ملفات ساخنة

وادان الموريتانية مدينة العلماء ومركز القوافل التي تقاوم النسيان في وسط الصحراء

في منطقة معزولة بشمال موريتانيا تصارع مدينة “وادان” التاريخية من أجل البقاء، بعد أن ظلت لقرون عاصمة للقوافل التجارية ومركزا مشعا في الصحراء.

 

تقع المدينة الأثرية في منطقة آدرار شمال موريتانيا في قلب الصحراء الكبرى على بعد 600 كيلومتر من العاصمة نواكشوط، وهي مصنفة ضمن التراث العالمي لليونسكو.

 

يقول المؤرخون إن أصل تسمية “وادان” عربي، يعود إلى كونها تضم واديين، واديا من علم وواديا من نخيل، فيما روى آخرون أن كلمة وادان صنهاجية أصلها “إوالان” وهي تعني أرض الملح.

 

يقول عدد من المؤرخين إن “وادان” هي أول مدينة تشيد في موريتانيا، وتأسست سنة 536 هـ الموافق سنة 1142 م.

 

وتنقسم المدينة حاليا إلى قسمين، قسم حديث مأهول بالسكان وتقع فيه المباني الإدارية، وآخر قديم يسمى المدينة القديمة.

 

شارع الأربعين عالما

 

لعبت هذه المدينة دورا مهما في الإشعاع العلمي ونشر الإسلام في المنطقة، وتوصف بأنها أقدم جامعة في الصحراء اهتمت بنشر العلم والثقافة الإسلامية والعربية.

 

وفي وسط المدينة القديمة ما زال شارع الأربعين عالما شاهدا حيا على نهضة علمية شهدتها هذه المدينة، إذ إنه يطل على منازل 40 عالما.

 

يروى أن طلبة العلم كانوا يتلون القرآن والمتون على طول الشارع فإذا أخطأ أحدهم ارتفع إليه صوت من أحد البيوت المجاورة يصحح له، لأن جميع البيوت على طول الشارع يوجد فيها علماء.

 

وكان طلبة العلم من بلدان عربية وأفريقية يقصدون هذا الشارع لطلب العلم والبحث عن المخطوطات النادرة.

 

ممر القوافل

 

اقتصاديا ذاع صيت “وادان” لقرون وشكلت ميناء صحراويا وبؤرة تلاق بين القوافل القادمة من الشمال والغرب الأفريقي، فكانت مركز تبادل تجاري، ما أثار اهتمام الأوروبيين فقدم إليها البرتغاليون سنة 1484 وأسسوا مركزا تجاريا على بعد عدة كيلومترات منها ومكثوا سبع سنوات، وفق بعض المؤرخين.

 

وكانت مركزا تجاريا نشطا ومزدهرا على الطريق بين المغرب والسودان، ولا سيما في تصدير الملح، خلال القرن العاشر الهجري.

 

سور وادان العظيم

 

عام 547 للهجرة شيد سكان وادان، سورا لحمايتهم من غزو القبائل في تلك الفترة، وكان له دور كبير في تأمين المدينة على مدى تسعة قرون، ويعتبر الآن من بين المعالم الأثرية البارزة في المدينة.

 

تم بناء هذا السور على شكل دائرة تمتد من أعلى الجبل غربا، وتنتهي عند سفحه شرقا، وبُني دائريا ليضم عيون المياه التي تقع على بعد مسافة نصف كيلومتر شمالي المدينة.

 

ووفق معطيات وزارة الثقافة الموريتانية، فإنه يبلغ سمك حائط هذا السور مترا ونصف المتر، فيما يبلغ ارتفاعه 4 أمتار، واستخدمت في بنائه الحجارة والطين ومواد أخرى.

 

وبحسب وزارة الثقافة الموريتانية، فإن لهذا السور أربع بوابات، كل واحدة منها في أحد جهاته الأربع، وأضخمها البوابة الشرقية وتدعى “فم المبروك”، وكان يحرس تلك البوابات الأربع حرس خاص يعملون طوال اليوم.

 

وبحسب روايات المؤخرين فقد خصصت كل بوابة من بوابات السور لغرض معين، حيث خصصت بوابة “فم المبروك” مدخلا رئيسيا للقوافل القادمة من المشرق من الشام ومصر والحجاز والسودان، فيما خصصت البوابة الغربية وتدعى “فم القصبة” للقوافل القادمة من نهر السنغال، أما البوابتان الجنوبية والشمالية فهما مخصصتان لدخول وخروج أصحاب المشاغل من السكان.

 

مخطوطات نادرة

 

تضم مكتبات المدينة آلاف المخطوطات والتحف الفنية التي تحكي تاريخ حضارة صحراوية فريدة.

 

وتقدر إحصائيات رسمية عدد المخطوطات الموريتانية بقرابة الـ40 ألفاً، موزعة بين مكتبات المدن الأثرية الكبرى الموريتانية العديد منها في مدينة وادان.

 

وتتعرض هذه المخطوطات لكثير من الضياع، رغم الجهود التي يبذلها أبناء المدينة والقائمون على المكتبات فيها، وقطاع الثقافة في الحكومة الموريتانية لحفظ المخطوطات، من خلال فهرستها وترتيبها وتوفير وسائل حديثة للحفظ.

 

عزلة قاتلة

 

المدينة التاريخية التي ازدهرت لقرون تعيش اليوم حالة عزلة قاتلة، فقد هجرها كثير من أبنائها، وجعلتها الظروف الطبيعية تعيش تهديدا دائما؛ مصدره الرمال الزاحفة وتوقف القوافل التجارية العابرة للصحراء، وبعدها عن المراكز الاقتصادية الحيوية في موريتانيا.

 

وفي محاولة لإعادة الاعتبار للمدن القديمة في موريتانيا ومن بينها “وادان”، تقيم الحكومة الموريتانية منذ سنوات مهرجانا سنويا بالتناوب بين هذه المدن وهي “شنقيط”، و”وادان”، و”تيشيت”، و”ولاتة”.

 

ويهدف هذا المهرجان السنوي إلى إبراز عراقة هذه المدن ووجهها الجميل، وثقافتها المحلية، ومناظرها الخلابة، ومآثرها التاريخية.

زر الذهاب إلى الأعلى