أخبار عالميةالأخبار

رجعوا التلامذة يا عم سام.. هل حررت غزة الكاوبوي من قبضة إسرائيل؟

“يا أهل غزة، لقد انتصرتم، يا من تعيشون داخل معسكر اعتقال، لقد أحدثتم ثورة داخل الولايات المتحدة”، بهذه الكلمات صدح المواطن الأميركي مايك باردويل على حسابه بمنصة تيك توك، معبرا عن سخطه من دعم إدارة بلاده لاستمرار المجازر في غزة.

 

مايك، الذي لا يكاد يبث مقطع فيديو على صفحته إلا وقبعة راعي البقر “الكاوبوي” تعلو رأسه يتوسطها رمز الثور الأميركي الشهير- حرص على أن يخاطب أهل غزة كما لم يخاطبها أميركي في السابق قائلا: أميركا لن تعود أبدا كما كانت من قبل، أعدكم بذلك، أعدكم بذلك، لقد غيرتم أميركا، أستطيع أن أرى ذلك.

 

وما يلبث مايك أن يشرح بأن نجاح “ثورة غزة” يتجلى في أنها بدأت تكشف للأميركيين حقائق لطالما أخفيت عنهم، حيث ظل الإعلام الأميركي والغربي يظهر الفلسطينيين في صورة الوحوش التي تهاجم “الإسرائيليين الطيبين”، وهي صورة ترسخت لعقود طويلة، وصنعت رأيا عاما يسير باتجاه واحد.

 

وتغيير ما ترسخ لعقود من أفكار وسياسيات -يؤكد مايك- أنه تطلب ثمنا باهظا من دماء أهل غزة، لكنها لن تذهب هدرا “لقد غيرتم العالم، ودفعتم ثمنا باهظا لأجل ذلك، العالم يدين لكم بذلك، الأميركيون يدينون لكم بذلك، لقد حررتم الولايات المتحدة، إننا نستطيع أن نرى الآن”.

 

إسرائيل وأميركا خسرتا الحرب

وضع يشرحه الكهل الأميركي صاحب حساب “كوين ذي إسكيمو” على تيك توك قائلا “لقد خسرت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية هذه الحرب فعلا”، ويوضح بأنه هو شخصيا كان يؤمن قبل اندلاع الحرب على غزة بأن “إسرائيل هي الكائن الطيب” المحاط بـ”مجموعة من الإرهابيين في الضفة وغزة الذين يريدون القضاء على اليهود”، لكن كل شيء تغير الآن “فنحن نتعلم الشيء الكثير من خلال ما يجري”.

 

ويتابع بأن المتحكمين في الإعلام سيطروا على عقول الأميركيين لفترة طويلة، والآن كل شيء تغير مع ثورة التواصل الاجتماعي “لقد أصبح بإمكاننا أن نرى حقائق مغايرة، ونذهب ونبحث ونكوّن رأينا الخاص، ونحاسب ونتابع الآخرين”.

 

وسخر كوين من أن الشيء الوحيد الذي يجمع عليه الديمقراطيون والجمهوريون والإعلام في أميركا هو دعم إسرائيل، حيث لا يختلف أحد منهم بشأن ضرورة دعمها بكل ما تريده.

 

إجماع تعرف النائبة الأميركية الوحيدة من أصل فلسطيني رشيدة طليب خطورة الخروج عليه، حيث صوت مجلس النواب الأميركي -جمهوريون ومعهم 22 ديمقراطيا- مؤخرا لصالح “توجيه اللوم” لها بسبب تعليقات أدلت بها عن حرب إسرائيل على غزة التي أدت حتى الآن إلى سقوط آلاف الشهداء، جلهم من الأطفال والنساء، إلى جانب آلاف الجرحى ومبتوري الأطراف والمفقودين.

 

“لكن الآن الوضع سيتغير- يضيف كوين ذي إيسكيمو- لأن الرجال البيض في أميركا سيتحدثون عن الفلسطينيين”، وسيتخذون ما يلزم لتحقيق العدالة، ويتابع: “ربما يقول قائل إنني مجرد شخص لكن أؤكد لكم أن هناك كثيرين غيري يتبنون الآن نفس الموقف”.

 

من ضمن هؤلاء الشابة الأميركية أماندا أيزنهاور (24) التي أتت من فرجينيا لتشارك مظاهرة كبرى في واشنطن ضد الحرب على غزة، والتي نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية قولها إن “السماح بإزهاق هذا العدد الكبير من الأرواح البريئة أمر مرفوض، ولا نستطيع اعتبار ذلك نزاعا متكافئا، مضيفة “إنها وصمة تصيب تاريخنا ولا يمكنني القبول كمواطنة أن تمول الضرائب التي أدفعها هذا الأمر”.

 

وشارك عشرات الآلاف في مظاهرة حاشدة بواشنطن في الخامس من الشهر الجاري مطالبين بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ومنددين بالسياسات الداعمة لإسرائيل وبدور الرئيس جو بايدن الذي وصفه متظاهرون بأنه “شريك في الإبادة”.

 

نذُر عاصفة

 

كما بدأ سياسيون أميركيون ينتقدون إسرائيل، وأحدهم جيم موران الذي قال إنه من غير المقبول استخدام حق الدفاع عن النفس كذريعة لقتل آلاف الفلسطينيين جلهم أطفال فقط لأنهم فلسطينيون، بينما بايدن يطالب الكونغرس بمزيد من الدعم لإسرائيل.

 

وحذرت مجلة فورين بوليسي مؤخرا من أن نُذر عاصفة قادمة تتجمع في سماء وزارة الخارجية الأميركية، حيث أبدى العديد من الدبلوماسيين غضبهم وصدمتهم ويأسهم مما اعتبروه “شيكا على بياض” منحته الولايات المتحدة لإسرائيل لكي تشن عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة بتكلفة إنسانية باهظة يدفعها المدنيون الفلسطينيون في القطاع المحاصر.

 

كما انتقدت لارا فريدمان -رئيسة مؤسسة “سلام الشرق الأوسط” التي تقول إنها تعمل على ضمان مستقبل عادل وآمن وسلمي للفلسطينيين والإسرائيليين- تقديم بايدن “شيكا على بياض” لإسرائيل لتفعل ما تريد بقطاع غزة وسكانه، دون اكتراث لأي أبعاد قانونية أو أخلاقية أو إنسانية.

 

وما لبث الأميركيون أن قرؤوا بصحيفة بوليتيكو أن نادي إيغلز في فيلادلفيا واتحاد كرة القدم الأميركي طردا جورج نوركروس رجل الأعمال الأميركي في ولاية نيوجيرسي المعروف بتأييده الشديد لإسرائيل من مباراة في دوري كرة القدم من مقصورته الخاصة في الملعب -خلال مباراة بين إيغلز ودالاس كاوبويز قبل أيام- بعد أن رفع لافتة تجمع بين العلمين الأميركي والإسرائيلي.

 

رجعوا التلامذة يا “عم سام”

 

وإذا كان الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم قد تغنيا في سبعينات القرن الماضي مع “عم حمزة” بعودة التلامذة “للجد تاني” في مصر إثر مظاهرات الطلبة ضد نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فإن الكثير من طلبة جامعات أميركا عادوا ليقضوا مضجع مؤيدي إسرائيل في بلاد “عم سام” بوقفات مثيرة تدين قتل الأطفال والنساء في غزة بدعم رسمي أميركي كامل.

 

في هذا السياق، صنعت 33 مجموعة طلابية من جامعة هارفارد -التي توصف بأنها محضن للنخب في أميركا- الحدث قبل أيام عندما أصدرت بيانا مشتركا للتضامن مع فلسطين، حمّل “النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف الجارية” بسبب ما فعله خلال السنوات الماضية.

 

موقف جر عليهم انتقادات لاذعة من طرف اللوبيات المؤيدة لإسرائيل برغم مسارعة رئاسة الجامعة للتأكيد بأن البيان لا يعبر عن المؤسسة التعليمية ككل أو قيادتها.

 

ترهيب وتهديدات

 

ولم يتوقف الأمر عند الانتقادات، بل وصل لدرجة الترهيب، حيث توعد متعصبون لإسرائيل بوضع لوحات إعلانية افتراضية تحمل أسماء ووجوه الطلاب وصورهم تحت لافتة كتب عليها “معادون للسامية في جامعة هارفارد”، ووضعها على شاحنة تحركت في منطقة الحرم الجامعي بهدف فضح هؤلاء الطلاب وترهيبهم وترهيب مناصريهم.

 

كما طالب رجال أعمال بنشر أسماء الطلاب الموقعين على البلاغ حتى يعرفوهم فلا يوظفوهم في المستقبل.

 

وسحب ممولون منخرطون في الحركة الصهيونية لتمويلاتهم للجامعة، موضحين بأن السبب عدم مسارعة إدارة الجامعة للتعبير عن موقفها بوضوح دعما لإسرائيل، وتحجيم دور المؤيدين للحقوق الفلسطينية.

 

وأنهت منظمة ويكسنر -التي تعمل على تحضير “قادة المجتمع اليهودي الأميركي ودولة إسرائيل”- شراكتها مع كلية كينيدي في جامعة هارفارد.

 

وفي بنسلفانيا، طالب مارك روان الرئيس التنفيذي لصندوق “أبولو غلوبل ماناجمنت” الاستثماري وأحد المتبرعين الرئيسيين لجامعتها، باستقالة رئيستها إليزابيث ماغيل، بعد استضافة الجامعة منتدى للأدب الفلسطيني.

 

فيما حذَّر ستيفن دافيدوف سولومون، أستاذ القانون التجاريّ في كلية الحقوق بجامعة بيركلي المرموقة بولاية كاليفورنيا، الشركات وأرباب العمل من توظيف طلابه، متهما بعضهم بأنهم معادون للسامية.

 

وما زاد من سخط المتعصبين لإسرائيل، تنظيم فعالية “يوم المقاومة” من طرف منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في أكثر من 12 جامعة، بما في ذلك جامعة فرجينيا وجامعة أريزونا وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

 

إلا إسرائيل

 

ويقول كثيرون إنه طالما تعلق الأمر بإسرائيل، فلا أهمية “لحرية التعبير” بالنسبة للأميركيين الذين يفترض أن التعديل الأول من الدستور الأميركي يضمنها لهم.

 

الشابة صاحبة حساب “إتس زد تي إل” على تيك توك والتي تتابع دراسة الدكتوراه بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا الأشهر عالميا استغربت قمع حق طلاب جامعيين في التعبير عن رأيهم، وزادت بأن الوضع لا يكاد يختلف في المعهد عن الجامعات الأميركية، حيث إنه لا يوجد من يعبر عن تأييده للفلسطينيين علنا.

 

وقالت مستغربة إن وجهة النظر السائدة هي التي تؤيد إسرائيل والجميع يطالب بإدانة حركة حماس، لكن ماذا عن إدانة إسرائيل ومنع الماء والغذاء عن المدنيين وتهجيرهم؟.

 

وفي جامعة كولومبيا الأميركية، وقبل نحو أسبوع، قاطع نحو 30 طالبا ندوة المرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون احتجاجا على فضح الجامعة للطلاب الذين أعلنوا رفضهم للمجازر بغزة، بعد إظهار صورهم على شاشات فيديو بشاحنات شوهدت بالقرب من الحي الجامعي ومعها عبارة هؤلاء أبرز معادي السامية في جامعة كولومبيا.

 

ستدفعون ضرائبكم

 

صاحب حساب “ديت رايت ستاف”، ظهر في مقطع فيديو قصير- مخالفا ما درج على نشره على حسابه من مواضيع محلية خفيفة بتيك توك- يخاطب المواطن الأميركي ساخرا لا تنس دفع ضرائبك هذا العام، إسرائيل وأوكرانيا يعتمدان عليها.

 

وظهر في مقطع آخر يقول إن الطلاب الأميركيين يعتقدون أنهم سيحصلون على الإعفاء من قروض الدراسة الجامعية الخاص بهم (كان بايدن قد وعدهم به)، لكن يبدو أن ما سيحصلون عليه هو التجنيد للمشاركة في حرب عالمية ثالثة، وختم المقطع بالقول: كونوا حذرين خلال اختياركم لمن ستصوتون له.

 

التصويت والضرائب إذن هي كلمة السر في التغيير الذي يتحدث عنه الأميركيون الغاضبون من الحرب على غزة، ومن استمرار الدعم الرسمي الأميركي اللامحدود لإسرائيل.

 

وبحسب بيانات “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” فإن حجم ذلك الدعم في الفترة ما بين 1946 و2023 وصل إلى نحو 260 مليار دولار.

 

وضعٌ جعَل الكهل الأميركي الساخط “كوين ذي إسكيمو” يصرح: نحن نعطيهم المليارات من ضرائبنا لتمويل قنابلهم وأسلحتهم”، لكنه توعدهم قائلا “ستجف منابع تلك الملايير الأميركية المتجهة لإسرائيل، لن نصوت لمن يدعمهم.

 

وأفادت مجلة نيوزويك بأن بايدن يواجه ثورة شبابية تدين بشدة دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة، حيث بعثت مجموعات عديدة من الناخبين الشباب برسالة إليه تحذره من أن النهج المستمر الذي تتبعه إدارته تجاه الحرب في الشرق الأوسط قد يحكم على فرص إعادة انتخابه بالفشل.

 

وكشف تقرير أميركي عن تحول في رؤية الأجيال الصاعدة في الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في هذا التحول، حيث غيرت الطريقة التي ينظر بها الجميع للأحداث وكيف يتلقون الأخبار.

 

ووفقا لاستطلاع مركز بيو للأبحاث الذي أجري في مارس/آذار الماضي، فإن 61% من الشباب الأميركيين تحت 30 عاما يمتلكون نظرة إيجابية نحو الشعب الفلسطيني، وتنتشر هذه النسبة بشكل أكبر بين الديمقراطيين.

 

لقد تحررنا.. سنحاسبهم

 

ويعبر كوين ذي إسكيمو عن هذه التحولات بوضوح قائلا “سنحاسبهم، لن أصوت لأي سياسي يؤيد استمرار هذا الدعم المادي لإسرائيل”، ويشدد على أنه لن يكتفي بذلك، بل سيعمل على توعية الناس بتفاصيل ما يجري في فلسطين حقيقة، وليس ما يريد الإعلام أن يروج له.

 

وزاد: إسرائيل مجبرة إما على الانخراط في السلام أو الاندثار، لأن كل ما يبقيها على الحياة هي أموال الدعم الأميركي.

 

بينما يواصل مايك، صاحب قبعة الكاوبوي، مخاطبا أهلا غزة يا أهل غزة، لقد أحدثتم ثورة حقيقية، السياسيون خائفون، أتلقى رسائل من حملة بايدن لأجل البقاء معهم، وأؤكد لكم أنني سأصوت لصالح نعلي قبل أن أصوت لبايدن أو ترامب.

 

ويشارك مايك إحساسه بالحرية قائلا “أشعر بأنني تحررت، لم أكن أستطيع أن أرى من قبل، الآن أرى كل شيء”، ويبدو أن عدد الأميركيين الذين يشعرون بـ”نسمات هذا التحرر” يزداد أكثر فأكثر مع استمرار نزيف دماء غزة التي يقولون إنها تغير خريطة الولايات المتحدة والعالم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى