استقالة 8 طبيبات بسبب ظروف العمل

يشهد القطاع الصحي في مصر أزمات متلاحقة، فبينما أثارت استقالة ثماني طبيبات من أصل 15 من دفعة واحدة من قسم النساء في كلية طب جامعة طنطا ردود فعل واسعة، انتقد الحزب المصري الديمقراطي ارتفاع أسعار العلاج والحجز في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان الحكومية.
وأعلنت النقابة العامة للأطباء عن صدور عدد من القرارات على خلفية الاستقالات الجماعية التي شهدها قسم النساء والتوليد في كلية الطب جامعة طنطا.
وقالت في بيان إنها تابعت ما تم تداوله من شكاوى واستقالات، وإنها تواصلت مع إدارة كلية الطب في جامعة طنطا.
شهادات صادمة
وأضافت: أن هذه الأزمة تعيد تسليط الضوء على الحاجة الملحة لتوفير بيئة عمل مناسبة تضمن الحد الأدنى من الظروف الإنسانية والمهنية للأطباء الشباب.
وشددت على أن استمرار الضغط غير المبرر على الأطباء المقيمين دون مراعاة لطاقاتهم وظروفهم يمثل تهديدًا مباشرًا لمسارهم المهني، ويؤثر سلبًا على قدرتهم في تقديم رعاية آمنة وفعّالة للمرضى.
وكانت طبيبات قدمن استقالتهن نظمن حملة تدوين على حساباتهن على «فيسبوك»، قدمن خلالها شهادات صادمة حول ظروف العمل التي دفعتهن للاستقالة، تراوحت بين العمل لـ82 ساعة متواصلة، والعقاب الجماعي بالنوم على الأرض لأسبوع.
وقالت الدكتورة رنيم جبر، إحدى الطبيبات المستقيلات، إن التجربة التي كانت تأمل أن تكون تعليمية تحولت إلى استنزاف بدني ونفسي تحت مظلة نظام لا يُنصف ولا يُطوّر.
وتابعت: والله كنا ننام في الـ82 ساعة أقل من 6 ساعات، وفي أيام كثيرة لا ننام فيها أصلا، أو نقسّم فترات النوم بحيث يكون نصيب كل واحد نصف ساعة أو ساعة إلا ربعا فقط، ويشهد الله إنني عملت كل شيء أقدر عليها وأديت من كل طاقتي وصحتي ونفسيتي من أجل هذا المكان.
وزادت: كنا ننام على الأرض أو على أسرّة المرضى أو الولادة. وأحياناً كنت أنام على الكرسي الذي أجلس عليه لأنه لا يوجد مكان آخر!، ويمر أسبوع كنا ننام في المستشفى على الأرض ولا نرى أهالينا.
وقالت الدكتورة هايدي هاني، إحدى الطبيبات المستقيلات، إن مكان النوم المخصص لهن كان غرفة فيها مرتبتان على الأرض تنام عليهما القطط، ما عرض إحدى زميلاتهن للسرقة وهي نائمة.
إضافة إلى الاستقالات، يثير معدل هجرة الأطباء من مصر، مخاوف من تأثير ذلك على المنظومة الصحية في البلاد. فحسب إحصائيات كشفت عنها نقابة الأطباء، فقد غادر ما يقرب من 110 آلاف طبيب خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويبلغ معدل الأطباء نحو 9 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، وهو أقل من نصف المعدل العالمي المحدد بـ 23 طبيباً، حسب النقابة العامة لأطباء مصر.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي إن الحكومة تعمل على زيادة عدد خريجي كليات الطب من نحو 10 آلاف طالب سنوياً في الوقت الحالي إلى 29 ألف خريج سنويا بعد 6 سنوات.
وأضاف: إذا هاجر منهم 7 أو 8 آلاف طبيب سنوياً، فهذا شيء جيد، أن يخرج جزء من شباب مصر وقوتها الناعمة للعمل في الخارج، ويحقق عائداً مالياً واقتصادياً، هذا يعود بالنفع على الدولة، نحن نرى ارتفاعاً في تحويلات المصريين بالخارج.
وبين أن هذا جزء من سياسة الدولة، أن نشجع شبابنا على السفر وإيجاد فرص عمل جيدة في كل مكان.
كما تقول الحكومة إنها أقرت قانون المسؤولية الطبية الذي شدد من عقوبة الاعتداء على الطواقم الطبية، وينظم عمل الأطباء ومسارات لشكوى المرضى في حال وقوع الأخطاء الطبية، كما يضع القانون تعريفات محددة للأخطاء الطبية.
في السياق، قالت مها عبد الناصر، عضوة مجلس النواب ونائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي، إنها تابعت خلال الساعات الماضية بدء تنفيذ قرار وزارة الصحة والسكان رقم 220 لسنة 2025 بزيادة أسعار الخدمات الطبية في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بنسبة تصل إلى 900 %.
وأضافت في بيان: بكل صراحة ووضوح فإننا نرى هذا القرار قرارًا غير مسؤول ويُضاعف معاناة المرضى وأسرهم في وقت لا يحتمل فيه المواطنون مزيدًا من الأعباء، حيث إن الحكومة تواصل تحميل المواطن أعباءً إضافية، دون أن تأخذ في اعتبارها أن المرضى النفسيين ومرضى الإدمان هم بالفعل فئات تحتاج إلى دعم ورعاية خاصة، وليس إلى مزيد من الضغوط المالية التي تضر بحياتهم وحياة أسرهم.
وزادت: بموجب القرار الجديد، ارتفعت أسعار العلاج في مستشفيات الصحة النفسية لتتراوح بين 150 إلى 550 جنيهًا في اليوم، أي ما يقرب من 4500 – 16500 جنيه شهرياً، بالإضافة إلى تكاليف الكشف الطبي التي وصلت إلى 200 جنيه في بعض الحالات، حيث إن هذه الزيادة لا تشمل سوى الإقامة، بينما تظل الخدمات الطبية والعلاجية في غاية الارتفاع.
وواصلت: بلا أدنى شك هذه الأرقام تفوق قدرة غالبية الأسر المالية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي يعاني فيها المواطن من ارتفاع أسعار كل شيء.
وحذرت في بيانها من النتيجة المتوقعة لهذه الزيادة، وهي عزوف المرضى عن تلقي العلاج، متسائلة: كيف لأسر فقيرة بالكاد تجد قوت يومها أن تتحمل هذا العبء المالي؟ فالمرضى النفسيون، الذين يعانون أصلاً من ظروف صحية صعبة، لا يجدون من يدعمهم في ظل هذه التكاليف الفلكية، حيث سيجد الكثيرون منهم أنفسهم أمام خيار قاس وهو التوقف عن العلاج والعيش مع معاناتهم النفسية والعيش في حالة تدهور مستمر دون رعاية طبية.
وبينت أن المرضى سيضطرون للتخلي عن العلاج، وهذا ما سيؤدي إلى زيادة معدلات الإدمان بشكل غير مسبوق، حيث إن مريض الإدمان يحتاج إلى متابعة مستمرة، وإذا غابت هذه المتابعة، ستنتكِس حالته ويعود إلى السلوكيات السابقة، مما سيؤدي إلى زيادة أعداد المدمنين.
وزادت: من الوارد جدا أن معدلات الانتحار قد تشهد تصاعدًا ملحوظًا لا قدر الله، حيث ان المرضى النفسيين الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف سيشعرون باليأس والإحباط، ما سيؤدي إلى تدهور حالاتهم النفسية بشكل كبير، وقد يدفعهم ذلك إلى الانتحار نتيجة العزلة والعجز عن توفير العلاج اللازم، فضلا عن احتمالية ارتفاع معدلات الجريمة بشكل كبير وملحوظ.
