حزب الله يُعيدُ لبنان إلى قلب العاصفة!

نبيل أحمد شحاده – كاتب لبناني
مجموعة من الأحداث السياسية والأمنية في لبنان أنتجت وبشكل سريع مشهداً معقداً يحتاج إلى الروية والهدوء لقراءة حقيقة ما يجري.
وبعدما كان لبنان ينتظر تصعيداً اسرائيليا كبيراً بعد مغادرة البابا لاوون الرابع عشر بيروت، ظهر فجأة أن الأمور ذاهبة إلى مسار موازٍ قد يُؤجلُ الحربَ ولا يلغيها.
والمسار الموازي لا يعني التراجع عن خيار استخدام القوة، بل هو فتح للباب أمام مقاربة سياسية ودبلوماسية تتحرك بحسب الضغوط الأميركية وكوابحها التي تمنع قيام حرب شاملة. هذا كله، يعني أن الأمور الآن في “خلّاط” يحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتوضح الصورة، وتتبيّن حقيقة التوجهات الجديدة.
وقبل أن نصل إلى ما جاء في خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، والذي بدا ان لا شيء تغيّر معه، ولم يُدرك بعد وزن الضغوط التي يتعرّض لها لبنان، ويدفع ثمنها الشعب وبيئته خاصة، نتوقف قليلاً مع اغتيال القائد العسكري الكبير في حزب الله أبو علي الطبطبائي، لأنه شكّل نقطة حسّاسة، أو قل منعطفاً مهماً في هذا المشهد الضبابي، حيث نفّذت اسرائيل عملية اغتيال مدروسة ومحددة، كانت بمثابة ضربة مؤلمة للحزب.
ودقّة العملية ظهرت في كونها استهدفت العقل الميداني الذي عمل على أعاد بناء وتنظيم البنية العسكرية المتهالكة للحزب بعد حرب الاسناد، ما جعل الرسالة الإسرائيلية واضحة؛ قدرة على الضرب وتنفيذ العمليات دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، ودائماً حسب اعدادات الضبط الأميركية.
مراقبون أكدوا أن واشنطن رأت في تحييد طبطبائي وقادة أخرين، خطوة غير تصعيدية، أدت إلى تنفيس التهديدات الاسرائيلية وأجّلت لأسابيع مقبلة عملية عسكرية اسرائيلية واسعة في جنوب لبنان، وربما هي التي شكّلت مقدّمة فتحت الأبواب بالضغط الأميركي أمام تعيين رئيس الجمهورية جوزاف عون السفير السابق سيمون كرم صاحب المواقف المعارضة لحزب الله، رئيساً للوفد التفاوضي مع إسرائيل.
ويبدو أن هذا التعيين المفاجئ جاء في لحظة اعتبرت فيها واشنطن أنّ الباب مفتوح لإعادة ضبط قواعد الاشتباك عبر التفاوض لا عبر المدفع، مستفيدة من الضغط الذي ولّده اغتيال الطبطبائي على الحزب.
مصادر توقّعت منذ ايام أن إيران وهي التي تُجيد اقتناص الفرص، والاستفادة من الأحداث، ستضغط من باب التريّث والانتظار على حزب الله، وستعمل على ضبط الإيقاع، والتقاط الأنفاس ضمن تكتيكات قسرية.
فطهران المثقلة بالجراح في جبهات عدّة في المنطقة، كانت تراهن على فترة تبريد في لبنان، تمنع انهيار ساحتها الأهم، وتتيح لها إعادة جمع أوراق التفاوض، ولكن يبدو أن شيئاً ما حصل في الكواليس، فكانت كلمة أمين عام الحزب نعيم قاسم، مساء الجمعة، عادية من حيث النغمات المعتادة ومفاجئة من خلال التصعيد، وظهر إصراره على تجاهل أحداث وتطورات أكثر من عام، ونتائج كارثية لحرب اسناد عبثية، فأطلق مواقف أقل ما يُقال فيها أنها غير مسؤولة.
لقد أعاد قاسم في لحظة توتر أطلاق إعلان سياسي وأمني واضح المعالم، فأعاد رسم خطوط الاشتباك في لبنان، داخلياً وخارجياً، ووضع الدولة اللبنانية من جديد في قلب العاصفة الإسرائيلية الأميركية، بدل أن يشكّل سنداً لها في محاولة الخروج من دائرة النار.
اعتبر قاسم أن تعيين مدني رئيسا لفريق التفاوض اللبناني هو “سقطة تُضاف إلى خطيئة الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب”، معتبراً ذلك، تماهياً مع إسرائيل وثقب للسفينة، وعندها يغرق الجميع.
فالحزب يرى في دخول المدنيين إلى مسار التفاوض محاولة لانتزاع ملف الحدود من قبضته، وتحويله من جبهة وورقة يسيطر عليها إلى عملية وطنية تقودها الدولة. قراءة الحزب هذه، هي بيان نوايا بأنه يريد أن يبقى الحاكم الفعلي لمنطقة الجنوب، بل أكثر ذلك، رغم التراجع الكبير الذي أصاب الحزب خلال الأشهر الماضية وفقدانه عناصر قوة استراتيجية في الجنوب، فهو يريد أن يواصل الإمساك بقراري الحرب والسلم، على أن تكون الدولة واجهة تُستخدم عند الحاجة، أو تُلام وتُهدَّد إذا حاولت الخروج من هذا الدور المحدود. وهذا ما يُظهر بوضوح أنّ مفهوم الحزب للتعاون مع الدولة يعني خضوع مؤسساتها لخياراته، لا التزامه هو بخياراتها.
ويتابع قائلاً أن حزب الله لن يوافق على نزع سلاحه والحدود التي يجب أن نقف عندها في أي اتفاق مع العدو ترتبط بجنوب الليطاني حصراً”، مضيفاً “نتعاون مع الدولة ونؤيد خيارها الدبلوماسي لوقف الحرب.
يظهر خطاب الشيخ نعيم قاسم محمّلاً بتناقضات جوهرية؛ هو يؤكد في جملة أنه يتعاون مع الدولة، ويؤيدُ خيارها الديبلوماسي، ثم ينقض ذلك تماماً بوضع خطوط حمراء تتعلق بسلاح الحزب وبالحدود التي يسمح النقاش عندها.
وعلى هذا الأساس، هو يرفض بصورة قطعية أي حديث عن نزع السلاح، متجاهلاً القوانين اللبنانية التي تحصر السلاح بيد الدولة، ومؤوّلاً بنود اتفاق وقف اطلاق النار بما يتناسب مع مصلحته، وكأن النص فضفاضٌ لا يُقيّده شيء، ويجرؤ على السخرية من الحكومة ويطالبها بإظهار بطولاتها بوقف العدوان” مدّعياً انه مستعد للتضحية حتى النهاية دون استسلام.
يعتمد قاسم في كلامه – كما إيران- على أمرين: الأول وهو عامل الوقت وهدر الفرص، وإطفاء أي بارقة أمل وخلاص تلوح للبنانيين. والثاني، هو رهان الحزب الدائم على طبقة سياسية “مرعوبة” وخائفة وبعضها متأثر بطرائف ونكت “حلف الأقليات”؛ طبقة لا تجرؤ على التصرف بشكل سيادي، وترى في مكان ما، مصلحة كبيرة في بقاء سلاح الحزب، والاستفادة من وجوده لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية أو طائفية.
وإلى جانب الخطاب السياسي، يبرز الجانب النفسي والاجتماعي الذي يستخدمه الحزب لتعزيز سيطرته على بيئته، نشير إلى أن قاسم لا يفوّت فرصة إلّا ويذكر البيئة بمخاطر يخترعها حزب الله ويروّج لها بشتى الطرق والوسائل، حتى يقتنع بها الجميع، وتُصبح أمراً مسلّما به وحقيقة واقعة.
قال: هم يريدون الغاء وجودنا …يريدون نزع السلاح وتجفيف المال ومنع الخدمات واقفال المدارس والمستشفيات ويمارسون منع الاعمار والتبرعات ويهدمون البيوت… سنحفظ العهد وامانة الشهداء ولن نتراجع وسنكون الى جانب أهلنا وجرحانا اسطورة التضحية كلام من ها النوع وبهذا السقف، هو حملة تهويل ممنهجة تضع بيئة الحزب ومعهم شريحة واسعة من شيعة لبنان في حالة قلق شديدة من سحب السلاح. وبحسب منطقه، سيادة الدولة وحصر السلاح يعنيان بكل بساطة القضاء على الطائفة وسحق وجودها وامكانيات بقائها.
في المحصلة، يكرّس خطاب نعيم قاسم صورة لبنان كبلد معلّق بين مشروعين متناقضين: مشروع دولة تريد أن تستعيد قرارها السيادي، مستندة إلى دستور وطني وقرارات دولية وعربية ودعم خارجي واسع، ومشروع حزب مسلّح مرتبط بكل تفاصيله بدولة إقليمية هي إيران. يرفض التخلي عن سلاحه ويرى في أي خطوة تعزّز سلطة الدولة تنزلاً مجانياً، وخدمة لإسرائيل.
وفي قلب هذه المعادلة، يبدو الشعب اللبناني – ولا سيما أبناء الجنوب – عالقين بين تهديد إسرائيلي دائم، وخطاب داخلي لا يطمئنهم فعلياً بل يربط مصيرهم بشعارات بعضها أصبح ضرباً من الخيال، وحسابات تتجاوز حدود الوطن ومصالحه وحقوقه. بل جاء كلامه لنقل مركز التهديد من الحدود إلى الداخل، ويضع الحكومة تحت سيف الاتهام والتهديد، ويُقدّم لاسرائيل ومن ورائها الويلات المتحدة، مادة إضافية لتبري استمرار الضغط على لبنان.
وإذا كانت الوقائع الحالية قد أجّلت الحرب، فإن خطاب أمين عام الحزب الأخير يعيدُ فتح كل الاحتمالات، ويُبقي البلاد في دائرة الخطر الدائم، ويساهم في تعطيل أية فرصة لالتقاط أنفاس بلد مرهق، ويمنع تثبيت وقف إطلاق النار، ولا يفتح المجال أمام ترجمة عملية لخيار حصرية السلاح. وخطابه قد يجمّد أي أمل بتسوية حقيقية، مما يجعل البلاد تعيش في مساحة رمادية خطيرة: لا حرب شاملة ولا سلام مستقر.
معلومات إضافية ومفصلة
محتوى شامل ومفصل لمساعدة محركات البحث في فهرسة هذه الصفحة بشكل أفضل.
مواضيع ذات صلة
- وزير النقل التركي: ندعم كل خطوة لإعادة إعمار سوريا
- مادور يتحدى أمريكا.. تحضير للإعلان عن خطة فنزويلا الدفاعية الجديدة
- ما دلالات صلاة الشرع في المسجد الأموي بذكرى التحرير؟
- كيف انتهت حكاية سجون عائلة الأسد؟
- قلق في إسرائيل من هتافات جنود سوريين لغزة
أسئلة شائعة
س: ما أهمية هذا المحتوى؟
ج: هذا المحتوى يوفر معلومات قيمة ومفصلة حول الموضوع المطروح.
س: كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات؟
ج: يمكن استخدام هذه المعلومات كمرجع موثوق في هذا المجال.



