أخبار عربيةالأخبار

كنز في قبضة المقاومة الفلسطينية

قالت المقاومة الفلسطينية إنها حققت “نصرا تكتيكيا” على إسرائيل بسيطرتها على منطاد لأغراض التجسس سقط في بلدة بيت حانون (شمالي قطاع غزة)، ووصفته مصادر في المقاومة بأنه “كنز إستراتيجي”.

 

ولا تُعرف على وجه الدقة أسباب سقوط المنطاد، الذي أفشلت “وحدة حماة الثغور” التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس) محاولتين إسرائيليتين للسيطرة عليه، بتوغل قوة راجلة لسحبه، واستهداف محيط سقوطه لتدميره.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي تستولي فيها المقاومة على معدات استخباراتية إسرائيلية، من دون رد فعل إسرائيلي يضاهي تحركها السريع لاستعادة هذا المنطاد أو تدميره. فما الذي تخشاه إسرائيل من وقوعه وأمثاله من المعدات التكنولوجية الأمنية في قبضة المقاومة، خاصة حركة حماس؟ سؤال تجيب عنه للجزيرة نت مصادر خاصة في المقاومة.

 

ما هذا المنطاد؟

 

تصنّف المناطيد على أنها من بين المعدات الأكثر تطورا في منظومة الرصد والتجسس لدى استخبارات الاحتلال الإسرائيلي، وهي مزودة بنظام مراقبة متكامل يحتوي على كاميرات عالية الدقة تلتقط صورا على مدار الساعة.

 

والمنطاد موضع الحدث الأخير، وحسب مصادر المقاومة، يمكنه التحليق 3 أيام متواصلة، وهو من النوع الذي تنتشر أعداد منه في أجواء قطاع غزة من الناحيتين الشرقية والشمالية.

 

ووفقا للمعلومات الأولية لدى المقاومة، فإن هذه النوعية من المناطيد الإسرائيلية تغطي مساحة قطاع غزة بالكامل (360 كيلومترا مربعا)، بالمراقبة والرصد لمدى يتراوح بين 40 و60 كيلومترا، وبزاوية تصوير 360 درجة، وبث ما ترصده من صور ومعلومات إلى غرف التحكم التابعة لأجهزة استخبارات الاحتلال.

 

وحسب بيانات تداولتها مواقع إسرائيلية متخصصة، فإن المنطاد يحتوي على تقنيات من صناعة إسرائيلية عالية التصنيف على المستوى العالمي، ويتميز بتأقلمه بشكل دقيق مع تقلبات الطقس والأحوال الجوية، وتقدر الخسائر المالية لسقوطه بنحو مليوني شيكل (نحو 600 ألف دولار).

 

غنائم تكنولوجية ومعلوماتية

 

فور استيلائها على المنطاد أخضعته المقاومة للفحص الدقيق من قبل مهندسين وفنيين مختصين، للتأكد من عدم احتوائه على أجهزة تتبع وتحديد مواقع.

 

ووفقا لمصادر المقاومة، فإن المنطاد يخضع لدراسة ما يحتويه من معلومات تفيد في فهم آليات العمل الاستخباراتي للاحتلال، وتوظيفها في “الخطط المضادة” التي تندرج في إطار ما يصطلح عليه بـ”صراع الأدمغة”.

 

ولم تشأ هذه المصادر الرد تفصيلا على مزاعم جيش الاحتلال بأنه لا يُخشى “تسرب معلومات قيمة” من المنطاد، واكتفت بتأكيد أنه يحتوي على “كنز من الأجهزة والمعدات الحساسة والمتطورة لا مثيل لها في غزة، ولا يزال قيد الدراسة والتحليل”.

 

ويمنع الاحتلال الإسرائيلي توريد التقنيات الحديثة من أجهزة ومعدات التصوير والبث الفضائي المتطورة إلى غزة منذ تشديد الحصار على القطاع منتصف عام 2007، وتصنفها “مواد مزدوجة الاستخدام”، وتخشى وصولها إلى المقاومة.

 

وإثر الانتهاء من مرحلة تحليل بيانات المنطاد، تبدأ ما يمكن وصفها “بالهندسة العكسية”؛ وتتركز على إعادة تدوير “غنائم المنطاد التكنولوجية” من كاميرات وأجهزة مراقبة وتسجيل وبث، “وإيلام الاحتلال بما صنع بيديه” حسب المصادر ذاتها التي لم تستبعد أن تساعد عملية تحليل بياناته وآلية عمله المقاومة على صناعة منطاد مشابه في المستقبل المنظور، لتكرر نجاحها السابق في صناعة “طائرات مسيّرة”.

 

سجل نجاح وإنجازات

 

تثبت بيانات موثوقة اعتماد المقاومة في غزة منذ تدمير الأنفاق أسفل الحدود الفلسطينية المصرية عام 2013 -التي كانت تسمح بتهريب أجهزة وتقنيات مطلوبة لتطوير الوسائل القتالية- على التصنيع المحلي بنسبة كبيرة في تطوير قدراتها العسكرية، بما في ذلك “إعادة تدوير” ما تستولي عليه من ذخائر ومعدات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية.

 

وسجلت المقاومة -وفي المقدمة منها كتائب القسام- نجاحات ملموسة في محطات مهمة أعقبت الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة عام 2014، بإعادة استخدام محتويات قذائف إسرائيلية لم تنفجر، وإعادة تأهيل وتسيير “حوامات” إسرائيلية سقطت عن طريق الخطأ، أو أسقطتها “وحدة القناصة” كما حدث في مدينة رفح (جنوبي القطاع) عام 2019.

 

وشهدت مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة عام 2018 عدة عمليات ناجحة لإسقاط طائرات مسيّرة إسرائيلية من نوع “كواد كابتر”.

 

غير أن النجاح الأبرز لكتائب القسام تمثل في إعلانها مطلع عام 2019 سيطرتها على أجهزة ومعدات تقنية تحتوي على أسرار كبيرة للاحتلال، كانت بحوزة أهم وحدة إسرائيلية خاصة تدعى “سيرت متكال” كشفتها المقاومة بعد تسللها إلى غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بغرض التجسس على “شبكة الاتصالات الداخلية الخاصة بحماس”.

 

وفي حينه، قال المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة إنه “يجب على العدو وأجهزته الأمنية القلق كثيرا لأن الكنز المعلوماتي الذي تحصلنا عليه سيعطينا ميزة إستراتيجية على صعيد صراع العقول”.

 

تطور يقلق إسرائيل

 

وقال أستاذ الدراسات الإستراتيجية والخبير الأمني إبراهيم حبيب للجزيرة نت إن رد فعل الاحتلال إثر سقوط المنطاد يتناقض مع تقليله من أهمية وقوعه في “قبضة المقاومة”؛ فهذه المناطيد تحمل كميات كبيرة من المعدات التقنية، وتعمل في وضع الثبات للقيام بمهام استخباراتية دقيقة.

 

ويعتقد حبيب أن تمكّن “عقول مهندسي المقاومة” سابقا من إعادة تأهيل وتدوير معدات وأجهزة وذخائر إسرائيلية، واستخدامها في “عمليات مضادة”، تؤهلها هذه المرة أيضا لتحقيق أقصى استفادة من المنطاد، سواء بتأهيله واستخدامه، أو بالاستفادة مما يحتويه من معلومات وتقنيات.

وفي رأي الخبير الأمني، فإن “تطور الفكر الاستخباراتي للمقاومة” رغم محدودية الإمكانات في غزة المحاصرة بات يؤرق الاحتلال.

زر الذهاب إلى الأعلى