أخبار عربيةالأخبار

شطب أسماء 106 محامين من النقابة في سوريا

لقيامهم بأفعال لا تتفق مع «كرامة المهنة» وشرفها وتحويل المجالس النقابية إلى أجهزة أمنية وشطب أسماء المئات من زملائهم تعسفياً، إلى جانب الإهمال الإداري المتعمد، قامت مجالس فروع نقابة المحامين في دمشق ودرعا وطرطوس بشطب 106 من جداول المحامين من بينهم نقباء سابقون ورؤساء وأعضاء مكاتب فروع، ما أثار تفاعلات مرحبة بعملية «تنظيف» النقابة من أزلام النظام السابق، وسط مطالبات بضرورة توخي الدقة والاعتماد على القرائن والثبوتيات المؤكدة، إلى جانب اعتراض آخرين باعتبار أن القرارات ظلمت محامين عُرف عنهم نظافتهم ودفاعهم عن زملائهم زمن النظام البائد.

أجهزة أمنية رديفة

وأوضح قرار مطول صادر عن مجلس نقابة دمشق ثبوت المسؤولية القانونية والمهنية لرؤساء وأعضاء مجالس النقابة ومجالس الفروع في الفترة بين عامي 2011- 2025 عن مخالفات جسيمة لقانون تنظيم مهنة المحاماة والنظام الداخلي للنقابة، تمثلت في عدم قيام من تولوا مسؤوليات وصلاحيات نقابية بواجباتهم في الدفاع عن النقابة ومنسوبيها في وجه تغول الأجهزة الأمنية للنظام البائد وانتهجوا التأييد العلني لجرائم النظام البائد وإنكارها، مع تحويل المجالس النقابية إلى أجهزة أمنية رديفة للقمع وتكميم الأفواه وملاحقة المحامين بسبب الموقف السياسي المناهض لجرائم النظام، إلى جانب شطب مئات المحامين تعسفياً وبناءً على توجيهات الأجهزة الأمنية.
وتحدث القرار عن إهمال إداري متعمد للواجبات القانونية لمن تولوا مهام الرئيس وأمين السر والخازن لا سيما إهمال قسم الديوان والقسم القضائي والهدر المالي وصرف النفوذ وإساءة استخدام السلطة وتفشي المحسوبيات وقبول الهدايا.
كما تطرق إلى الخلل الإداري في القسم المالي ووجود شبهة فساد مالي تستوجب فتح تحقيق مالي مهني مستقل، مع إهمال نظام التمرين واستغلال المتمرنين لغايات انتخابية، إلى جانب تورط عدد من المحامين المقربين من الأجهزة الأمنية بالوشاية بزملائهم والتسبب باعتقالهم ومقتل عدد منهم تحت التعذيب في معتقلات النظام البائد، وكذلك تورط آخرين في التأييد العلني المتكرر لجرائم النظام بحق أبناء شعبهم والتحريض على القتل والإبادة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وفي المحافل الدولية كاللجنة الدستورية ومؤتمر المحامين العرب.
وبعد أن أوضح القرار الأسباب التي اعتمد عليها لاتخاذه، أكد على شطب أسماء كل من النقباء السابقين نزار السكيف والفراس فارس، وهما معتقلان حاليا، والحسن محمد بركات، إضافة إلى شطب أسماء رؤساء سابقين لفرع دمشق هم محمد جهاد اللحام (رئيس مجلس الشعب السابق) وعبد الحكيم السعدي ومحمد خالد رضوان الحمصي، وشطب الأعضاء في مجلس الفرع مظهر عبدو السواح، وغسان محمود حمامي، وأحمد سالم ابراهيم نابلسي، وهنادة أحمد شربجي.
وطال الشطب محامين آخرين شغلوا مناصب رسمية في عهد النظام السابق، منهم العضو في المحكمة الدستورية العليا ماجد رشيد خضرة، وعضو مجلس الشعب ورئيس وفد النظام السابق في اللجنة الدستورية في اجتماعات جنيف أحمد نبيل كزبري، وعضو مجلس الشعب وعضو وفد النظام إلى محادثات جنيف محمد خير أحمد العكام، والقاضي وائل عبد اللطيف الطباع، وثائر أحمد إبراهيم، وناهض ملحم سليمان، وحسام وليد حسن، ومحمد عبد الحميد العيسى، وسها بنت رفعت عبود. وأوضح مجلس النقابة أن ما أصدره الإثنين هو قرار إداري معجل النفاذ قابل للطعن إفرادياً أمام مجلس النقابة.
وتفاعل مع القرار العديد من المحامين، وطالب بعضهم بتحريك الدعاوى بحق المشطوبة أسمائهم، مسلكيا وجزائيا والحجز على أموالهم، مشددين على ضرورة تنظيف النقابة من المحامين النصابين، وأن تطال قرارات الشطب فروع النقابة في باقي المحافظات.