وتساءلت عبد الناصر: لماذا لم تراعِ الحكومة حجم هذه التبعات الخطيرة، بل اكتفت برفع الأسعار دون دراسة دقيقة للآثار الاجتماعية والنفسية لذلك على المرضى وأسرهم؟
وأكدت أن المستشفيات النفسية التي تتعامل معها وزارة الصحة ليست في وضع يسمح لها بتقديم الخدمات اللازمة التي تتناسب مع تلك المبالغ الضخمة، فإذا كانت الحكومة تزعم أن هذه الزيادة ستساهم في تحسين الخدمة، فهذه مزاعم فارغة، حيث ان المستشفيات تعاني من تدهور حاد في مستوى الخدمات، بل وبعضها لم يجرَ أي صيانة حقيقية على مدى أعوام، بل إن الموظفين في هذه المستشفيات يعانون من غياب المكافآت والتقدير المناسب، فما الذي يفعله المريض إذا كان لا يجد خدمة طبية جيدة أو مرافق كافية في المستشفى؟ بل هو مطالب بتحمل مبالغ تقترب من ما يتم تحصيله في المستشفيات الخاصة.
وأوضحت أن هذه الزيادة لا تضر فقط بالمرضى وأسرهم، بل تؤثر على المجتمع بأسره، فكل مريض نفسي أو مدمن لا يتلقى العلاج اللازم سيصبح عبئًا على مجتمعه وعائلته، فهؤلاء المرضى قد يجدون أنفسهم في الشارع، في حالة تدهور كامل لحالتهم النفسية، مما يعرضهم لمخاطر كثيرة مثل العنف، والسرقة، والانتحار، وحتى تحولهم إلى أعباء اجتماعية خطيرة، فبدلًا من أن تسعى الحكومة لتمكين المرضى من الحصول على الرعاية اللازمة، تأتي هذه الزيادة لتزيد من العزلة والإهمال الذي يعيشه هؤلاء المرضى في المجتمع والذي قد يجعلهم قنابل موقوتة مزروعة في وسط المجتمع.
واختتمت أن ما تفعله الحكومة في ضوء هذا القرار ما هو إلا إضافة مزيد من المآسي في حياة هؤلاء المرضى، بدلًا من أن تكون هي الحل للمشكلة، القرار ليس فقط غير عادل، بل هو قرار كارثي للمرضى النفسيين الذين يحتاجون إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى، وبلا جدال يجب إلغاؤه وفوراً.
كذلك تقدم النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بسؤال عاجل إلى وزير الصحة والسكان بشأن الآثار الكارثية للائحة المالية الجديدة لمستشفيات الصحة النفسية، والتي وصفها بأنها تمثل امتدادًا خطيرًا لتخلي الدولة عن مسؤولياتها الدستورية تجاه الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
وأشار إلى أن اللائحة الجديدة، التي بدأ العمل بها هذا الأسبوع، ترفع تكلفة إقامة المريض المحتجز من 150 جنيهًا إلى 550 جنيه يوميًا، دون أن تشمل هذه التكلفة أي خدمات طبية، في خطوة تثير تساؤلات دستورية وإنسانية خطيرة.
وأضاف أن اللائحة السابقة كانت تنص على تخصيص 60% من أسرة المستشفيات الحكومية للعلاج المجاني، قبل أن تُخفض إلى 25%، واليوم يبدو أن وزارة الصحة قررت إلغاء النسبة بالكامل في مستشفيات الصحة النفسية، دون إعلان أو شفافية”، معتبرًا أن ما يحدث هو تآكل تدريجي لحق العلاج المجاني الذي نص عليه الدستور في المادة 18.
لا يملكون دخلًا
وتساءل البياضي: هل من المنطقي أن نُحمّل أسرة المريض النفسي تكلفة الحجز الإجباري المفروض لحمايته وحماية المجتمع؟ وهل تدرك الوزارة أن أغلب هؤلاء المرضى لا يملكون دخلًا، وأن أسرهم غالبًا من الفئات الأشد هشاشة؟
وأكد أن القرار يُعد حلقة جديدة في مسلسل تحميل المواطن كلفة انهيار الخدمات العامة، حتى في أكثر لحظات ضعفه واحتياجه للرعاية، مشيرًا إلى أن الصحة النفسية ليست رفاهية بل مسؤولية مجتمعية ودستورية.
ودعا الحكومة إلى التوقف عن تحميل المواطن ثمن فشل السياسات الصحية، والالتزام بمسؤولياتها التي كفلها الدستور لكل مواطن، لا سيما غير القادرين.