أخبار عربيةالأخبارالعراق

تسمم سماء جنوب العراق

تقول طالبة الدكتوراه العراقية طيف الخُضري إن تسمم سماء جنوب العراق نتج عن سلسلة أحداث بدأت قبل قرن خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية اتسمت بالعنف الاستعماري والممارسات الاستخراجية للشركات الرأسمالية التي لا تهتم بصحة البيئة والبشر أكثر من جمع الأرباح.

 

وسردت الخضري طالبة الدراسات العليا في قسم السياسة والدراسات الدولية بجامعة كامبردج في مقال لها بالموقع الإلكتروني للجزيرة الإنجليزية (Aljazeera.com) تاريخ سيطرة الشركات البريطانية على النفط العراقي وفرضها عقودا مجحفة على العراق لا تهتم بحماية البيئة من التلوث.

 

وكانت الخضري قد استهلت مقالها بوصف التلوث الخطير بأجواء جنوب العراق الذي تسبب فيه حرق الغاز الطبيعي المطرود من آبار النفط والذي يتسبب في مشاكل صحية خطيرة مثل السرطان وأمراض الجهاز التنفسي.

 

نسبة عالية من الإصابة بالسرطان جنوب العراق

 

وقالت إن البلدات والقرى القريبة من حقول النفط الشاسعة في العراق -حيث لا يزال الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الآخرون يعيشون تحت سماء مليئة بالدخان- تشهد تفاقم مشاكل صحية يمكن تجنبها، لكن المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط يصرون على تقديم الربح على الأرواح.

 

وأشارت إلى وجود تقرير سري صادر مؤخرا من وزارة الصحة العراقية يلقي باللوم في ارتفاع بنسبة 20% في معدلات الإصابة بالسرطان في البصرة، جنوب العراق بين عامي 2015 و2018، على التلوث الناجم عن حرق الغاز، من بين عوامل أخرى. كما أشارت إلى وثيقة مسربة أخرى صادرة من الحكومة المحلية في البصرة تتضمن أن حالات الإصابة بالسرطان في المنطقة أعلى بـ3 مرات من الأرقام المنشورة في الجريدة الرسمية على مستوى البلاد.

 

بريطانيا والنفط العراقي

 

وتابعت الكاتبة تاريخ علاقة بريطانيا بالنفط العراقي منذ أوائل القرن الماضي، مع انتقال أسطولها البحري من الفحم إلى البترول، وحاجتها المتزايدة إلى النفط لإدارة إمبراطوريتها وتغذية جهودها الحربية العديدة.

 

وقالت إن بريطانيا أنشأت عام 1912 شركة البترول التركية “تي بي سي” (TPC) بهدف الحصول على امتيازات من الإمبراطورية العثمانية، التي كان العراق يتبع لها، للتنقيب عن النفط في بلاد ما بين النهرين. وبعد الحرب العالمية الأولى، أخضعت العراق تحت انتدابها وسرّعت من جهودها للمطالبة باحتياطيات المنطقة الهائلة لنفسها.

 

وبحلول عام 1930، تم تغيير اسم الشركة من “شركة البترول التركية” إلى “شركة البترول العراقية” (IPC) ووُضعت تحت سيطرة كونسورتيوم مكون من شركات “بريتيش بتروليوم” (BP)، و”توتال” (TOTAL)، و”شل” (SHELL) والعديد من الشركات الأميركية الأخرى، والتي دفعت معا من أجل سلسلة من “اتفاقيات الامتياز” مع الحكومة العراقية المشكلة حديثا وحصلت على سيطرة حصرية على موارد النفط العراقية بشروط محددة مسبقا لفترات طويلة. وبحلول عام 1938، كانت شركة البترول العراقية والشركات التابعة لها قد ضمنت بالفعل الحق في استخراج وتصدير كل النفط في العراق تقريبا لمدة 75 عاما، بدون أن تتضمن العقود المبرمة معها أي أحكام تحمي المجتمعات المحلية والبيئة من العواقب غير المرغوب فيها لاستخراج النفط.

 

سماء ملوثة بشكل واضح

 

وقالت إن تطور صناعة النفط في جنوب العراق أدى بسرعة إلى ظهور المخاطر البيئية المرتبطة باستخراج النفط هناك. وفي وقت مبكر من عام 1952، كان يتم حرق الغاز في منطقة الزبير بكميات كبيرة لدرجة أن سماء الليل فوق حقول النفط كانت ملوثة بشكل واضح.

 

ومنذ عام 1955، بدأت الحكومات العراقية تطالب باستخدام الغاز الذي يتم حرقه في حقول الرميلة والزبير لتوليد الكهرباء وللاستخدامات الأخرى. وظلت شركة النفط العراقية والشركات التابعة لها ترفض طلب الحكومات العراقية إلى أن تم تأميم صناعة النفط العراقية عام 1972.

 

وأوضحت الخضري أن حرق الغاز الطبيعي الذي كانت شركات البترول تقوم به يسمح لها بعدم زيادة تكاليف الإنتاج والحفاظ على مستوى مرتفع من الأرباح. وبعد التأميم، وبحلول عام 1990 استطاع العراق بناء القدرة على التقاط 95% من الغاز الطبيعي المطرود أثناء الحفر. ومع ذلك، تم تدمير بعض هذه القدرات نتيجة للعقوبات والحروب اللاحقة، مما حد من قدرة العراق على تخزين واستخدام الغاز وتقليل التلوث.

 

الخصخصة مرة أخرى

 

وبعد غزو العراق في 2003، تمت خصخصة صناعة النفط العراقية مرة أخرى نتيجة لضغوط من أميركا وصندوق النقد الدولي، ولم يكن لدى الدولة القوة لحماية حقوق ومصالح السكان المحليين.

 

وعندما بدأت عملية المزاد العلني لحقول النفط جنوب العراق عام 2008، عرضت الحكومة العراقية على شركات النفط الأجنبية عقودا طويلة تصل إلى 25 عاما لم تتضمن ما تنص عليه الأنظمة البيئية التي أقرتها الحكومة العراقية للحد من التلوث أو جعل القوانين العراقية تتماشى مع المعايير الدولية الناشئة لحماية البيئة.

 

وختمت الخضري مقالها بالقول إن العنف الاستعماري ضد العراق لم ينته بعد وإن له وجوها مختلفة اليوم، مضيفة أن الاستعمار الحديث يقتل شعوب جنوب الكرة الأرضية ليس بالطائرات بدون طيار والقنابل فقط، ولكن أيضا بممارسات استخراجية عمرها قرن من الزمان تجعل بيئاتهم سامة وقاتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى