اخبار تركياالأخبار

وعدها بالأمان في إسطنبول فسلّمها لعصابة دعارة

في قصة تعكس مآسي الحروب واللجوء والاستغلال، وجدت شابة أوكرانية تُدعى كاترينا ب. نفسها عالقة في دوامة من العنف والاتجار بالبشر بعد أن فرت من الحرب الدائرة في بلادها إلى تركيا، بحثًا عن الأمان والعمل، لتُفاجأ بأنها أصبحت ضحية لعصابة استغلت ظروفها الصعبة.
من ريفنه إلى إسطنبول.. البداية من وهم الأمل

تعود فصول القصة إلى ما بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حين اضطرت كاترينا (29 عامًا) إلى مغادرة مدينة ريفنه الأوكرانية بسبب اشتداد القتال وسوء الأوضاع الإنسانية. كانت تعيش مع والدها المدمن على الكحول ووالدتها التي تعمل في وظائف يومية، وهو ما جعل الحياة في ظل الحرب أكثر قسوة.
خلال هذه الفترة، تعرفت كاترينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على شخص يُدعى إلياس، يقيم في إسطنبول. أبدى اهتمامًا بها ودعاها للحضور إلى تركيا، واعدًا إياها بفرصة حياة جديدة. لم تتردد كاترينا كثيرًا، لتقرر السفر إلى إسطنبول على أمل أن تبدأ حياة جديدة.

احتجاز واستغلال.. تفاصيل صادمة لما حدث بعد الوصول

ما إن وصلت كاترينا إلى إسطنبول، حتى بدأت الكارثة. في البداية أقامت في حي بهتشلي إفلر لمدة أسبوع، قبل أن تبدأ معاملتها بالتغير بشكل مفاجئ. تم احتجازها من قِبل إلياس، الذي سرعان ما سلّمها إلى امرأة أوزبكية تتحدث الروسية، بحجة مساعدتها على كسب المال.
تمت مصادرة جواز سفرها، ووجدت نفسها محاصرة داخل شبكة من الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، حيث أُجبرت على ممارسة الدعارة تحت التهديد والتخويف، بل وأُجبرت على تعاطي المخدرات في بعض الحالات، بحسب شهادتها.

تم نقلها بين مدن تركية مختلفة، منها أنقرة، كوتاهيا، كوجالي، وأُجبرت على الإقامة في غرف مغلقة لأيام، وتعرضت خلالها للاعتداء والاستغلال من قِبل عدد من الأفراد ضمن هذه الشبكة. في أرضروم، خُدعت مجددًا بوعد الحصول على عمل، لكنها وجدت نفسها تُجبر على تعاطي المخدرات مجددًا والعودة إلى دائرة الاستغلال.

محاولات هروب ويأس

رغم كل محاولات الهروب، كانت العصابة تلاحقها وتعيدها في كل مرة. وفي إحدى المرات، وبعد أن فُقد هاتفها أثناء وجودها في سيارة أجرة في مدينة أنطاليا، لجأت إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ. هذه الخطوة كانت نقطة تحول، حيث بدأت تتواصل مع أشخاص خارج الشبكة، رغم الخوف والضغوط النفسية.
عادت إلى إسطنبول مرة أخرى، ولكن من دون جواز سفر أو وسيلة تواصل. اضطرت للعمل كمترجمة للغتين الإنجليزية والروسية في مكتب ترجمة بحي أكسراي، وذلك لتأمين المال اللازم لاستخراج وثائق جديدة.

إلا أن المرأة الأوزبكية التي لعبت دورًا كبيرًا في استغلالها عادت للظهور مجددًا، محاوِلة إغراءها بالعودة إلى العمل الليلي مقابل مبالغ كبيرة. لكن كاترينا، هذه المرة، استطاعت الهروب، وبدأت تتجول في شوارع أكسراي بحالة يرثى لها.

تدخل قانوني.. ومحاولة إنقاذ

في لحظة إنسانية مؤثرة، لاحظ محامٍ تركي – رفض الكشف عن هويته – حالة كاترينا أثناء تجولها بملابس ممزقة وحذاء متهالك، وكانت تتصرف بطريقة غريبة تحت إحدى الأشجار. اقترب منها وتواصل معها بصعوبة بسبب حالتها النفسية واللغوية المتدهورة.
سارع المحامي إلى تأمين الحماية لها، وتواصل مع مكتب الأمم المتحدة في أوكرانيا وعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالهجرة واللاجئين. وبالفعل، تم تقديم طلب رسمي باسمها إلى مديرية الهجرة في إسطنبول، لبحث وضعها القانوني والمساعدة في عودتها إلى أوكرانيا.

أريد فقط العودة.. حتى لو كانت بلادي تحت النار
في تصريحات مؤثرة، روت كاترينا لـصحيفة “صباح” التركية، تفاصيل ما تعرضت له، قائلة:
عندما اندلعت الحرب، تشتتت عائلتنا. والدي كان مدمنًا على الكحول، ووالدتي تعمل يوميًا لتأمين لقمة العيش. كنت أعيش في فوضى. تعرفت على إلياس عبر الإنترنت، ودعاني إلى إسطنبول. وعندما وصلت، تغير كل شيء. اغتصبوني، ثم نقلوني من مدينة إلى أخرى، أجبَروني على تعاطي المخدرات والعمل في الدعارة. لم أكن أعرف شيئًا عن هذه الحياة. كل ما أريده الآن هو استخراج جواز سفر والعودة إلى بلادي، حتى وإن كانت تحت القصف.
وأضافت:
حالتي الصحية تدهورت، لا أملك المال ولا مأوى، ولا أعرف شيئًا عن والدتي التي هربت إلى أوروبا بعد وصولي إلى تركيا. أناشد السلطات التركية مساعدتي.

بحاجة إلى علاج فوري وإيواء

المحامي الذي تولى قضيتها أكد أن كاترينا بحاجة ماسة إلى رعاية طبية ونفسية عاجلة، بالإضافة إلى إيواء في أحد مراكز حماية النساء، قائلاً:
عندما رأيتها لأول مرة، كان من الواضح أنها لا تملك أدنى مقومات الحياة الكريمة. آثار المخدرات واضحة على سلوكها، وربما تعرضت لصدمات نفسية شديدة. نحن الآن نعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة لتأمين علاجها وإعادتها إلى بلدها في أسرع وقت.

قصة كاترينا ليست حالة فردية، بل تمثل نموذجًا لما يتعرض له كثيرون من الفارين من الحروب والنزاعات، الذين يجدون أنفسهم في قبضة شبكات الاستغلال والاتجار بالبشر. ومع تزايد الأزمات الدولية، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز آليات الحماية للاجئين والناجين من الحروب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى