخوف، ولا تملك القدرة التنفيذية الكاملة لتحقيقها على الأرض. وبدل أن تُبادر إلى معالجة التعثّر، وتسعى إلى تحرك ديبلوماسي واسع ومنظّم، يتجاوز رد الفعل، وينتقل إلى الفعل الاستباقي، تبدو أسيرة الانتظار، وتستقبل مبعوثين وموفدين يحملون في أفضل الأحوال رسائل قلق أو تحذير، دون تقديم حلول أو ضمانات. هذا النهج يُعمّق صورة لبنان كدولة ضعيفة، ويجعله ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، ومنها خطر إسرائيلي داهم وعزلة سياسية واقتصادية شبه شاملة.

وإضافة إلى ما سبق، لا يقتصر الخطر الحقيقي الذي يواجه لبنان، اليوم، على تصعيد عسكري تزداد احتمالات حصوله، بل يكمنُ أيضاً في تلاقي عدة عوامل في لحظة واحدة: تهديدات إسرائيلية واضحة، وضغط دولي متزايد، وأداء سياسي عاجز عن الإمساك بزمام المبادرة. ومناخٌ كهذا، يمنح أي خطأ أو سوء تقدير، أو تأخير في التحرك، بطاقة دخول للبنان إلى نفق جديد من الفوضى وعدم الاستقرار، ومواجهة لا يملك قرارها، ولا أدوات منعها، ولا القدرة على تحمّل نتائجها.

معلومات إضافية ومفصلة

محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.

مواضيع ذات صلة

أسئلة شائعة

س: ما أهمية هذا المحتوى؟

ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.

س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟

ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.

معلومات الكاتب

الكاتب: العربي الأصيل

الموقع: العربي الأصيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى