أخبار عربيةالأخبار

عصابة السلطات المصرية تستولي على شركات تحت ستار الحرب على الإرهاب

توسعت السلطات المصرية في ممارسات التحفظ على الأموال والأصول المملوكة للأفراد والشركات، وفقا لقوائم «الكيانات الإرهابية والإرهابيين» في إطار «الحرب على الإرهاب» حسب تقرير حديث لـ»الجبهة المصرية لحقوق الإنسان».

تهديد واسع

التقرير، الذي حمل عنوان «أموالهم غنيمة لنا. تهديد الشركات والاستثمار المحلي تحت ستار الحرب على الإرهاب» أكد أن استهداف السلطة لرجال الأعمال والشركات، تجاوز كثيراً أعضاء تيار الإسلام السياسي وجماعة «الإخوان المسلمين» وبات يشكل تهديدا واسعا لمجتمع الأعمال والاستثمار المحلي في مصر.
وتعود وقائع التحفظ على الشركات، عندما بدأت السلطة في مصر إجراءات التحفظ على أموال جماعة «الإخوان» في سبتمبر/ أيلول 2013، بعدما أصدرت محكمة اﻷمور المستعجلة حكما بحظر نشاط جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، والتحفظ على ممتلكاتها. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، أصدر رئيس الوزراء آنذاك، حازم الببلاوي، القرار رقم 1141 لسنة 2013 بتشكيل لجنة ﻹدارة أموال جماعة اﻹخوان المسلمين.
وفي فبراير/ شباط 2105، صدر قانون تنظيم قوائم الإرهاب والكيانات الإرهابية ليمنح النيابة العامة سلطة إدراج الأشخاص أو الجماعات على قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية بعد عرض الأمر على محكمة الجنايات وإصدارها قرارًا مسببًا خلال سبعة أيام من تاريخ تقديم الطلب لها، على أن يعهد أمر الأموال المجمدة بعد ذلك إلى لجنة التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، لتقوم اللجنة باختصاصاتها التي تبدأ بحصر تلك الأموال، ثم تطالب محكمة الأمور المستعجلة بالتصرف فيها، بنقل تبعيتها للخزانة العامة للدولة.
وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مارس/ آذار 2020، على تعديلات جديدة على القانون نفسه، تتضمن التوسع في مصادرة وتجميد أصول وأموال وممتلكات المدرجين على قوائم الإرهاب والإرهابيين حتى ولو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي.

الأزمة المالية

وتناول تقرير الجبهة كيف وظفت السلطة هذا الاستهداف لحل سلسلة من أزماتها المالية والاقتصادية وإعادة هندسة وإدارة السوق المصرية، بشكل يناقض الدستور ومبادئ السوق الحر وقوانين العمل وحقوق الإنسان، بما يفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية للبلاد ويجعلها بيئة غير آمنة للاستثمار والاقتصاد الحر.
وحددت الجبهة المصادر التي اعتمدت عليها لرصد ما وصفته بـ«الاستهداف الممنهج» لقطاع الاستثمار والأعمال تحت مظلة اتهامات الإرهاب، في 5 مصادر، بينها أوراق قضايا تخص اتهام 9 من رجال الأعمال والعاملين بالشركات، خلال الفترة بين عامي 2017، و2022، باتهامات «إرهاب» إلى جانب مقابلات شخصية مع ثلاثة من الضحايا الذين تعرضوا لما وصفته بـ«انتهاك لحقوق الملكية» على أيدي قوات الأمن خلال الفترة بين عامي 2021، 2024 على خلفية اتهامات بالإرهاب، ومقابلة أحد المحامين المطلعين على الجوانب العملية لهذا الاستهداف بشكل قانوني وإجرائي، إلى جانب أحكام التحفظ على الأموال والمصادرة الصادرة عن المحاكم المختلفة، والقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب.

5 مظاهر

وحسب التقرير، فإن الاستهداف شمل 5 مظاهر، تمثلت في استهداف كل من كبار رجال الأعمال وشركات صغرى تنافس شركاء قريبين من السلطة في مجالات مختلفة، والمتعاملين مع الشركات وأصحاب الأعمال، و«شركات الأفراد والشركات المساهمة» إضافة إلى الاستيلاء على الأصول والأموال أثناء المداهمات.
وفيما يتعلق باستهداف كبار رجال الأعمال، رصد التقرير تبلور نمط متزايد من استهداف كبار رجال الأعمال والشركات محلية الملكية تحت مظلة اتهامات «الإرهاب» وتمويل «الجماعات الإرهابية» في سبيل الضغط عليهم للتنازل عن ممتلكاتهم أو إجبارهم على الدخول في شراكات مع الشركات المملوكة للدولة أو شراء المتعسر منها بمبالغ ضئيلة لا يقبل بها رجال الأعمال أو التبرع بمبالغ كبرى للصناديق السيادية بشكل مستمر ودوري.
وتضمن التقرير أمثلة على استهداف فئة كبار رجال الأعمال، مثل رجل الأعمال صلاح دياب الذي بدأ استهدافه في 2015 وتكرر مجددا في 2020، الذي انتهى بتنفيذه ما طلب منه، وكذلك رجلي الأعمال محمد الأمين وحسن راتب الذي اتهم بالتنقيب غير القانوني عن الآثار رغم إصراره على قيامه بذلك بمعرفة الجهات الرسمية، وانتهى به الحال للتنازل عن حصص باستثماراته في سيناء، من بينها مصنع أسمنت سيناء لصالح شراكة مع جهات من الأجهزة السيادية.

وتناول حالة رجل الأعمال سيد السويركي الذي اتهم في مخالفات ذات صلة بعدم مراعاة احتياطات الأمن الصناعي في منشآته، ليقضي في السجن بعض الوقت قبل أن يعلن تنازله عن أصول شملت أراضي ومحلات تابعة له.
كما لفت إلى رجل الأعمال أحمد العزبي، مالك مجموعة صيدليات «العزبي» الذي تم توقيفه وتهديده بتحريك قضايا ضده، قبل أن يرضخ لعروض الشراكة مع صندوق مصر السيادي لإنشاء شركة جديدة بين الطرفين، والذي أصبح صندوق مصر السيادي يمتلك 49٪ من أسهمها، مع قيام العزبي بدفع تبرع كبير لإحدى الجهات الحكومية.
وتطرق التقرير لواقعة استهداف رجل الأعمال صفوان ثابت، مالك مجموعة شركات «جهينة» وابنه سيف ثابت، لافتا إلى أن القضية بدأت بالتحفظ على أموال صفوان وعائلته الشخصية. ورغم ذلك، استمرت شراكته مع الدولة وتبرعاته لصناديقها السيادية، إلا أن رفضه دمج أحد مصانعه مع أحد مصانع الدولة المراد إنشاؤها في قطاع الألبان، ورفضه لشراء شركات غذائية مملوكة للدولة تعاني من خسائر مالية بعد طلب من أحد الوزراء، انتهى بالقبض على صفوان وتوجيه اتهامات له بتمويل كيانات إرهابية، والإضرار بالاقتصاد.
وقالت المنظمة الحقوقية إن استهداف رجال الأعمال واتهامهم بأعمال سيئة السمعة مثل «الانضمام إلى جماعات إرهابية وتمويل الكيانات الإرهابية» لم يستند سوى إلى تحريات ومعلومات جهاز الأمن الوطني، يصدر على إثرها قرارات بالتحفظ على أموالهم وأصولهم، إلى جانب وضعهم في قضايا اتهام.

قضية الأمل

التقرير أشار إلى عدد من القضايا التي تدلل على استهداف الأجهزة الأمنية للشركات، منها القضية رقم 930 لسنة 2019 والمعروفة إعلاميا بـ«تحالف الأمل» التي تضمنت التحفظ على 19 شركة، بلغت قيمتها 250 مليون جنيه مصري، والقضية رقم 865 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، وهي القضية التي ضمت عددًا من رجال الأعمال منهم صفوان ثابت، وشقيقه محمد ثابت، ونجله سيف، ورجل الأعمال سيد السويركي مالك مجموعة محلات التوحيد والنور وآخرين، وكذلك القضية رقم 984 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، والتي انتهت لإدراج 58 شخصًا، منهم عدد بارز من رجال الأعمال، وبالتبعية إدراج الشركات التابعة لهم، وهم عبد الرحمن سعودي، وعبد الخالق عبد العزيز قريطم، وحسام محمد تاج الدين، وعمر أحمد فتحي.

القطاع العقاري

يعد القطاع العقاري أحد أبرز القطاعات التي تعرضت للاستهداف خلال السنوات الماضية، حسب التقرير، الذي تناول تعرض بعض الشركات العاملة في مدينة القاهرة الجديدة التي تضم عددا من مدالن السكنية في شرق القاهرة، إلى تعقب أمني وتهديدات مستمرة بالضم على «قوائم الإرهاب» ما انتهى إلى التحفظ على أموال 18 شركة استثمار عقاري سنة 2018.
وقالت الجبهة في تقريرها إنها سجلت عددا من الشهادات لعاملين في هذا القطاع من أصحاب شركات وموظفين ممن تعرضت شركاتهم لمداهمات وتجميد أصول واستيلاء على الأموال، ووضعهم في قضايا بتهم «الإرهاب» وتمويله، وهي الملاحقات والاتهامات التي قام بها قطاع الأمن الوطني.
وتحدثت الشهادات كيف تنقل الأمن من شركة استثمار عقاري إلى أخرى في سبيل جمع المعلومات عن الشركات عن طريق مداهمة المقرات، والقبض على المدراء والعاملين فيها بشكل عشوائي، حتى أصبح هذا النمط ثابتا ومتكررا.
ونقل التقرير شهادات العاملين في الشركات التي تم استهدافها، التي أكدت القبض على الوسطاء العقاريين، باعتبار أن لهم علاقات واسعة وطيدة مع الشركات، وبالتالي فهم يمثلون مصدرًا قيمًا للمعلومات بالنسبة إلى الأمن، وأدت هذه الممارسات في نهاية الأمر إلى تصفية معظم هذه الشركات لأعمالها.
وفيما يخص شركات الأفراد والشركات المساهمة، رصد التقرير، تقاعس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية في البنك المركزي، المعنية بنشر تحديثات قوائم الإدراج للإرهابيين والكيانات الإرهابية والشخصيات الاعتبارية بشكل شهري، عن نشر أسماء مئات الشركات الخاصة والأفراد المساهمة المدرجة على «قوائم الإرهاب» منذ سنوات والمتحفظ على أموالها.
ودلل التقرير على أن الوحدة تحدث أعداد المدرجين على «قائمة الإرهاب» من الأفراد بشكل دوري، حتى أنها خفضت أعدادهم إلى 4408 أشخاص، في شهرآب/ أغسطس 2024، ثم إلى 3691 شخصًا بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وذلك على عكس قائمة «الكيانات الإرهابية» التي ظلت كما هي دون تحديث لتشمل تسعة كيانات، وهي التنظيمات السياسية الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المسلحة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» وقائمة الشخصيات الاعتبارية التي تضم ست شركات فقط، وهي (شركة أسباير برودكاشين هاوس، شركة دلتا التعمير للاستثمار العقاري، شركة مصر نت، شركة أبيتو للبرمجيات، شركة غراند للاستيراد، وجمعية نور الخيرية).
وبين التقرير أن الفجوة بين تضمن هذه القوائم الرسمية لست شركات فقط في مقابل أعداد الشركات التي يصل عددها إلى المئات، والتي تتضمنها التغطيات الإخبارية الرسمية والقانونية القضائية، تؤكد غياب الشفافية والمحاسبية حول هذا الملف.
وشدد التقرير على أن تزايد وضع رجال الأعمال على قوائم الإدراج، وبالتبعية التحفظ على أسهمهم في الشركات المملوكة لهم أو المشاركين في ملكيتها، يوضح هيمنة الأمن في النهاية على مشهد الأعمال والاستثمار المحلي في مصر باختراقه الشركات كافة، وهو ما يعد نذيرًا بالاستيلاء الكامل عليها لاحقًا.

انتهاكات

وبين أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها مجتمع الأعمال، وفق التقرير، ظاهرة الاستيلاء على الأصول والأموال أثناء المداهمات، إذ عن واقع المداهمات الأمنية ووقائعها يحوي الكثير من الشهادات والتوثيقات حول الانتهاكات، التي تمتد إلى حد الاستيلاء على الأموال والممتلكات والأصول المتوفرة في محل المداهمة. وفي حالة رجال الأعمال وأصحاب الشركات، تتضاعف المسألة، حيث إن الاستيلاء على هذه الأموال والموارد عادة ما يكون ضخمًا، وهو ما يمثل في كثير من الأحيان جزءًا معتبرا من رأسمال هذه الفئات وشرطًا أساسيًا لقدرتها على الاستمرار في العمل.
وأجمعت الشهادات، حسب التقرير، على ميل قوات المداهمات للاستيلاء على كافة الأموال والأصول المالية والعينية دون أن تظهر هذه الأموال والأصول لاحقًا أمام جهات التحقيق، ودون أن يُمكنوا منها.
ولفت التقرير إلى تفاقم الوضع في حالة الشركات الصغيرة ذات رؤوس الأموال الصغيرة، والتي خضع بعضها لسلسلة طويلة من الاستنزاف بسبب هذه المداهمات الأمنية والتهديد بوضعها تحت طائلة قوائم الإدراج والتحفظ على الأموال، ما يعني إخراجها من السوق وتصفيتها في النهاية لعدم قدرتها على الصمود ماليا، ولعدم امتلاكها بدائل للتأقلم مع هذا الوضع كما في حالة الشركات الأكبر.
وحاولت الشركات تجنب الوقوع فريسة في مصيدة التحفظ، ورصد التقرير ردود أفعال وطرق الشركات في التأقلم التي تنوعت بين بيع رجال الأعمال الكبار حصص شركاتهم لشركات أجنبية أو مؤسسات في الخارج، مع الاكتفاء بالمشاركة في الحصة في الشركة الموجودة في مصر.
وكانت شركة النساجون الشرقيون هي المثال الأبرز على هذه الخطوة خشية من وقوعها تحت طائلة الأمن، فيما لجأ أصحاب الشركات المتوسطة والأقل حجما إلى تقليل حجم نشاطها التجاري، وصولا لتصفية الأعمال وإغلاق الشركات وتسريح العاملين، مع تكرار المداهمات والتهديدات الأمنية، ومصادرة عدد من الأصول بالفعل، بعد فشل محاولات التأقلم. وانتهى ذلك بالبعض للعزم على استئناف العمل في الخارج، في حالة ممن حظوا على إفراج وإخلاء سبيل أو براءة.

توصيات

وتضمن التقرير عدة توصيات بينها، إلغاء كافة القوانين الاستثنائية التي أصدرتها السلطات بعد عام 2013، التي توسعت السلطة في تطبيقها على الأفراد والشركات دون دليل بسبب نصوصها الواسعة في مدلولها ومعانيها، خاصة القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن قوائم الكيانات الإرهابية، والقانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، والقانون رقم 22 لسنة 2018 بشأن التحفظ والمصادرة.
ودعا التقرير شركاء مصر الدوليين والمانحين الاقتصاديين، لتوجيه صناع القرار في مصر لتصحيح الأخطاء في هذا الملف، وإبقاء الأجهزة الأمنية بعيدا عن الملف الاقتصادي وتتبع الشركات المحلية لضمان وجود بيئة استثمار آمنة وصالحة للعمل، ودعوة هذه الأطراف الدولية للسلطات المصرية لتعديل قوانين مكافحة الإرهاب، على الأقل في الشق الاقتصادي والمالي، لتنقيتها من ممارسات الاستيلاء والحراسة والضم للخزانة العامة للدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى