أخبار عالميةالأخبار

المواجهة بين روسيا والغرب حتمية بعد أوكرانيا.. وأوروبا ستكون أرض معركة

يتوقع مايكل كيماج، أستاذ ورئيس قسم التاريخ في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، احتمال استمرار الحرب في أوكرانيا طوال سنوات، وأن نهايتها ستشهد هزيمة روسيا بطريقة أو أخرى.

 

ويقول كيماج، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن جوهر هذه الحرب، بغض النظر عن المعاناة الجسيمة التي أسفرت عنها، هو أن فلاديمير بوتين ارتكب خطأ استراتيجيا ملحميا بشنّه تلك الحرب، وأن النظام السياسي الروسي لا يتمتع بالمرونة أو القدرة على تغيير المسار. ولا ينبىء ذلك بسقوط بوتين من السلطة أو ظهور الديمقراطية في روسيا.

 

ومع ذلك، فإن شنّ حرب كارثية من جانب دولة تعتبر عظمى جزئياً فقط ، وليست بأي حال من الأحوال قوة اقتصادية كبرى، سوف يفرض تكاليف طويلة المدى بالنسبة لروسيا. وستواجه البلاد صعوبة بالغة في التعامل مع هذه التكاليف.

 

ويضيف كيماج أنه في العالم الذي سيوجد بعد الحرب، ستكون لهزيمة روسيا شبه الحتمية نتيجة إيجابية واحدة، وأخرى سلبية بالنسبة للولايات المتحدة. وسوف تكون النتيجة الإيجابية عالمية. فقبل الحرب التي بدأتها روسيا في شباط/ فبراير هذا العام، كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإيجاد دور لها.

 

فلم تعد الولايات المتحدة القوة المهيمنة بلا منازع. وكانت لا تزال تتعافى من التحول المحفوف بالمخاطر من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن. وتعثرت في الإدارة العملية للانسحاب من أفغانستان في صيف العام الماضي. وكان تقسيم إدارة بايدن للعالم إلى دول استبدادية وأخرى ديمقراطية تمييزا واضحا بما فيه الكفاية. ولكن من الممكن أن ذلك كان يبدو أمراً مجرداً، ليس له علاقة بالسياسة الخارجية الأمريكية عمليا.

 

وعلى أية حال، فقد أظهرت الولايات المتحدة بالفعل قدرتها على الدبلوماسية الفعالة من خلال تعاملها مع الغزو الروسي لأوكرانيا. فقد كان تنسيقها مع الدول داخل أوروبا وخارجها، ووضع نظام عقوبات طموح ضد روسيا، وسرعة تزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية عملا استثنائيا، ومن الواضح حدوث ذلك تحت مظلة القيادة الأمريكية.

 

ويشير كيماج إلى أنه بدا أن الصين فاترة ومضطربة فيما يتعلق بالحرب الروسية. فهي ليست شريكا حقيقيا لروسيا أو أوكرانيا؛ وليس لديها رؤية بالنسبة للحرب أو عالم ما بعد الحرب. وعلى النقيض من ذلك، تظهر الولايات المتحدة درجة هائلة من الطاقة. فقد كشفت واشنطن أن بوسعها ضمان الأمن الإقليمي في أوروبا، رغم أنه ليس بالنسبة لكل أوكرانيا بطبيعة الحال.

 

وهذا من شأنه أن يبقي الولايات المتحدة أيضا في وضعها التقليدي لفترة ما بعد 1945 في أوروبا باعتبارها النقطة المحورية للأمن الأوروبي. كما سيجعل الولايات المتحدة منافسا محتملا لشغل وضع مماثل في آسيا. وعندما تنتهي الحرب في أوكرانيا، سوف تلوح مصداقية الولايات المتحدة بدرجة أكبر إلى حد ما في نظر الكثيرين الذين يتطلعون إليها.

 

أما النتيجة السلبية لحرب بوتين المروعة فسوف تتركز في أوروبا. فليس لدى روسيا القدرة العسكرية للسيطرة على أوكرانيا. وإلى حد كبير ليس لديها القدرة العسكرية على تهديد أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي( الناتو)، بما في ذلك فنلندا والسويد في حالة انضمامها للحلف.

 

وروسيا تواجه خطر خسارة الحرب في أوكرانيا. ورغم ذلك، لن تتوقف عن أن تكون عاملا في الشؤون الأوروبية. فمهما يحدث على الأراضي الأوكرانية، قد تم رسم خط جديد عبر أوروبا. وهو خط غامض وغير مؤكد. فعلى أحد جانبيه هناك بيلاروس وروسيا. وعلى الجانب الآخر هناك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وسوف يكون خط تماس- طويل، ومتغير، وخطير- طوال عقود مقبلة. ولن تكون لدى روسيا القوة لتجاوز هذا الخط، وليس أيضا من خلال المغناطيسية أو القسر لجذب أوروبا إلى فلكها.

 

ولكن أيضا لن يكون لدى أوروبا غير الروسية أو حلف الأطلسي أو الغرب القدرة على إخضاع روسيا أو محو نفوذها. وسوف يتكون هذا النفوذ من خلال محاولة روسيا تحويل أي مصدر لعدم الاستقرار الأوروبي لصالحها، وهو أمر سيتم الشعور به كلما كانت هناك انتخابات، وكلما سقطت حكومة، وكلما دخلت دولتان أوروبيتان أو أكثر في صراع فيما بينهم.

 

وأضاف كيماج أنه سيتم التعبير عن النفوذ السلبي من جانب روسيا عبر الهجمات السيبرانية، وربما الهجمات العسكرية أحيانا، في ضوء أن روسيا لن تخسر الكثير الآن من خلال مضايقة الغرب ومحاولة إفقاده توازنه. كما سيتم التعبير عن النفوذ الروسي السلبي من خلال التهديدات النووية، التي لن يتم الاهتمام ببعضها (إذا كانت مجرد تهديد زائف)، وقد يكون بعضها مدعوماً بنية مبيتة لجعلها تبدو قابلة للتصديق بقدر الإمكان.

 

واختتم كيماج تقريره بأن هذا الحال سيكون مأساة بالنسبة للولايات المتحدة، وكذلك بالنسبة لأوروبا. فلن تكون هناك أوروبا كاملة، وحرة، وفي سلام. وسوف تكون أوروبا، التي كانت في وقت من الأوقات دخاناً وغباراً لتسوية الحرب في أوكرانيا، على ما كانت عليه دائما؛ أرض معركة، وعلى هذه الأرض لن تكون الولايات المتحدة مراقباً بعيداً. سوف تكون مع أحد الطرفين، مع الكثير من حلفائها عبر الخنادق أمام أقدم خصم لها، وهو معروف للغاية.

زر الذهاب إلى الأعلى