أخبار عربيةالأخبارالجزائر

اعتقال الصحافي إحسان القاضي دليل على تمكن الحرس القديم من السلطة في الجزائر

نشر موقع “بي بي سي” بالإنكليزية تقريرا عن سجن الصحافي الجزائري إحسان القاضي كإشارة على سيطرة الحرس القديم على السلطة في الجزائر. وقال مجدي عبد الهادي في رسالة من شمال أفريقيا إن سجن القاضي هو إشارة عن إدارة السلطة ومن يتحكم بها.

 

وقال إن سجن القاضي، وهو صحافي مخضرم، جاء في منتصف ليلة عيد الميلاد، حيث داهم بيته ضباط بزي مدني ونقلوه إلى مقرات الشرطة السياسية في العاصمة الجزائر. وألقت ظروف اعتقاله التي قصتها ابنته بظلالها على الصحافيين المستقلين وناشطي حقوق الإنسان في الدول الاستبدادية حول العالم.

 

وبدأت بمكالمة هاتفية منتصف الليل وتبعها دقات على الباب في 24 كانون الأول/ديسمبر حسبما قالت تين هينان القاضي لبرنامج أفريقيا في إذاعة بي بي سي.

 

وقالت إن رجال الشرطة الستة لم يكن معهم بلاغ اعتقال ولا تهم موجهة لوالدها. وقيدت يداه ورمي في سيارة شرطة وأخذ لكي يراقب إغلاق مكاتب مؤسسته الإعلامية التي طلب من طاقمها العودة إلى بيوتهم، وصودرت المعدات وأغلق المكان بالشمع الأحمر.

 

وبدأ القاضي قبل عشرة أعوام “مغرب إيميرجنت” و”راديو أم” حيث ظلتا جزءا من المؤسسات الإعلامية المستقلة الآخذة بالتناقص في البلد. وبعد ستة أيام مثل أمام محكمة تحقيق أمرت باعتقاله احترازيا. ولم يستطع محاموه التقدم باعتراض على اعتقاله وإغلاق مؤسسته الإعلامية، لأن موعد الجلسة غير بدون إخبارهم. ويقول عبد الهادي إن الاتهامات ضده تحمل علامات الدولة القمعية، وهي تقويض الأمن القومي والاستقرار ونشر الأخبار المزيفة والحصول على أموال من الخارج بدون إذن.

 

وشجبت منظمات حقوق الإنسان اعتقال القاضي باعتباره خرقا صارخا لحقوق الإنسان ودعت للإفراج الفوري عنه وكذا إعادة فتح مؤسسته الإعلامية. واعتبر المحامون عنه التحرك ضده بأنه خرق صارخ للدستور الجزائري ويحرمه من الحقوق الأساسية لمحاكمة عادلة، وذلك بعد حرمانهم من مساءلة اعتقاله والدعوة لإنصافه أمام قاض.

 

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها القاضي لقوة الدولة الجزائرية. لكن السبب المباشر للاعتقال الأخير كان مقالة رأي كتبها على موقعه في الإنترنت – مغرب إيمرجنت- والتي تكهن فيها بترشح الرئيس عبد المجيد تبون، 77 عاما، لفترة ثانية في الحكم وناقش موافقة الجيش على هذه الخطوة. وأغضبت المقالة الرئيس والعسكر.

 

ويتفق المراقبون للشأن الجزائري أن الجزائر لم تكن أبدا ديمقراطية منذ استقلالها عام 1962، فالانتخابات في الجزائر هي مجرد استعراض وهدفها الرئيسي هو منح مظهر من الشرعية الديمقراطية على الرجل الذي نصبه العسكر من وراء الأبواب المغلقة. وهذا بالضبط ما أراد الجزائريون تغييره عندما خرجوا إلى الشارع عام 2019. وفي ذلك العام خرج المتظاهرون ليعبروا عن غضبهم على بوتفليقة الذي قرر الترشح لولاية خامسة مع أنه كان على الكرسي المتحرك ولم ير إلا نادرا، وحكم البلاد لمدة 20 عاما. وأدت حركة الاحتجاج إلى سقوط بوتفليقة وتوفي بعد ذلك.

 

وتم تقديم عدد من الذين عملوا معه للمحاكمة، وكان هذا ما حدث، مع أن الحراك أراد أكثر من إسقاط بوتفليقة، ولم يرد الحراكيون تمثيلية أخرى وحركة تجميل جديدة. وطالبوا بتغيير جذري للنظام السياسي بحقوق كاملة وقواعد مجسدة ليس في الدستور ولكن عمليا. وعلموا أن تحقيق هذا يعني إعادة تفكيك ما بات الجزائريون يطلقون عليهم “السلطة” وهي شبكة معقدة من العلاقات بين الأجهزة الأمنية والتجارية والجيش في مركزها، وهو نظام قائم منذ الاستقلال.

 

ولعدم وجود قيادة واحدة وانتشار كوفيد 19 فقد تلاشى الحراك وسط حملات القمع، وعاد الحرس القديم وبقوة إلى مركز السلطة، وما حدث في الجزائر هو نسخة مشابهة لما شهدته دول شمال أفريقيا، تونس وليبيا ومصر. فبعد نشوة الربيع العربي الذي أسقط ثلاثة أنظمة في شمال أفريقيا، لم يحدث أي تحول كامل للديمقراطية، فلا تزال ليبيا في حالة من الفوضى، وعادت تونس بعد بداية مترنحة إلى الوراء، أما مصر فيسيطر عليها العسكر.

 

وعاد النظام القديم وأجبر الثوريون على المنفى أو الخضوع واللامبالاة، وبالنسبة للحراكيين فقد أجبروا على مراكز الاعتقال. وفي منشوراته على تويتر رسم الصحافي صورة لجمهور تجمع خارج مكتبه عام 2019 خلال احتجاجات الحراك وكتب تحتها: “أتمنى لكل واحد العيش مرة في حياتهم هذه اللحظة الهزلية عندما تمر ثورة أحلامهم من نافذة مكاتبهم”، وللأسف، فبالنسبة للحراك ومن حلموا بحرية الصحافة وحكم القانون في الجزائر وبقية شمال أفريقيا فقد كانت هذه اللحظة الهزلية قصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى