سودانيون ينتقدون إشراك أمريكا للإمارات في مباحثات لوقف الحرب

انتقد محللون سودانيون تحدثوا قالوا أن إشراك الولايات المتحدة للإمارات في مباحثات لوقف الحرب في البلاد، معتبرين أن أبو ظبي طرف في الصراع، ولا يمكن اعتبارها من الأطراف الوسيطة.
وبحثت الولايات المتحدة الأمريكية مع سفراء الإمارات والسعودية ومصر في واشنطن، سبل إنهاء الحرب في السودان، معربة عن قلقها البالغ من الصراع المسلح في السودان، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وتفاقم الأزمة الإقليمية، ودعت إلى إقناع الأطراف بالجلوس للتفاوض من أجل التوصل لحل سلمي.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان رسمي صادر عن مكتب المتحدث باسمها، أمس الأربعاء، أن نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو ومستشار الشؤون الأفريقية مسعد بولس عقدا اجتماعا في العاصمة الأمريكية واشنطن مع سفراء دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وذلك في إطار التشاور بشأن تطورات الوضع في السودان.
وأعرب عن قلق واشنطن البالغ إزاء تداعيات الصراع المسلح في السودان، لا سيما من حيث تدهور الأوضاع الإنسانية وتفاقم الأزمة الإقليمية.
واعتبر استمرار القتال يهدد المصالح المشتركة لجميع دول المنطقة، ويقوض الاستقرار المطلوب لتحقيق الأمن والتنمية.
وشدد على أن الحل العسكري للنزاع القائم غير قابل للتحقيق، داعيا إلى تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى إقناع الأطراف المتحاربة بضرورة الوقف الفوري للأعمال القتالية، والانخراط في عملية تفاوضية شاملة تفضي إلى تسوية سلمية للنزاع.
كما نوهت الخارجية الأمريكية إلى أهمية التنسيق بين الدول ذات التأثير المباشر على مسار الأزمة، مشيرةً إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تضطلع به الإمارات والسعودية ومصر في الدفع نحو تهدئة النزاع وتعزيز المسار التفاوضي، بما يصب في مصلحة الشعب السوداني ويعيد الاستقرار إلى المنطقة ككل.
ورأى مراقبون أن تحركات الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في إطار هندسة ترتيبات إقليمية جديدة في ملف الحرب، حيث أعلنت عن تشكيل «رباعية جديدة» تضم واشنطن، الرياض، القاهرة، وأبو ظبي، مع إقصاء واضح لبريطانيا، الشريك التقليدي في رباعية القرن الأفريقي التي رعت الاتفاق الإطاري.
وقال الكاتب والسياسي أحمد شموخ إن الولايات المتحدة كشفت عن دافعها الأساسي لتشكيل الرباعية، وهو أن الصراع يهدد المصالح المشتركة في المنطقة، أي مصالح الدول التي ضمّتها الرباعية، دون أدنى اعتبار لمصالح السودان، وكذلك دون أي تأكيد على سيادة السودان ووحدة أراضيه وضرورة الحفاظ على مؤسساته الوطنية، وعلى رأسها مؤسسات الأمن القومي، هذا إذا تغاضينا عن تغييب الحكومة.
وأشار إلى أن البيان كلف الرباعية الجديدة أن تسعى جاهدة لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي»، وهو ما يعني العودة لمحاولة منبر جنيف في أغسطس/آب 2024 القاضي بإعادة إنتاج دور أبو ظبي كوسيط وليس طرفا «غازيا ومعتديا، يدعم ويموّل ويحارب السودان بهدف استتباعه باستخدام الدعم السريع، وفق قوله.
ودعا إلى عدم ركون الحكومة السودانية ومعسكر السيادة الوطنية، إلى التحليل الذي يقول إن الرباعية تضم اثنين من أقرب حلفاء السودان، السعودية ومصر، لأن هذه حقيقة غير كاملة»، موضحا أن الدول الحليفة مهما كان تاريخها وقربها لديها مصالح ضخمة ومستقلة مع الولايات المتحدة، وقد لا تتقاطع تلقائيًا مع مصلحة السودان وأمنه القومي كما يُعرّفه السودانيون.
وشدد على ضرورة الدفاع عن السيادة الوطنية والأمن القومي كقضايا مصيرية ووجودية للسودان، مؤكداً أن العلاقات الدولية مهما كانت وثيقة لا تدار بروح الجمعيات الخيرية. ورأى أن خلاصة التحركات تصب في بحث أبو ظبي عن إخضاع السودان بكل الأدوات المتاحة لديها، سياسياً أو عسكرياً.
يأتي ذلك في وقت ترفض فيه الحكومة السودانية أي دور للإمارات في السودان وتتهمها بدعم قوات «الدعم السريع» بالعتاد، والمشاركة في قتل السودانيين، بينما تنفي الأخيرة تلك الاتهامات.
وقال المحلل السياسي محمد المبروك لـ «القدس العربي» إن أي خطوة من المجتمع الدولي أو الاقليمي او كليهما معا في اتجاه دفع الأطراف للجلوس إلى طاولة التفاوض وحل النزاع حلاً تفاوضياً، خطوة مرحب بها من حيث المبدأ.
لكنه أكد أن حرب السودان لا يمكن حلها من دون تعريفها بشكل صريح، وهي حرب في مستوى من مستوياتها عدوان حسب التوصيف الرسمي للحكومة السودانية، التي وصفت الإمارات بالدولة العدو، وبالتالي لا يمكن أن يتم وضع الإمارات داخل رباعية دول وسيطة وهي طرف في الحرب وهذا المأخذ الأول.
وتساءل عن جدية الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الخطوة، وهي التي ظلت طوال عامين لا تتعامل مع حرب السودان بالتفاعل الكافي، وتركت الملف إلى وكلائها الإقليميين في مصر والسعودية والامارات وأحيانا تركيا، مؤكداً أن الولايات المتحدة إذا رمت بثقلها السياسي والأمني والدبلوماسي خلف هذه الخطوة فهي قادرة على إحداث اختراق ووقف الحرب.
وفي وقت لم تعلق الحكومة السودانية على التحركات الأمريكية، لا يزال رئيس الوزراء الجديد كامل إدريس يرتب ملفات حكومته المرتقبة.
ووجّه أمس بإنشاء مجلس للعلاقات الخارجية يضم سفراء وخبراء وأكاديميين متخصصين وممثلين من الجهات ذات الصلة، للمساعدة في اتخاذ القرار.
وشدد خلال لقائه مع وكيل وزارة الخارجية، إدريس إسماعيل، على ضرورة وضع رؤية استراتيجية للعلاقات الخارجية والاستفادة من السفراء والكوادر الدبلوماسية الذين اضطرتهم ظروف الحرب للإقامة خارج البلاد.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي ماجد محمد علي أن المبادرة الأمريكية الجديدة قد لا تحظى بالنجاح الذي تأمله واشنطن، لأنها تعول في الوساطة على دولة الإمارات المتورطة في الحرب بشكل مباشر ولديها أجندة ترغب في تحقيقها؛ وعلى رأسها الإبقاء على الدعم السريع كقوة عسكرية موازية للجيش وخليفة لها داخل مؤسسات الدول السودانية؛ ومنع الجيش السوداني من تفكيكها وبسط سيطرته على كامل أراضي السودان.
وأشار إلى أن التورط الإماراتي في حرب السودان أعاق سابقا جهود وقف الحرب التي قاعدتها دول الجوار المؤثرة، والتي تضررت مصالحها بسبب استمرار الحرب مثل السعودية ومصر؛ والتي لا تتفق مع موقف الإمارات، مما تسبب في فشل مبادرات عديدة في هذا الشأن.
وأضاف: لم يتغير الموقف الإماراتي تجاه السودان وتجاه حكومته، وما زالت تواصل دعم استمرار الحرب وتسليح الميليشيا. وهذا لن يغير من واقع الرفض السوداني القاطع لأي دور للإمارات في شأن إيقاف الحرب.
ومع ذلك توقع علي أن تسعى كل من السعودية ومصر بكل جدية للحوار مع الإمارات في إطار هذه الدعوة الأمريكية، ومحاولة الوصول معها إلى تفاهمات تخترق جدار الأزمة وبصيغ توافقية، مبدياً عدم تفاؤله بتغيير الموقف الإماراتي في ظل عدم وجود ضغوط أمريكية مباشرة على حكومة أبو ظبي.
وسبق أن فشل مؤتمر عقد في العاصمة البريطانية لندن منتصف أبريل/نيسان من هذا العام، بمشاركة فرنسا وألمانيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وعدد الدول العربية، في تشكيل مجموعة اتصال حول الأزمة في السودان في إطار جهود إيقاف الحرب. وشهد المؤتمر بروز تباينات حادة في المواقف بين السعودية ومصر من جانب، والإمارات من جانب آخر، وهو ما أدى في نهاية الأمر غلى عدم صدور بيان ختامي موحد عن المؤتمر.