أخبار عربيةالأخبار

يصلحن بين الأزواج ويحللن المشاكل.. النساء الجبريات في جنوب تونس

لا تهدأ حركة للخالة عائشة (65 عاما) التي تقطن في مدينة بنقردان في أقصى الجنوب التونسي، فهي قلقة على أسرة ابنها التي أوشكت على التفكك بسبب خلافات بينه وبين زوجته التي ذهبت على إثرها إلى منزل أهلها ورفضت العودة إلى بيت زوجها.

 

حاول أفراد الأسرة حلّ المشاكل بين ابنهم وزوجته مرارا لكن محاولاتهم باءت بالفشل فقد رفضت العودة معهم إلى بيتها، ولم يبق سوى حل أخير يجول في رأس الخالة عائشة لكنها مترددة خوفا من رفض زوجها.

 

فكرت عائشة في الاستعانة بالنساء “الجبريات” لإصلاح المشاكل بين الزوجين، فقد سمعت عنهن كثيرا وقد نجحن مرارا في حل مشاكل العديد من العائلات، وأقنعت زوجها أخيرا بجلبهن لإرجاع “كنّتها” إلى بيتها.

 

ما قصة “الجبريات”؟

 

الجبريات هن نساء كبيرات في السن، يقول سكان محافظة مدنين جنوب شرقي تونس إنهن “مباركات” لأن جدّهن ولي صالح، مهمتهن إصلاح المشاكل بين الأزواج أو الإخوة أو الجيران وطرد “الطاقة السلبية” و”الحسد” من البيوت كما يعتقد البعض.

 

تلبس “الجبريات” لباسا خاصا بهن يكون في شكل “حرام” أسود اللون أو أحمر مع حلي من الفضة وهو ما يميزهن عن بقية نساء المنطقة، ولهن طقوس خاصة بهن يمارسنها في إحدى “زوايا” الأولياء الصالحين.

 

تروي سعاد (50عاما) للجزيرة نت كيف أنقذت الجبريات عائلات بأكملها من القطيعة، وتقول بتأثر كبير باد على ملامح وجهها “ربما لا يؤمن شباب هذا الجيل بالقوة الخارقة للنسوة المباركات لكنني رأيت بأم عيني كيف تخاصم جيراننا منذ 10 سنوات تقريبا، ووقعت بينهم مشاكل كبيرة بلغت حد محاولات القتل، لكن بتدخل الجبريات ها هم إلى اليوم يعيشون مثل الإخوة تماما منذ ذلك الحين”.

 

طقوس خاصة

 

لا يقتصر دور الجبريات على حل المشاكل فحسب للسكان هنا بل يتعدى ذلك إلى “طرد الجان” و”فك السحر” وإبعاد “العين والحسد” من البيوت، فيُستدعين إلى البيت المقصود لقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم وبعض الأدعية الخاصة بهن في طقوس خاصة.

 

تختار ربة البيت التي دعت “الجبريات” غرفة فارغة في بيتها تنظفها جيدا وتفرشها بـ”حصيرة” فقط وتضع فيها بخورا وعنبرا تحضيرا لقدوم النسوة “المباركات”، ثم تذهب إلى السوق لشراء لوازم الوليمة التي ستعدّها لهن.

 

تتمثل الوجبة في “كسكسي” بلحم الخروف وتكون الكمية كبيرة توضع في صحفة (صينية) تسمى “القصعة” وتزين بالبيض المسلوق أو الزيتون والفلفل، إذ تحرص المرأة أن تكون الوليمة قيّمة تردّ بها جميل الجبريات.

 

تستقبل ربّة البيت الجبريات استقبالا حارا، وتدخلهن بسرعة إلى الغرفة المخصصة لهن، يجلسن على الأرض ويسألن أصحاب المنزل عما يقلقهم، يغمغمن بصوت خافت كأنك بهن يتفقن على الحل المناسب للمشكلة ثم يشرعن في الدعاء وتصدح أصواتهن بـ”مواويل” خاصة بهن في جو يسوده السكون إلا من صوتهن.

 

وعند انتهاء الطقوس تأتي ربة البيت لتثني عليهن، وتجلب “القصعة” فيأكلن “الكسكسي” بأيديهن تبرّكا، ومن عاداتهن ألا يأكلن اللحم بل يجمعنه ويأخذنه معهن مع أكياس الحناء والبخور التي تقدمها صاحبة البيت هدية لهن.

 

ورغم تراجع مكانتهن عن السابق فإن كثيرين في محافظة مدنين ما زالوا يتبركون بالجبريات خاصة كبار السن الذين يجزمون قطعا بأنهن نساء خارقات للعادة، وأن دعاءهن مستجاب وأن الذي لا يؤمن بقدراتهن أو يستهزئ بما يفعلن يقع له مكروه.

 

 

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى