اخبار تركياالأخبار

قلق متصاعد في تركيا من تأسيس 9 قواعد عسكرية أمريكية في اليونان

يتصاعد القلق في الأوساط السياسية والعسكرية التركية من التزايد السريع في عدد القواعد العسكرية الأمريكية التي جرى إنشاؤها في السنوات الأخيرة في مناطق يونانية وجزر مختلفة قرب الحدود التركية، وذلك في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة وأثينا والخشية من حصول مواجهة عسكرية بين الجانبين.

 

وعلى مدى السنوات الماضية، كشفت تسريبات سياسية وصحافية ومشاهد مختلفة، عن إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في أماكن مختلفة باليونان خاصة في منطقة تراقيا القريبة من الحدود التركية، وفي جزر مختلفة مقابلة للسواحل التركية، قبل أن يبدأ المستوى السياسي والعسكري الرسمي في تركيا بالحديث عن هذه القواعد مؤخراً، وسط تأكيدات بأن الجيش الأمريكي أقام بالفعل 9 قواعد عسكرية حتى اليوم.

 

ويتركز الجدل في تركيا حول أهداف الإدارة الأمريكية من تكثيف تواجد الجيش الأمريكي في اليونان، وما إن كان موجهاً ضد النفوذ الروسي في المنطقة، أم أنه موجه ضد تركيا لتعزيز موقف أثينا في نزاعها المتصاعد مع أنقرة في السنوات الأخيرة حول الحدود البحرية والسيادة على الجزر والتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وما رافق ذلك من توترات ميدانية وعسكرية وتهديدات متبادلة.

 

وفي أحدث تصريحاته السبت الماضي، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنه لا يصدق الادعاءات بأن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليونان موجهة ضد روسيا حصرا، وقال أردوغان: تم إنشاء تسع قواعد عسكرية أمريكية في اليونان. ضد من يتم نشرها؟ يقولون إنها ضد روسيا… لكن ذلك لا ينطلي علينا.

 

وسبق أن تحدث الرئيس التركي عن الملف نفسه قبل أسابيع، بالقول إن “اليونان تحولت عمليا بالكامل إلى قاعدة عسكرية أمريكية”، مضيفاً: “الولايات المتحدة تستخدم القواعد العسكرية في اليونان، وعددها كبير لدرجة لا يمكن حسابها، ولذا تحولت اليونان عمليا إلى قاعدة للولايات المتحدة”، واعتبر أن إقامة قاعدة عسكرية جديدة للقوات الأمريكية في جزيرة ألكسندروبوليس (دادا آغاتش) “جزء صغير فقط من هذه العملية”، وتساءل: لماذا يحدث ذلك؟ تحدثت عن هذا الأمر مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لكن لا يوجد هناك أي رد. وتصرفات اليونان في المنطقة غير صائبة.

 

وبين عامي 2019 و2021 وقّعت اليونان والولايات المتحدة الأمريكية عددا من الاتفاقيات العسكرية والدفاعية، كان أبرزها الاتفاق على تحديث الاتفاق الدفاعي الموقع بين البلدين عام 1990، وتضمنت الاتفاقيات سماح اليونان للقوات الأمريكية بالوصول إلى كافة قواعدها العسكرية وتحديث عدد من القواعد الجوية والبرية والبحرية كان أبرزها الاتفاق على توسعة قاعدة “سودا” الواقعة في جزيرة كريت والتي يستخدمها حلف الناتو، وتطوير مطار لاريسا الجوي، وتوسيع قاعدة عسكرية جوية أخرى تدعى استيفانوفيكيو.

 

ونهاية العام الماضي، أبرمت الولايات المتحدة واليونان اتفاقا يوسع التعاون العسكري بين البلدين بما في ذلك السماح للطرف الأمريكي بإقامة 4 قواعد جديدة في الأراضي اليونانية وفي جزيرة ألكسندروبوليس. وتقول اليونان إن هذه العملية تهدف إلى ضمان أمنها في حال تعرضها لهجوم من قبل تركيا في ظل العلاقات المتوترة بينهما، بينما يعتبر بعض الخبراء أن التوسع الأمريكي في المنطقة موجه ضد روسيا.

 

وأكبر القواعد الجديدة التي أنشأها الجيش الأمريكي في اليونان تقع في منطقة أليكساندروبولي (دادا آغاتش) اليونانية التي تبعد 14 كيلومترا فقط عن نهر ماريتسا الذي يفصل الحدود التركية اليونانية، وهي منطقة تطل على بحر إيجه. وتضم المنطقة ميناء تجاريا ضخما، كما أنها تقع ضمن إقليم تراقيا الغربية الذي تسكنه الأقلية التركية المسلمة وكان محل نزاع تاريخي كبير قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى وصولاً للحرب العالمية الثانية، وكانت تركيا طالبت باعتبار المنطقة “منزوعة السلاح” في اتفاقية لوزان باعتبار أنها تتعلق بالأمن القومي التركي.

 

وعلى مدى الأشهر الماضية، واصل الجيش الأمريكي نقل أعداد هائلة من الدبابات والطائرات المروحية والمعدات العسكرية لتوسيع القاعدة، في خطوة استراتيجية كبيرة أثارت مخاوف أنقرة، وفتحت الباب واسعاً أمام التساؤلات حول أهداف القاعدة لاسيما في ظل تصاعد الخلافات التركية الأمريكية، والجدل حول مستقبل قاعدة إنجيرليك التي هددت أنقرة مراراً بإغلاقها رداً على سياسات البيت الأبيض.

 

وأظهرت العديد من الصور ومقاطع الفيديو في الأشهر الماضية وصول أعداد كبيرة جداً من المعدات العسكرية الأمريكية للقاعدة القريبة من الحدود التركية، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام التركية بمثابة “خطوة أمريكية عدائية” وطالبت الحكومة بـ”اليقظة”، وكتبت عناوين من قبيل: سيل من الدبابات الأمريكية قرب الحدود التركية” و”لماذا تحشد أمريكا قواتها على حدود تركيا؟

 

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تستخدم عددا من القواعد العسكرية في اليونان منذ عقود، إلا أن هذه القاعدة أثارت مخاوف كبيرة لأسباب مختلفة، أبرزها أنها على مقربة من الحدود مع تركيا وتطل على بحر إيجه في ظل تصاعد الخلافات بين تركيا واليونان، وأيضا تصاعد الخلافات الأمريكية التركية، بالإضافة إلى عدد القوات والمعدات العسكرية التي يتم نقلها إلى القاعدة والتي وصفت بالأضخم على الإطلاق، حيث تشير تقديرات إلى أن الجيش الأمريكي سينشر في القاعدة أكثر من 1000 دبابة وعربة عسكرية وأكثر من 100 طائرة مروحية عسكرية.

 

وتخشى أوساط تركية من أن واشنطن عمدت إلى تعزيز وجودها العسكري في اليونان لتأمين بديل لقاعدة إنجيرليك الجوية التي يستخدمها الجيش الأمريكي، وهو ما يعني تراجعا في المكانة الاستراتيجية التركية بالنسبة لأمريكا، وذلك في ظل تعاظم الخلافات والاتهامات الأمريكية لأنقرة بالابتعاد عن الناتو والمعسكر الغربي والتقارب مع روسيا عقب الحصول على منظومة “إس 400” الدفاعية.

 

كما أن تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في “دادا آغاتش” المطلة على بحر إيجه، وفي جزيرة كريت المطلة على شرق المتوسط، رأى فيه محللون أنه وقوف أمريكي صريح إلى جانب اليونان ضد تركيا في صراع شرق المتوسط، فيما رأى فيه معارضون فشلا للحكومة التركية ونجاحا لليونان التي استطاعت حشد تضامن عسكري أمريكي معها إلى جانب الاتفاقيات الدفاعية والعسكرية مع فرنسا للوقوف إلى جانبها في حال حصول أي مواجهة عسكرية بين أثينا وأنقرة.

 

إلى جانب ذلك، ربط محللون آخرون تعزيز القواعد الأمريكية في اليونان بسياقات دولية أوسع تتعلق بالتنافس الكبير بين أمريكا من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، حيث تهدف واشنطن إلى تعزيز حضورها في حوض البحر المتوسط للتصدي للنفوذ الروسي والصيني المتعاظم، كما أنها ترغب في حماية منابع الغاز في المتوسط وتأمين مستقبل نقل الغاز لأوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي الذي بات يعتبر بمثابة أكبر ورقة ابتزاز روسية في وجه الغرب، خاصة بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى