شحّ المياه بالعراق يوقف الزراعة الشهر المقبل

كشف وزير الموارد المائية العراقي، عون ذياب، أمس الإثنين، عن تراجع المخزون المائي في البلاد إلى أقل من ثمانية مليارات متر مكعب، وهو ما ينذر بموسم قاسٍ جديد قد يكون الأسوأ منذ ما يقارب قرناً من الزمن، وفيما كشف عن توقف زراعة المحاصيل في غضون أيلول/ سبتمبر المقبل، بسبب شحّ المياه، أكد استمرار المفاوضات مع تركيا بشأن تقاسم الضرر.
وقال الوزير العراقي، حسب الصحيفة الحكومية، إن العام 2025 يُعدُّ من أصعب الأعوام التي تمرُّ على العراق من حيث الشحِّ المائي، في ظل الانخفاض المستمر في الواردات المائية القادمة من دول الجوار، وعلى رأسها تركيا، مشيراً إلى أن هذه الأزمة تتزامن مع استمرار موجات الجفاف التي تضرب المنطقة ككل.
وأضاف أن التوقعات المناخية تشير إلى احتمال هطول أمطار خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة خلال أيلول/ سبتمبر، ما ينعكس إيجاباً في تقليل نسب التبخر، لكنه أكد في الوقت ذاته أن زراعة المحاصيل ستتوقف بالكامل خلال شهر أيلول/ سبتمبر نتيجة شحِّ المياه.
وعن واقع السدود، أوضح عبد الله أن الخزين المائي في السدود والخزانات الكبرى، مثل الموصل ودربندخان ودوكان والثرثار وحديثة وحمرين، انخفض إلى أقل من 8 مليارات متر مكعب، وهو رقم يُعدُّ متدنياً مقارنة بالاحتياجات الزراعية والسكانية في البلاد.
ورغم هذه التحديات، أكد الوزير أن الوزارة نجحت في إدارة المتوفر من الخزين الحالي بكفاءة، لضمان استمرار تزويد المياه للأغراض الأساسية، مع الحرص على تطبيق سياسة توزيع عادلة بين المحافظات.
في سياق متصل، كشف عبد الله عن استمرار المشاورات والتواصل الفني مع الحكومة التركية من أجل التوصل إلى آلية واضحة لتقاسم الضرر الناجم عن شح المياه بين البلدين، لافتاً إلى أن تركيا تعتمد حالياً على تشغيل مجموعة من السدود المقامة على نهر الفرات لأغراض توليد الطاقة الكهربائية، من خلال تحويل المياه من سدٍّ إلى آخر قبل إطلاقها نحو الأراضي السورية والعراقية». وأوضح أن «هذا النمط من التشغيل أدى إلى انخفاض كمية المياه الواردة إلى العراق عبر نهر الفرات إلى النصف مقارنة بالكميات الطبيعية، مضيفاً أن تركيا تقوم أيضاً ببناء سدود على فروع نهري دجلة والفرات لتعظيم استفادتها المائية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في الحصص الواردة للعراق.
وبيّن الوزير أن الإطلاقات المائية من تركيا إلى الحدود السورية حالياً تبلغ نحو 350 متراً مكعباً في الثانية (م3/ثا)، إلا أن الكمية التي تصل فعلياً إلى سدِّ حديثة تقل عن 200 م3/ثا، قبل أن يتم تصريفها إلى نهر الفرات داخل العراق. أما بالنسبة لنهر دجلة، فبلغت الإطلاقات التركية نحو 200 م3/ثا، تضاف إليها 150 م3/ثا من سدِّ الموصل، لتبلغ الإطلاقات الكلية ضمن حوض دجلة حالياً نحو 350 م3/ثا.
تصريحات الوزير جاءت تزامناً مع كشف محافظ البصرة، أسعد العيداني، عن إن الخزين المائي في العراق يمر بأسوأ حالاته منذ عام 1930، مشيراً إلى أن هذه الأزمة غير مسبوقة من حيث الخطورة.
وقال في تسجيل فيديو، إن البعض قد يتساءل عن دور السلطات المحلية»، موضحًا أن «هناك تحديات كبيرة يجب تجاوزها، إذ وصلت بعض أحواض الخزن المائي إلى متر وعشرين سنتيمتراً، بينما كانت تُعدّ خطرة في السابق عندما تصل إلى متر وستين سنتيمتراً، حسب تقييم المختصين.
وأوضح أن هناك جهودًا متواصلة لإنشاء بنى تحتية متكاملة لشبكات المياه، تغطي مساحة لا تقل عن مليون وستمئة ألف متر مربع في عموم المحافظة، تشمل المضخات والمعدات الأساسية، مبينا أن مشروع محطات التحلية يُعدّ من أولويات العمل في المرحلة الحالية.وأشار إلى أن تلك المحطات التي تعمل الحكومة المحلية والاتحادية على إنشائها قد تستغرق نحو عام كامل لإنجازها، موضحًا أن هناك خططًا قيد التنفيذ بالتعاون مع عدد من الاستشاريين، لإنهاء ملف المياه بالكامل.
ووفق رئيس الحكومة المحلية فإنه يعتزم زيارة العاصمة التركية أنقرة لبحث موضوع الإطلاقات المائية للعراق، بهدف تعزيز تدفق المياه نحو شط العرب.
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، قد اعتبرت أن عقوداً من التلوث المرتبط بالنزاعات، وإهمال السياسات البيئية، وضعف الحماية البيئية، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، وراء تدمير المشهد الطبيعي في العراق.
وأشارت في تقرير سابق له إلى تعرض بيئة العراق لضغوط شديدة بكل المقاييس، فالبحيرات والأنهار والأهوار تتقلص، بل وتختفي تماما في بعض الحالات. كما تتزايد وتيرة العواصف الرملية وشدتها، ما يستدعي إدخال الأشخاص إلى المستشفيات وإلغاء الرحلات الجوية.
وأضافت: أدت عقود من التلوث المرتبط بالنزاعات، وإهمال السياسات البيئية، وضعف الحماية البيئية، وسوء إدارة الموارد الطبيعية إلى تدمير المشهد الطبيعي في العراق، مشيرة إلى إنه لا يمكن إنكار الآثار الضارة لتغير المناخ في العراق، والتي ستزداد في العقود المقبلة. إذ يشهد العراق بالفعل موجات حر أكثر شدة وتكرارا، وجفافا زراعيا ناجما عن تدهور المناخ العالمي. وثمة سبب وجيه لتصنيف (الأمم المتحدة) العراق خامس أكثر الدول عرضة للاحتباس الحراري.
ووفق التقرير الحقوقي فإنه مع تقلّص الأراضي الصالحة للزراعة وتبخر مجاري المياه المخصصة لصيد الأسماك، وغيرهما من العوامل الاقتصادية الأخرى، ينتقل عدد متزايد من العراقيين إلى المدن بحثا عن عمل.
وحتى مارس/آذار 2024، سجّلت «المنظمة الدولية للهجرة» وجود أكثر من 140 ألف عراقي نازح في سياق الجفاف وتدهور الأراضي.