العشائر الفلسطينية ودورها في إفشال المخططات الصهيونية

على مدار قرن من الزمان، أدت العشائر العربية عموما، والفلسطينية على وجه الخصوص، دورا محوريا في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية، والتصدي لمحاولات الاحتلال والتقسيم والهيمنة الاستعمارية. فقد كانت العشائر حاضنة طبيعية للجهاد والمقاومة، وضامنة للتماسك الاجتماعي في أحلك الظروف، خاصة عند غياب الدولة أو ضعفها.
وقد أثبتت العشائر عبر العقود أنها تمثل العمود الفقري للمجتمع، ولها القدرة على تعبئة الناس وتنظيم الصفوف في مواجهة العدو.
سياسة التجويع: فشل إضافي في حرب الاحتلال
عقب إخفاقه العسكري، لجأ الاحتلال إلى أساليب قذرة تستهدف المجتمع الفلسطيني من الداخل، وعلى رأسها “حرب التجويع” التي هدفت إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة.
اعتمد الاحتلال على قطع الإمدادات الأساسية، ومنع دخول الغذاء والدواء، كما حاول تمرير مخططات لتشكيل خلايا من المرتزقة والعملاء، أو استمالة شيوخ ومخاتير العشائر عبر الإغراءات أو الضغوط، بهدف تفكيك المجتمع من الداخل وإضعاف التماسك.
بيد أن هذه السياسة فشلت فشلا ذريعا، وكان للعشائر دور أساسي في إفشالها، كما سيتضح في المحاور التالية.
العشائر تتصدر مشهد الإغاثة والحماية المجتمعية
استشعارا للمسؤولية، بادرت العشائر الغزية إلى تشكيل لجان ومجموعات من أبنائها، للإشراف على إدخال شاحنات الإغاثة، وضمان وصولها إلى مستحقيها من المدنيين. وقد تصدى أبناء العشائر لظاهرة قطع الطرق ونهب المساعدات، والتي سعت جهات مشبوهة- بعضها مرتبط بالاحتلال- إلى استغلالها لإشاعة الفوضى.
لقد نجح هذا الدور في:
حماية المساعدات وتوزيعها بعدالة.
دحض رواية الاحتلال حول سرقة الإغاثة أو استحواذ المقاومة عليها.
تعزيز الثقة المجتمعية بالعشائر كجهة ضامنة للعدالة والتكافل.
بهذا الأداء المشرف، برهنت العشائر على أنها خط الدفاع الاجتماعي الأول في وجه محاولات الاحتلال لإضعاف النسيج الوطني.
رفض قاطع لأي تعاون مع الاحتلال
في ظل انشغال المقاومة بخوض المواجهة العسكرية، تصدت العشائر لمحاولات الاختراق الناعمة التي اعتمد فيها الاحتلال على الإغراءات المالية أو الترهيب، من أجل استمالة بعض الشخصيات العشائرية. وقد أعلنت الهيئة العامة للعشائر الفلسطينية، في بيانات متكررة، رفضها التام والقاطع لأي تواصل أو تعاون مع العدو الصهيوني، مؤكدة أن:
جميع أبناء العشائر يقفون صفا واحدا خلف المقاومة والجهاد، وهي الحاضنة الشعبية الأصيلة لهما.
كما تم إصدار بيانات صارمة تبرأت فيها العشائر من كل من انخرط في أعمال نهب أو تخابر أو تعاون مع الاحتلال، معتبرة إياهم فئة شاذة لا تمثل العادات والأعراف الأصيلة.
العشائر: الحصن المنيع في مواجهة الفوضى والعملاء
بالإضافة إلى أدوارها الإغاثية والاجتماعية، عملت العشائر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية على ملاحقة كل من تورط في أعمال تخريب أو تخابر، وساندت الإجراءات الرامية إلى تطبيق القانون وتحقيق القصاص العادل بحق العملاء واللصوص.
وقد دعا شيوخ العشائر ومخاتير العوائل عبر الهيئة العامة للعشائر الفلسطينية كافة أبناء الشعب إلى:
تحمل المسؤولية المجتمعية.
نبذ السلوكيات المخالفة للعادات والتقاليد.
مؤازرة المقاومة في هذه المرحلة الحرجة.
التصدي للخونة والمرجفين دون هوادة.
وهكذا، أكدت العشائر الفلسطينية أنها ليست فقط طرفا اجتماعيا، بل عنصرا أمنيا ووطنيا وقياديا أصيلا في معركة الصمود والكرامة.
العشائر ركيزة أساسية في معركة التحرير
لقد أثبتت التجربة أن العشائر الفلسطينية ليست مجرد مكون اجتماعي، بل قوة وطنية وسياسية وثقافية متجذرة، لعبت ولا تزال تلعب أدوارا مفصلية في صيانة الجبهة الداخلية، ومواجهة الاحتلال، وحماية المجتمع من الفوضى والانهيار. وفي كل مرحلة فارقة، تظهر العشائر كدرع حامٍ ومكمل عضوي لدور المقاومة.
فلا تحرير دون تماسك مجتمعي، ولا نصر دون حاضنة وفية، والعشائر الفلسطينية اليوم تمثل هذه الحاضنة بكل فخر واقتدار.
واعتقد اعتقادا راسخا أن للعشائر دورا محوريا حاسما في المستقبل القريب والمنظور والبعيد، سيشكل فارقا في كثير من القضايا والمفاصل التاريخية. فبوعيها الجمعي، وثقلها الاجتماعي، واستقلالها القيمي، ستكون العشائر ركيزة من ركائز البناء الوطني الفلسطيني التالية، وقوة ضامنة لعدالة المرحلة القادمة، وحصنا متينا أمام أي مشاريع اختراق أو تفتيت داخلي.