العمل قيمة أخلاقية

واعتبر نقيب المحامين السابق أحمد دخان القرار الصادر عن مجلس فرع دمشق بأنه شأن نقابي صرف يجب أن يُبنى فقط على أسس قانونية ومهنية واضحة، بعد تحقيق عادل، وضمن الضوابط التي حددها قانون تنظيم مهنة المحاماة والنظام الداخلي للنقابة.
وقال إن مبدأ المحاسبة جزء من الإصلاح النقابي المطلوب، لكنه لا يجب أن يتحول إلى أداة لتصفية الحسابات أو الإقصاء، بل يجب أن يهدف إلى حماية المهنة من أي تجاوزات تسيء إليها أو تُفقدها ثقة المجتمع بها.
وعلق دخان، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس مدينة إدلب، حول ما يثار عن قوائم فصل مقبلة أو احتمال تحريك دعاوى، موضحاً أن المحاسبة القضائية أو التأديبية لا تتم بالتكهن أو التسريبات، بل عبر مسارات قانونية واضحة تحفظ حقوق الجميع، وتضمن العدالة، وتراعي مبدأ قرينة البراءة.

وأضاف: أن مثل هذه القرارات تأتي تجسيداً لمبدأ العدالة الانتقالية التي نص عليها الإعلان الدستوري للبلاد، والمطلوب اليوم هو تكريس العمل النقابي كقيمة أخلاقية ومهنية، لا كساحة للصراع أو التشهير، والحرص على نقابة قوية تحتكم للقانون وحده، لا لردود الأفعال أو الضغوط.
وبين أن نقابة المحامين تؤمن بأن كرامة المحامي لا تقل قدسية عن استقلال المهنة، وأن أي قرار تأديبي سواء كان بالشطب أو بغيره، يجب أن يُبنى على أدلة واضحة، وإجراءات قانونية عادلة، وتكفل للمحامي حق الدفاع والطعن. وبخصوص الحالات التي ثبتت بحقها مخالفات موثقة، قال دخان إن النقابة التزمت بتطبيق أحكام القانون، حفاظاً على سمعة المهنة وهيبتها، أما في الحالات التي وُجدت فيها ملابسات أو نقص في الأدلة، فينبغي ابتداء إجراء التحقيق الشفاف، وعلى ضوء النتيجة يقوم رئيس الفرع أو النقيب بتحريك الدعوى المسلكية أو حفظ الشكوى التي من الممكن أن تقدم من قبل أحد أصحاب العلاقة أو المتضرر من أي إجراء أقدم عليه المحامي المشطوب، على أن يكون وفق الأصول المتبعة في قانون تنظيم المهنة حتى لا يشوب قرار النقابة أي غموض ويميز تماماً بين من تورط بأفعال تسيء للمهنة والمجتمع، وبين من يكون قد تأثر بتقارير أو ظروف غير مكتملة، والنقابة لن تسمح بأن يُظلم أحد، لكنها أيضاً لن تتهاون مع من تجاوز القانون أو خان الأمانة المهنية.
وأوضح أن باب المراجعة والطعن مفتوح أمام كل من يرى نفسه متضرراً، إيماناً منّا بأن العدالة لا تتحقق إلا بالشفافية، وتكافؤ الفرص، وضمان حق الدفاع.
وإلى جانب قرار مجلس نقابة دمشق بشطب أسماء 19 محامياً، صدرت قرارات مشابهة من مجلسي فرعي النقابة في طرطوس ودرعا. فقد قرر مجلس فرع نقابة المحامين في طرطوس شطب أسماء 10 محامين لمخالفتهم واجبات المحامي وقانون تنظيم المهنة.
وأكد أن القرار قابل للطعن شخصياً أمام مجلس النقابة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإعلان عنه.
كذلك قال رئيس فرع نقابة المحامين في درعا سليمان القرفان في تصريحه إن مجلس النقابة في محافظته كان قد أصدر في الثامن عشر من حزيران/ يونيو الماضي قراراً بشطب أسماء 77 محامياً، قسم منهم لذات الأسباب التي وردت في قرار مجلس فرع طرطوس الأخير، حيث أن هؤلاء تغيبوا عن مقار فرعهم في درعا بدليل عدم تنظيمهم أي وكالة، ومن دون أي تبرير أو إبلاغ رئيس فرعهم لفترة تجاوزت الشهرين، ولكن أيضاً بسبب أن عدداً كبيراً منهم كانوا مخبرين وكتبوا تقارير للأجهزة الأمنية بحق زملائهم في المهنة وتم على أساسها اعتقالهم، بل وتمت تصفية محامين من الثوار بتهمة أنهم إرهابيون، ونحن تأكدنا مما سبق بعد أن وضع الثوار أيديهم على كامل الوثائق المتوفرة في مقار الأجهزة الأمنية سواء في المحافظات أو في العاصمة دمشق، بعد إسقاط النظام السابق.
وبين القرفان أن قائمة المشطوبين في درعا ليس من بينهم رئيس فرع نقابة أو أعضاء من مكتب الفرع، مشيراً إلى أن النقيب السابق في درعا ما بين 2010 إلى 2018 فهد العدوي هو الوحيد الذي أساء كثيراً، وكان عميلاً أمنياً بامتياز وتضرر منه معظم محامي درعا، ولكن وضعه الصحي باعتبار أنه على فراش الموت لإصابته بالسرطان هو ما شفع له.
وعلق القرفان على جملة الاتهامات المطولة التي وجهت للمحامين الذين تم شطبهم من فرع دمشق، من دون الإشارة إلى حجة الغياب وقال: إن هؤلاء كان لهم وضع خاص وكل تصرفاتهم كانت مخالفة لقانون تنظيم المهنة، وأنا شخصيا من أكثر المتضررين من النقيب السابق نزار سكيف، حين تم اعتقالي عام 2012 لستة أشهر في فرع المخابرات العسكرية 215 (سرية المداهمة) ومن ثم إحالتي إلى القضاء العسكري واستجوابي لـ18 يوما من دون وجود محام يدافع عني من النقابة لأن سكيف رفض وخالف قانون تنظيم المهنة، بحجة أننا إرهابيون ولا يجب الدفاع عنهم.
وأكد أنه إلى اليوم لم تصدر قوائم شطب من فروع محافظات أخرى، لكن الأمر مرتقب ومتوقع خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن فرع نقابة حلب أصدر قراراً بتجميد عضوية 68 محامياً وتم منعهم من مزاولة المهنة حالياً إلى حين صدور القرارات الخاصة بحقهم بعد إحالتهم على مجلس التأديب.
المحامي هيثم نوري انتقد قرار مجلس فرع دمشق بشطب أسماء محامين، وقال إن المجلس المعدوم في التشكيل بزعمِ التحرير لم ولن يُصدرَ سوى قرارات معدومة التأثير، ومن كانَ فاقداً لأبسطِ شروط الولاية ليسَ لهُ أن يمارسَ مسرحية الدفاع عن العدالة.
وتابع: إننا ننحرف عن مطالبنا في العدالة والانتخابات الديمقراطية لنمنح صلاحية الرئاسة والتعيين لمن لا يعرف كتابة استدعاء دعوى، ونُقصي من بيننا أصحابَ الخبرة الذين كانوا وما زالوا لنا مُعينين وبدلاً من أن نستفيدَ من خبرةِ الجيد الصالح فإننا نشطبهُ مع الطالح.
ودافع نوري عن عضو مجلس فرع دمشق المشطوب عبد الحكيم السواح، وهو ما أيده فيه العديد من المحامين، فقال كمال زيدو إنه خير من كان في موقعه في أسوأ الظروف، كما قال عنه إبراهيم عبد الله إنه كان انساناً قبل كل شيء يحترم الجميع ولا يبخل بأي طلب ضمن القانون النقابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى