أخبار عربيةالأخبارالعراق

العراق يتصدر دول العالم في عدد المختفين قسّراً

وثّق المرصد العراقي لحقوق الإنسان، نحو 12 ألف بلاغ تقدّمت بها عائلات عراقية تطلب معرفة مصير أبنائها المختفين قسّراً منذ عام 2017 وحتى العام الحالي، وفيما كشف عن تصدّر العراق دول العالم بأعداد المفقودين والمُغيّبين، أشار إلى «أسباب سياسية» تقف خلف عدم كشف نتائج لجان تحقيقية حكومية تشكّلت بُغية الكشف عن مصيرهم.

وقال، في تقرير أصدره أمس الأربعاء، إن المختفين قسراً والمفقودين في العراق، باتوا في طي النسيان وصاروا مجرد أرقام تُذكر في وسائل الإعلام وفي المناسبات فقط، من دون تحركات لمعرفة مصيرهم.

وأشار إلى أن جهود الحكومات العراقية غير واضحة بشأن هذا الملف، وربما لم تكن هناك جهود في الأساس، خاصة مع اتساع رقعة اليأس لدى عوائل المختفين قسراً والمفقودين، وهذا بحد ذاته يعطي مؤشرات سلبية على ضياع الأمل وفقدان مصيرهم.

وقابل المرصد نساءً في محافظتي نينوى والأنبار، وأكدن جميعهن، عدم وجود معلومات أو مساع بشأن من اختفى قسراً أو فقد منها» مضيفاً: «بات اليأس يُسيطر على الكثير من العوائل مع اقتراب مرور عقد على اختفاء ذويهم خلال عمليات تحرير المدن من تنظيم الدولة الإسلامية.

وزار المرصد أم مثنى، وهي امرأة في عقدها السادس وتسكن في ناحية الصقلاوية في محافظة الأنبار، وهي الناحية التي تشير المعلومات أنها شهدت اختفاء وفقدان أكثر من 600 شخص عام 2016، لكن عوائل فيه أشارت إلى أن الرقم يتجاوز الـ700 شخص.

 

لم يعودوا

 

وقالت أم مثنى: في 3 حزيران/ يونيو 2016 خرجنا من ناحية الصقلاوية في اتجاه الجيش العراقي، وحينها بدأ القصف والصواريخ تسقط من حولنا. استقبلنا الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، وأشخاص يرتدون عمائم خضراء.

وأضافت: أخذوا الرجال وقالوا سنعيدهم لكم خلال ساعة واحدة بعد أن ننتهي من تدقيق أسمائهم، لكنهم بعد مرور ثماني سنوات لم يعودوا. هناك سجناء خرجوا من السجون قالوا لنا إنهم رأوا أولادنا في سجون سرية.

وتتذكر كيف استقبلتها القوات الأمنية العراقية عندما خرجت مع ولديها من الصقلاوية، وكيف رحبوا بها: قالوا جئنا لتحريركم. أخذوا ولدي مثنى وأحمد، لا أعرف مصيرهما حتى الآن. أين الحكومة؟.

وقالت: علقنا في منازلنا تحت سطوة داعش، والآن نحن عالقون بين السماء والأرض. لا نعرف مصير أولادنا. قالوا (في إشارة للقوات الأمنية العراقية) سندقق في أسمائهم وأخذوهم منا. هل من المعقول أن 750 رجلاً جميعهم ينتمون لتنظيم الدولة.

وفي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى قابل المرصد أم أحمد، وهي امرأة في عقدها السابع، وتحدثت عن فقدان ولدها منذ عام 2017 دون أن تعرف أي شيء عنه حتى الآن.

وقالت: بتاريخ 13 كانون الثاني/ يناير 2017، اعتقلت القوات الأمنية العراقية ابني أحمد هاشم سلطان في منطقة وادي حجر عندما بدأت عمليات تحرير الموصل من داعش، ومنذ ذلك اليوم لم نعرف أي شيء عنه.

وأضافت: نسمع بعض الأخبار عنه بين فترة وأخرى تشير إلى أنه ما زال على قيد الحياة. لدينا اعتقاد أنه ما زال على قيد الحياة، ونطالب الحكومة في إعادته إلينا. تحملنا الكثير ونريد أولادنا.

ووفق مصطفى سعدون، رئيس «المرصد العراقي لحقوق الإنسان» لا يمكن أن يتحول ملف المختفين والمفقودين إلى مجرد رقم ومناسبة نستذكرها ومن ثم تُنسى.

وزاد: لم تتخذ كل الحكومات العراقية إجراءات فاعلة وحقيقية لمعرفة مصير المختفين والمفقودين، بل اعتمدت على تشكيل لجان لم تصل إلى الحقائق.

 

وأضاف: هناك لجان توصلت إلى بعض الحقائق، لكن النتائج لم تُعلن لأسباب سياسية. عوائل المختفين والمفقودين بدأوا يفقدون الأمل، وهذا الشعور يعزز آلامهم وجراحهم. لا يُمكن لهؤلاء الناس أن يفقدوا الأمل، ويجب أن يعرفوا مصير من فقدوا.

وفي عام 2010 صادق العراق على اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، ومن المفترض أن يلتزم بتشريع قانون تتطابق مواده مع هذه الاتفاقية، لكن مجلس النواب في أربع دورات متتالية منذ تاريخ التصديق على الاتفاقية، لم ينجح بتشريع أي قانون يتعلق بالاختفاء القسري.

ومنذ سنوات طرحت مسودة للقانون لكنها لم تر النور، ولم تدخل عملية التشريع في مجلس النواب.

وقابل «المرصد» أيضاً أم عدي، وهي امرأة في عقدها السابع، وتتحدث بألم عن فقدانها تسعة من أولادها، وسُميت في ناحية الصقلاوية في محافظة الأنبار بـ«أم التسعة» في إشارة إلى فقدانها أولادها.

وقالت: خلال عمليات تحرير ناحية الصقلاوية في (2 حزيران/ يونيو 20216) وتحديداً في الساعة الثامنة ليلاً، تقدمنا على القوات الأمنية العراقية عندما هربنا من منازلنا. عندما وصلنا إليها (القوات الأمنية) بدأ عناصر الأمن بعزل الرجال عن النساء.

وأضافت: سألتهم عن سبب عزل الرجال عن النساء، فقالوا سندقق أسمائهم أمنياً ومن ثم نعيدهم لكم، لكن حتى الآن لم يعودوا. فقدت تسعة من أولادي وهم: (عدي مواليد 1981 ـ لؤي 1983 ـ عبد الستار 1985 ـ بشار 1987 ـ جاسم 1991 ـ محمد 1993 ـ بلال 1994 ـ ميسم 1996 ـ أحمد 1998.

وتتحدث بألم وهي بانتظار عودتهم: سبعة منهم متزوجون ولديهم أطفال. أنا وزوجاتهم ننتظرهم ولم نقطع الأمل بالله تعالى. اختفى في ذات اليوم 750 رجلاً في منطقة (ألبو عكاش) في ناحية الصقلاوية ولا أحد يعرف عنهم شيئاً حتى اللحظة.

وبحسرة كبيرة قالت: ننتظر عودتهم، ولا نريد شيئاً من أحد غير أن يعود لنا أولادنا. ما ذنب أطفالهم ونساؤهم، وما ذنبي أن أفقد أولادي التسعة.

ودعا المرصد في تقريره، مجلس النواب الاتحادي إلى أن يعي أهمية وجود قانون يتعلق بالاختفاء القسري، يتضمن العمل الممنهج والواضح لكشف مصير آلاف المختفين والمفقودين، وإنشاء هيئة مستقلة تعنى بمتابعة الملف، شرط مشاركة منظمات حقوق الإنسان المحلية والصليب الأحمر والأمم المتحدة، لتحقيق أكبر قدر من الشفافية وإعلان النتائج للرأي العام.

ووفقاً له، فإن نحو 12 ألف عائلة عراقية أبلغت عن مفقودين بين عامي 2017 ـ 2023، ولا يعني هذا الرقم أن أعداد المفقودين والمختفين تنحسر به فحسب، بل هناك المئات من العائلات التي تخشى التحرك قانونياً للمطالبة بمعرفة مصير أولادها. يشكل هذا الخوف لدى هذه العائلات نقطة التحول من الأمل إلى فقدانه حتى بمعرفة المصير.

وأشار إلى أن لا يُمكن أن يُنسى المختفون والمفقودون، أو يُطوى ملفهم، ولا يُمكن أن يستمر تجاهل السلطات العراقية لهذا الملف الحساس مبيناً إن المسؤولية كبيرة على عاتق مؤسسات الدولة، وهي مُلزمة بكشف مصير هؤلاء الأشخاص مهما كانت النتائج، وألا تُفضل الحسابات السياسية على حالة حقوق الإنسان في البلاد.

وفي السياق نفسه، شددت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، على ضرورة الإسراع بتشريع قانون الاختفاء القسري.

وقالت في بيان أصدرته أمس، تزامناً مع اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري: «نقف جميعا متأثرين بالجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان والمحظورة بموجب القانون الدولي» موضحة أن تعريف الاختفاء القسري يعني هو كل من ضحايا الأفراد الذين يتم القبض عليهم واختطافهم واحتجازهم في أماكن وظروف سيئة من قبل أشخاص مسؤولين في الحكومة أو جهات وتنظيمات معينة متطرفة مثل تنظيمات داعش الارهابية وغيرها، ولا تتم معرفة مصيرهم ويجهل ذويهم ومن يمثلهم قانونيا مصيرهم الحقيقي.

 

لا معلومات عنهم

 

وأشار البيان إلى أنه «لا يزال هناك الكثير من ضحايا المفقودين والمغيبين منذ زمن النظام البائد ومنذ عام 2004 ولحد وقتنا الحالي لم يعرف مصيرهم ولا توجد معلومات عنهم» مؤكداً أن ملف الاختفاء القسري هو ملف متعلق بحقوق الإنسان والعراق موقع على قانون انضمام جمهورية العراق الى الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري رقم 17 لسنة 2009.

ودعت الحكومة إلى إرسال مشروع القانون بأسرع وقت ممكن لغرض التصويت عليه، بالإضافة إلى العمل مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لإعداد قاعدة بيانات رسمية مسجلة للمختفين قسريا، والتعاون مع اللجنة الدولية للاختفاء القسري وفق ما نصت عليه الاتفاقية التي وقع عليها العراق للحد من حالات الاختفاء القسري وجبر الضرر المعنوي والمادي لذوي الضحايا الذين عانوا من فقدان مصير ذويهم وعوائلهم والالتفات اليهم من خلال انصافهم بتشريع القانون بأسرع وقت.

 

رأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، الأربعاء، أن مصير مئات الآلاف في البلاد لايزال مجهولاً، مشيرة إلى أن ذوي عدد لا يحصى من العائلات في العراق يبحث عن أقربائهم المفقودين وينتظرون الحصول على إجابات بالرغم من مضي سنوات عديدة وفي بعض الأحيان عقود.

وذكرت في بيان صحافي، إنه لا تزال العائلات في العراق تبحث عن إجابات بالرغم من مضي سنوات وعقود على اختفاء أحبائها. وبينما نحتفي باليوم العالمي للمفقودين، تحث اللجنة الدولية للصليب الأحمر جميع الأطراف المعنية على تعزيز جهودها الرامية للتخفيف من معاناة العائلات، لأن الوقت لا يشفي الجروح ويمكن للإجابات فقط أن تساهم في مواساة العائلات.

وأشار البيان إلى إنه في الوقت الذي يحتفي فيه العالم باليوم العالمي للمفقودين، لا يزال عدد لا يحصى من العائلات في العراق يبحث عن أقربائهم المفقودين وينتظر الحصول على إجابات بالرغم من مضي سنوات عديدة وفي بعض الأحيان عقود، إذ إن هذه العائلات لا تعلم فيما اذا كان أحباؤها المفقودين لا يزالون على قيد الحياة أم في عداد الموتى، وهي لا ترى نهاية لمعاناتها، ولذلك فهي تمر بقدرٍ كبير من المعاناة على المستويين العاطفي والنفسي، وتُضاف إلى هذه المعاناة التحديات التي غالبًا ما تواجهها العائلات بسبب المصاعب المادية والاجتماعية.

وبين أن لدى هذه العائلات الحق في معرفة ما الذي حصل لأحبائها، وهو حقٌ منصوص عليه في القانون الدولي الإنساني.

وأوضح أن في العراق، خَلَفت عقود من النزاعات المسلحة وفترات العنف المتتابعة أحد أكبر أعداد المفقودين في العالم. إذ لا يزال مصير مئات الآلاف من الأشخاص مجهولاً، وهنالك الكثير من العائلات التي تواصل البحث عنهم، ويعيش الكثير منها في حيرة بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط بمصير أقاربها المفقودين» لافتاً إلى إن «كل عائلة تضم مفقوداً لديها قصة تخبرنا بها.

ونقل البيان قصة مازن، وهو فتى يبلغ من العمر 16 عاماً من الأقلية اليزيدية في سنجار، إذ يستذكر بألم قائلًا: كانت عائلتي سابقاً تتألف من ثمانية أخوة وأخت واحدة. وفي عام 2015، اختفى أربعة من إخوتي ووالديّ وابن أخي، ولا أزال أفتقدهم كل يوم. لغاية الآن، أبكي عندما أرى أطفالاآخرين يقضون أوقاتاً جيدةً بصحبة والديهم.

سنواتٌ مَضَت، والألم يلازم عائلات المفقودين، ولكنها تظهر قدراً عالياً من التكيف مع هذا الوضع. آسيا، والتي تبلغ من العمر 47 عاماً من ناحية الصقلاوية، تمثل ذلك الأمل الذي لا ينتهي.

في عام 2016، اختفى أربعة من أخوتها، وهذا ما ترك فراغاً كبيراً في حياتها. وعلى كل حال، وجدت آسيا عزاءها، كما هو الحال مع نساءٍ أخريات عانين من خسارةٍ مماثلة، في برنامج المرافقة الذي تنفذه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والذي يساعد العائلات على التكيف مع المصاعب العاطفية والاجتماعية ذات الصلة باختفاء أقربائها.

وتحملت آسيا تدريجياً دور المعيل لعائلتها، واستطاعت لوحدها من تربية بقية أخوتها وأبناء أخوتها المفقودين، وبذلك باتت مثالاللقوة والإلهام في مجتمعها.

ويقول جان جيروم كازابيانكا، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، «إننا لا نحمل سوى الاحترام والتقدير للصلابة التي أظهرتها هذه العائلات، ونحن ندرك حاجتها الماسة للحصول على إجابات» موضحاً إنه في النصف الأول من عام 2023، قدمت العائلات 994 طلبًا للبحث عن أقربائها المفقودين، وقد جرى إيضاح مصير ومكان تواجد 171 شخصاً إلى جانب لم شمل 5 أشخاص مع عائلاتهم في خارج العراق.

وأضاف: لدينا حالياً 28,892 ملف فقدان لم يتم حسمه في العراق، ومستمرون في دعم السلطات للمساعدة في انهاء معاناة العائلات على النحو الذي تستحقه.

زر الذهاب إلى الأعلى