أخبار عالميةالأخبار

قصص مأساوية لأسر أفغانية خانت بلدها.. هل خذلتهم أمريكا؟

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا للصحفية أبيجيل هوسلوهنر، قالت فيه إن المرة الأخيرة التي رأت فيها فوزية زوجها كانت تعاني من نوبة ربو في حالة من الفوضى والغبار خارج مطار كابول. لقد شق طريقه بين الحشد للوصول إليها، وكان وجهه مغطى بالأوساخ والخوف. بعد ثوان، نقلتها سيارة إسعاف بسرعة إلى الداخل.

 

انتهى الأمر بفوزية وابنتها في رحلة إجلاء في اليوم التالي. وقالت إن أعضاء الخدمة الأمريكية المنسقين للعملية أكدوا لهم -على حد قولها- أن بقية أفراد أسرهم سيتبعونهم قريبا.

 

جلبت إدارة بايدن أكثر من 76000 أفغاني إلى الولايات المتحدة العام الماضي كجزء من الانسحاب الأمريكي. وتركت الآلاف ممن أرادوا الفرار، وكثير منهم من حلفاء أمريكا الذين ساعدوا المجهود الحربي لمدة 20 عاما. وكان زوج فوزية وأربعة من أبنائهم وأربعة أحفاد من بين أولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار.

 

تقول الإدارة إن لم شمل العائلات الأفغانية مثل عائلة فوزية هو من بين أولوياتها القصوى، حيث يواصل المسؤولون الأمريكيون التفاوض بشأن عمليات الإجلاء من أفغانستان، على الرغم من عدم وجود أي تمثيل دبلوماسي أو عسكري هناك.

 

لكن لا وزارة الخارجية ولا وزارة الأمن الداخلي ولا البنتاغون تمتلك بيانات حول عدد الأفغان الذين تم إحضارهم إلى الولايات المتحدة، والذين يظلون منفصلين عن عائلاتهم المباشرة. يقدر المدافعون أن الرقم يمكن أن يصل إلى عشرات الآلاف.

 

قال متحدث باسم وزارة الخارجية، بشرط عدم الكشف عن هويته، إن الإدارة “تعمل على حل” للسماح للأفغان بـ “إخطار” وزارة الخارجية بشكل أفضل إذا كان لديهم أفراد عائلات مباشرون يحتاجون إلى إعادة التوطين.

 

وقالت فوزية إن عائلتها خططت للفرار من أفغانستان قبل أسابيع من سقوط كابول. لقد حصلوا على تأشيرات قصيرة الأجل إلى الهند، والتي كانوا يأملون أن تكون بمثابة وجهة توقف آمنة في طريقهم إلى الملاذ الدائم.

 

قادوا سيارتهم من منزلهم في مزار الشريف شمال أفغانستان إلى مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة مع سيطرة طالبان على المدينة. قالت سودابا ابنة فوزية، البالغة من العمر 24 عاما، والتي هربت مع والدتها: “بدا وكأنه يوم القيامة.. كان الجميع يحاول الفرار”.

 

أدى العنف والجفاف والذعر الجماعي إلى جعل طريق الهروب محفوفا بالمخاطر. قام حراس طالبان بضرب وإطلاق النار على الأشخاص الذين يحاولون شق طريقهم داخل المطار. أطلقت القوات الأمريكية والقوات شبه العسكرية الأفغانية النار فوق رؤوس الناس، واستخدمت الغاز المسيل للدموع والانفجارات المفاجئة لكبح جماح الناس. واضطر من هم في أمس الحاجة إلى الخوض في قنوات الصرف الصحي خارج المجمع، وحاولوا التسلق على جدرانه الخارجية. هناك أطفال تم دهسهم. كما أسفر تفجير انتحاري في 26 آب/ أغسطس عن مقتل 170 أفغانيا و 13 جنديا أمريكيا.

 

أشار تحقيق لاحق في التفجير أجراه الجيش الأمريكي إلى أن الأفراد العسكريين الأمريكيين المكلفين بتأمين المطار كانوا يواجهون بشكل روتيني أفغانا عند البوابات تم فصلهم عن أفراد عائلاتهم.

 

على مدار أكثر من أسبوعين في آب/ أغسطس، قام الجيش الأمريكي بـ387 رحلة إجلاء، على حد قوله. جلبت جيوش الدول الأخرى وشركات النقل التجارية المتعددة آلافا آخرين إلى بر الأمان، وهو إنجاز تتفاخر به إدارة بايدن باعتباره أكبر إجلاء غير قتالي في تاريخ الولايات المتحدة.

 

بالنسبة للكثيرين، كان الحظ وحده هو الذي يحدد من هرب ومن لم يهرب. يقول المدافعون إن بعض الرجال الذين عملوا مع قوات الأمن الأفغانية عُرض عليهم أماكن في الرحلات الجوية، أو طُلب منهم المساعدة في إخلاء الأشخاص والمعدات الحساسة، قبل أن يتاح لهم الوقت لجمع عائلاتهم. اعتبر آخرون أن إحضار الأطفال الصغار إلى المطار أمر محفوف بالمخاطر، واختاروا بدلا من ذلك تركهم في رعاية زوجاتهم، على أمل أن يتمكنوا من الانضمام إليهم لاحقا.

 

باروين الحسيني، 35 عاما، وأم لأربعة أطفال، محظوظة من ناحية: يسمح لها قس محلي وزوجته بالبقاء دون إيجار في شقة الطابق السفلي بمنزلهم في موديستو. من دون هذا الكرم قد تكون لا تزال في الفندق، حيث وضعتها وكالة إعادة التوطين، أو مشردة.

 

لكنها لا تعرف كيف ستعيش على المدى الطويل، ماليا أو عاطفيا، فقد تُرك زوجها وابنتاها. قالت الحسيني: “ظللت أسألهم”: “أرجوكم أحضروا زوجي، من فضلكم أحضروا أطفالي”، واصفة الشعور بالرهبة لدى إدراكها أنها فقط وابنتها وشقيقة زوجها البالغة من العمر 19 عاما هم من دخلوا المطار. قالوا: عذرا، البوابة مغلقة.

 

قالت الحسيني، التي كانت حاملا وقت الإجلاء وأنجبت طفلا مؤخرا، إنها سألت وكالة إعادة التوطين المحلية كيف يمكنها إخراج بقية أفراد أسرتها من أفغانستان، “قالوا إن عليك الانتظار حتى تحصلي على البطاقة الخضراء”، وهو ما قد يستغرق سنوات.

 

ومن بين أولئك الذين انفصلوا عن عائلاتهم في أثناء الإجلاء حوالي 1400 طفل أفغاني وصلوا في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة دون والديهم.

 

كان أحد أبناء فوزية محاميا، والآخر صحفي. كان صهرها ناشطا شارك في مظاهرات ضد حركة طالبان وفساد الحكومة الأفغانية. كانت ابنتها سودابا التي رافقت فوزية في سيارة الإسعاف في أثناء نوبة الربو تدرس القانون وتعمل في لجنة الانتخابات المستقلة في أفغانستان.

 

وهرب خمسة [من 18 شخصا كانوا يريدون الهجرة] من أفراد الأسرة في النهاية في رحلتين. والثانية حملت بروانا ابنة فوزية الأخرى وزوجها سلطان وطفلهما الصغير.

 

وصل سلطان وزوجته وطفله إلى المطار في اليوم التالي، أيضا بسبب حالة طبية طارئة. بدأ الطفل في التقيؤ، وعولج من الجفاف الشديد. قالوا أيضا إنهم تلقوا تأكيدات بأن “عائلتك ستأتي في النهاية”، حيث شجعهم الأفراد الأمريكيون على الحصول على مقاعد في رحلة الذهاب. عندما هبطوا في قاعدة عسكرية في قطر كان التلفزيون يبث أخبار التفجير الانتحاري.

 

“ما الفائدة من محاولة الوصول إلى أمريكا إذا قُتل والدي؟” قالت باروانا وهي تبكي. لحسن الحظ كان باقي أفراد الأسرة بعيدين عن الانفجار.

 

منذ أن انتهى الانسحاب في 31 آب/ أغسطس، تقول إدارة بايدن إنها تمكنت من نقل حوالي 9000 أفغاني إضافي إلى خارج البلاد. على مدار الشهرين الماضيين، حدثت عمليات الترحيل هذه بمعدل حوالي 350 شخصا في الأسبوع، وفقا لمسؤول حكومي أمريكي مطلع على الجهود الجارية، والذي تحدث مثل الآخرين، بشرط عدم الكشف عن هويته، مستشهدا بالسياسة الداخلية.

 

لكن العديد من الأفغان المنفصلين عن عائلاتهم ومحاميهم اشتكوا من عدم وجود عملية واضحة لإخراج أولئك الذين تركوا. ويشتكون من أن الرئيس بايدن أنشأ مؤخرا برنامجا لتسهيل النقل السريع للاجئين الفارين من الحرب في أوكرانيا، لكنه لم يتخذ تدابير مماثلة لمساعدة أولئك الذين تُركوا في أفغانستان.

 

قال أحمد، مسؤول حكومي أفغاني سابق وصل إلى كاليفورنيا مع ابنيه البالغين من العمر 9 سنوات وسنتين، إنه ترك زوجته وابنته البالغة من العمر 6 سنوات. وقال إنه ملأ الاستمارات، وأرسل الرسائل إلى حوالي 200 منظمة، وكانت كل جهة تقدم الأعذار.

 

الذين تمت مقابلتهم في أثناء إعداد هذا التقرير، قال معظمهم إنهم لم يكونوا على دراية بأن لم الشمل خيار محتمل على المدى القريب. طلبت منهم وكالات إعادة التوطين التركيز على أوراق الهجرة الخاصة بهم أولا، وإذا حصلوا على البطاقات الخضراء فيمكنهم يوما ما التقدم للحصول على تأشيرات لعائلاتهم.

 

الحسيني الذي عانت شهورا من الشعور بالذنب لنجاتها وحدها، تخشى أن يأتي لم الشمل بعد فوات الأوان. لقد استخدمت هي وأخت زوجها مساعدتهما النقدية المحدودة من الحكومة الأمريكية لإرسال حوالتين بقيمة 200 دولار إلى زوجها وابنتيها الصغيرتين لأن زوجها -موظف حكومي سابق- عاطل عن العمل.

 

قالت: ليس لديه عمل، ليس لديهم مال، ليس لديهم طعام. والأسرة جزء من أقلية عرقية استهدفتها حركة طالبان.

 

وأضافت: أطفالي وحدهم هناك. وطفلي هنا حديث الولادة.. أنا بحاجة إلى زوجي.

 

لأشهر شاركت فوزية وعائلتها جناحا فندقيا صغيرا في سان خوسيه. كان هناك سرير مزدوج وأريكة قابلة للطي وحمام ومطبخ صغير. وقد زودتهم مجموعات المتطوعين المحلية بأدوات مطبخ وملابس ولمولود باروانا الجديد سرير محمول وحفاظات وحليب أطفال وألعاب.

 

من بين العائلات الأفغانية الـ12 التي تم إيواؤها في الفندق، كان نصفهم في ظروف مماثلة: انفصلوا عن أحبائهم الذين تُركوا وراءهم ويكافحون من أجل البدء من جديد من دونهم، كما قالت زحل بهادوري التي تساعدهم منظمتها الخيرية.

 

وقالت إن البعض، بما في ذلك والد وصل مع ابنه البالغ من العمر 5 سنوات، في حالة ذهول شديد. قالت بهادوري إنه على الرغم من أن الصبي قد التحق بالمدرسة، إلا أنه “يواجه الكثير من الصعوبات في التأقلم”، كما يعاني الأب والابن من الاكتئاب. “يرى الأطفال الآخرين مع أمهاتهم، ويعود إلى المنزل ويسأل والده: لماذا لا تأخذني أمي إلى المدرسة؟

 

قال الأفغان ومؤيدوهم إن المعاناة المالية تتفاقم بالنسبة للآباء الوحيدين الذين وصلوا بمفردهم مع أطفال صغار. قال أحمد الذي يعيش في لوس أنجلوس: “في الوقت الحالي ليس لدي أي عمل؛ لأنه لا يوجد من يعتني بطفلي”. لقد استفسر في الرعاية اليومية المحلية، لكنهم يتقاضون مئات الدولارات في الأسبوع. زوجتي وابنتي في أفغانستان، وعليّ أن أعولهما أيضا. وقال: سأقبل أي عمل يمكنني العثور عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى