أخبار عالميةالأخبار

هل تنهي ثورة الفلاحين عقد فرنسا مع الاتحاد الأوروبي؟

قد يبدو المشهد العام في فرنسا اليوم أكثر هدوءًا بعد انسحاب جرارات المزارعين من الطرق السريعة الرئيسية في البلاد، إلا أن غضبهم لا يزال على جمر خافت قد يشتعل في أي لحظة.

فمنذ بداية ثورة الفلاحين، لا يزال عدد من النشطاء والسياسيين يتداولون على مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا وسم “فريكست” على نطاق واسع، في إشارة للمطالبة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، معتبرين أن خروج بلدهم من الاتحاد سيكون الحل الأفضل وربما الوحيد لمصلحة اقتصادهم سواء في مجال الزراعة أو غيره.

وشوهد هذا الشعار على جرارات بعض المزارعين الغاضبين، مصحوبا بعبارات مثل “أوروبا تدمر الزراعة الفرنسية” و”الاتحاد الأوروبي يقتلنا”، في وقت انتشرت فيه مقاطع فيديو توثق إحراق علم الاتحاد الأوروبي.

الخروج من العباءة الأوروبية

يرى المطالبون بانسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي وسيلة لإنقاذ البلاد من الأزمات، التي تسهم في البطالة وزيادة الفقر على حساب العمال ولصالح ارتفاع ثروات الآخرين.

ويعتبر حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري “يو بي آر” من بين أهم الجهات التي تدعم هذه الخطوة لإخراج فرنسا بشكل قانوني من منطقة اليورو ومن حلف شمال الأطسلي (ناتو).

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح ممثل الحزب باتريس كالي أن “الحديث عن فريكست بدأ منذ 17 عاما مع رئيس الحزب فرانسوا أسيلينو، الذي قدم نفسه للانتخابات الرئاسية في عام 2017 والانتخابات الأوروبية في عام 2019″.

ووصف كالي بقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي بـ”الغرق” و”نوع من السقوط إلى الأمام الذي يقوده كل الداعمين للعقيدة الأوروبية، التي تم بناؤها منذ نحو 50 عاما مع معاهدة روما”، منتقدا في الوقت ذاته مساهمة بلده الكبيرة في الميزانية الأوروبية مقارنة بما تتلقاه سنويا من مساعدات تقدر بنحو 10 مليارات يورو.

وفي عام 2023، بلغت المساهمة الفرنسية في ميزانية الاتحاد الأوروبي 27.2 مليار يورو، مما يمثل 18.5% من نسبة مساهمة الدول الأعضاء، وبالتالي تعد فرنسا ثاني أكبر مساهم بعد ألمانيا (23.6%) وقبل إيطاليا (12.8%) .

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال خلال خطابه بشأن السياسة العامة أواخر الشهر الماضي أن “الذين يدعون إلى إنهاء تطبيق المعاهدات هم أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي من شأنه أن يضعف فرنسا”، مؤكدا أن “تقلص أوروبا يعني قوة أقل لفرنسا، ولدينا البريكست كمثال على ذلك”.

“بريكست” فرنسي

يجد الخبير في الاقتصاد الزراعي تييري فوش أن المقارنة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وخروج فرنسا (فريكست) غير منطقية، لأن المملكة المتحدة كانت دولة عضوة بقطاع زراعي ضعيف وبعدد أقل بكثير من المزارعين، كما كانت تواجه عجزا تجاريا في المنتجات الزراعية والغذائية بقيمة تتراوح بين 25 و30 مليار يورو سنويا.

في المقابل، “تُعد فرنسا القوة الزراعية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، وتأتيها منه نحو 10 مليارات يورو من المساعدات في إطار السياسة الزراعية المشتركة”، على حد قول فوش.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن “تطبيق النموذج البريطاني على فرنسا سيكون بمثابة كارثة حقيقية ستضر بمصالح البلاد، والأفضل في هذه الحالة هو توجيه سياسة الاتحاد الأوروبي في قطاع الزراعة بما يتناسب مع الدول الأعضاء”.

ويشاركه زميله جون ماري سيروني الرأي، ويشرح ذلك في حديثه للجزيرة نت بالقول “تاريخيا، بريطانيا العظمى كانت في القرن التاسع عشر أول دولة أوروبية تختار الصناعة، شرط اعتمادها على دول الكومنولث لضمان غذائها”.

ولفت إلى أن إجراء مقارنة بين البلدين لن يكون مجديا، “ففرنسا اليوم لا تستورد الكثير من مستعمراتها السابقة، بينما لا تزال المملكة المتحدة تحافظ على روابط اقتصادية قوية مع مستعمراتها السابقة في مجال استيراد المواد الغذائية مثل نيوزيلندا وأستراليا وكندا، ويكفي القول إن رأس الملكة إليزابيث يوجد حتى اليوم على الأوراق النقدية الكندية”.

في المقابل، ينتقد الممثل عن الحزب المؤيد “للفريكست” كالي ما سبق لأن “الهدف هو منع الناس وتخويفهم من فكرة أن خروج فرنسا من الاتحاد هو الحل لمشاكلهم”.

ويوضح “على سبيل المثال، انخفض معدل البطالة في بريطانيا إلى أقل من 4% في حين بلغ 7.4% في فرنسا، وزادت الرواتب البريطانية العام الماضي بنسبة 7.3% بينما لم تتجاوز 4.6% في فرنسا، كما تراجع التضخم في المملكة المتحدة إلى 3.9% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في وقت وصل فيه معدل التضخم السنوي لدينا 4.9%”.

خطوة انتحارية

ومع وجود نحو 400 ألف مزرعة في فرنسا، لا يعتقد سيروني أن المزارعين سيفضلون الانتحار خارج أوروبا والتخلي عن مساعدات تبلغ 23 ألف يورو سنويا لكل مزارع وسوق أوروبي مهم.

وتابع سيروني أن “فكرة مغادرة أوروبا لا تتناسب مع اقتصاد الزراعة الفرنسية، حتى لو اشتكينا من المعايير والقيود فنحن الفرنسيين نشتهر بشكوانا الدائمة من كل شيء”.

وبما أن فرنسا هي الدولة الأكثر استفادة من السياسة الأوروبية المشتركة، يرى الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران أن “خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي سيجعل المزارعين أول الخاسرين، وستكون خطوة انتحارية بالنسبة لهم”، معتبرا في حديثه للجزيرة نت أن هذه الدعوات “ستبقى هامشية فقط، سواء في المظاهرات أو على منصات التواصل، ولن تدخل حيز التنفيذ بشكل جدي”.

من جانبه، أكد الخبير فوش أن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي “خطير ولا يحدث بسهولة”، إذ لا يمكن أن يتم إلا بإجراء استفتاء وطني وطرح السؤال على الشعب الفرنسي.

ويعتقد الخبير في الاقتصاد الزراعي أنه على الرغم من تسليط بعض السياسيين الضوء على الفريكست من حين إلى آخر، “فلا يمكن أخذه على محمل الجد لأنه سيكون لدينا الكثير لنخسره، وسيتعين علينا إعادة تنظيم الاقتصاد بالكامل”.

لكن ممثل حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري باتريس كالي يقرأ المشهد بشكل مختلف تماما، لأن هذه السياسة تهدف في نظره إلى “التعويض” عن الانخفاض في الرواتب الناتج عن التجارة الحرة التي تفرضها الدول الأعضاء وغياب الضرائب الحدودية.

وبما أن وعود الحكومة الفرنسية لتحسين الأوضاع “لا تزال حبرا على ورق، ولم تنفذ بعد على أرض الواقع” كما يصفها المزارعون، فمن المتوقع أن تتوجه الأنظار إلى ما سيحدث خلال المعرض الزراعي في باريس في غضون أسبوعين تقريبا.

وقد حذر أرنو روسو رئيس أول نقابة زراعية، في تصريحات صحفية، السلطة التنفيذية من استئناف المزارعين الغاضبين مظاهراتهم، إذا لم يتم بذل جهود ملموسة قبل افتتاح هذا الاجتماع السنوي الذي يحضره عدد من السياسيين، ومن بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

زر الذهاب إلى الأعلى