أخبار عربيةالأخبارالإمارات

الإمارات تحاول إخفاء القمع بغطاء التسامح بين الأديان

تناول موقع “ميدل إيست آي”، في مقال كتبه آزاد عيسى، أول إفطار للتطبيع في دبي جمع العالم الإسلامي إسماعيل بن موسى مينك بكبير حاخامات الإمارات ليفي دوتشمان.

 

وقال الموقع إن “الزعيم الديني الزمبابوي تعرض لنقد لاذع، ووضعت صورته التي يتبادل فيها الابتسامات مع حاخام صهيوني، مقابل أخبار المداهمات الإسرائيلية الأخيرة لمجمع المسجد الأقصى”.

 

وأشار الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21” إلى “غسيل الأديان”، قائلا إن الإمارات سعت خلال السنوات الأخيرة إلى تقديم نفسها في صورة البلد المتسامح، لإخفاء سياساتها القمعية.

 

وتاليا نص المقال مترجما من “عربي21”:

 

في العاشر من نيسان/ أبريل، جلس إسماعيل بن موسى مينك، العالم الإسلامي الشهير المعروف بلقب المفتي مينك، ليشارك في إفطار في الهواء الطلق داخل فندق الميدان في دبي. وأفطر المفتي على حبة تمر وكأس من الماء وقليل من الزبادي. وبعد صلاة المغرب انتصب ليأخذ صورة جماعية أو صورتين، ثم استأذن وغادر.

 

في اليوم التالي نشرت وسائل الإعلام الخليجية وكذلك حسابات الحكومة الإسرائيلية في مواقع التواصل الاجتماعي خبر الإفطار والنصر الذي تحقق بفضل التسامح الديني في الإمارات.

 

غرد القنصل العام الإسرائيلي في دبي قائلاً: “تشتهر الإمارات العربية المتحدة بتسامحها وتقبلها للآخر، وهذا هو أفضل دليل على ذلك. شاهد إفطاراً جماعياً شاركت فيه الطوائف الدينية المختلفة.” ونشر مع التغريدة مقطع فيديو يظهر فيه الحاخام جالساً إلى جانب مينك ورجال آخرين في أثواب ناصعة البياض، ومن حولهم مئات الرجال والنساء من مختلف الأديان بما في ذلك المسيحية والهندوسية، يجلسون جميعاً في ذلك المكان الجميل.

 

إلا أن الحاخام الجالس إلى جانب مينك لم يكن أي زعيم ديني، بل إنه الحاخام ليفي دوتشمان، كبير حاخامات الإمارات العربية المتحدة والشخصية البارزة التي لعبت دوراً مهماً في تمهيد السبل لتعزيز العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

 

ولم يكن ذلك الإفطار أي حدث عادي. فحسبما نقلت وكالة أنباء الإمارات كان الإفطار جزءاً من مبادرة رمضان 2022 في دبي التي تنظمها إدارة الشؤون الإسلامية والنشاطات الخيرية. وقالت الوكالة نقلاً عن مصادر حكومية إن الإفطار محاولة “لتعزيز مبدأ الاعتدال والحكمة والتسامح وكذلك رفض العنصرية، وكل ذلك تحت مظلة الأخوة الإنسانية.”

 

وقد قيل إن تلك المبادرة هي الأولى من نوعها في الخليج.

 

بعد يومين من الحدث، نشر موقع قناة الجزيرة العربية تقريراً تحت عنوان “حاخام إسرائيلي يشارك في أول إفطار للتطبيع في الإمارات.” وفي الصورة المرافقة للخبر يظهر الحاخام دوتشمان إلى جوار مينك. لم يسم تقرير الجزيرة مينك، ولكن لم يمر وقت طويل قبل أن يتعرف الإنترنت على واحد من أشهر دعاة الإسلام في العالم.

 

أجندة من الكراهية

 

تبع ذلك طوف من الانتقادات، وجلها يتركز على مينك نفسه. وتعرض الزعيم الديني الزمبابوي لنقد لاذع، ووضعت صورته التي يتبادل فيها الابتسامات مع حاخام صهيوني مقابل أخبار المداهمات الإسرائيلية الأخيرة لمجمع المسجد الأقصى.

 

رداً على الانتقادات التي وجهت إليه وعلى الطريقة التي تمت بها تغطية الحدث، نشر مينك تصريحاً مصوراً حاول فيه تفسير مشاركته في الإفطار، وبدلاً من ذلك انتهى به المطاف يزيد الصاع صاعين.

 

قال مينك إنه لم تكن لديه أدنى علاقة بالإفطار ولم يعلم من هو الحاخام عندما قابله، مضيفاً أن المناسبة نفسها أسيء تصويرها من قبل وسائل الإعلام، وهاجم موقع قناة الجزيرة العربي لكتابته “عنواناً خبيثاً مضللاً لصالح أجندة من الكراهية.”

 

وأومأ إلى أنه وجد نفسه واقعاً وسط توترات قائمة بين دبي والدوحة التي توجد فيها مقرات الجزيرة، وقال إن تلك أمور سياسية لا علاقة له بها إطلاقاً. وأضاف: “كانت الفكرة من الإفطار هي تقديم رمضان لغير المسلمين الذين يعيشون في الإمارات العربية المتحدة، وتلك فكرة لا بأس بها”.

 

وأضاف: “اطلعت على بعض التقارير الإخبارية التي كانت دقيقة في ما ذكرته، في بداية الأمر، من أن إفطاراً تم ترتيبه من قبل كذا وكذا حتى يتسنى لجميع الأديان التي تتواجد في الإمارات العربية المتحدة أن تلتقي معاً – والفكرة هي تعزيز الانسجام والتفاهم، وهكذا إلى آخره، وذلك صحيح”.

 

إلا أن رده خيب ظن الكثيرين، ومنهم أسامة الأعظمي، المحاضر في الدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة أكسفورد، الذي قال إن هجوم مينك على وسائل الإعلام لم يكن ضرورياً. وأضاف: “يبدو أن المفتي مينك يقوم بالكثير من الأعمال الجيدة لنشر رسالة الإسلام الإيجابية على مستوى العالم. وهذا من الطبيعي أن يعترف به وأن يقدر”.

 

ومضى الأعظمي يقول: “ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار ما يتمتع به من وضع عالمي، فيبدو لي مفهوماً أن تعبر بعض وسائل الإعلام عن استيائها من مساهمته، حتى وإن لم يكن عن قصد، في جهود الإمارات العربية المتحدة للتطبيع مع الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الوحشي في فلسطين.”

 

وأشار كثيرون آخرون إلى أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يلتقي فيها مع أشخاص لديهم مشاكل، ثم يثور في وجه من ينتقدونه على ما بدر منه. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، سافر مينك إلى ولاية كشمير المحتلة من قبل الهند ليبارك زواجاً داخل عائلة موالية للهند.

 

عندما انتقد على تواده لأفراد ضالعين في قهر المسلمين في كشمير، نشر مكتبه بياناً جاء فيه أن مينك لم يكن مطلعاً على تفاصيل الأوضاع في كشمير عندما سافر إليها. ومضى البيان يقول: “لو أنه كان يعرف مسبقاً مدى انقسام المسلمين في كشمير داخلياً لما قام بتلك الزيارة بتاتاً.”

 

لم يقر مينك بوجاهة الانتقادات التي صدرت بحقه ولم يبد اهتماماً بمعرفة المزيد عن جزء من العالم يعاني أهله من القهر والاحتلال. وبدلاً من ذلك مضى بيانه يقول: “ندعو الله أن يقينا تجمعات الكشميريين. فأنت لا تعرف من هو الذي يجلس بجانبك، ثم ينتهي بك الأمر لأن تنهال عليك الشتائم من كل جانب في كشمير.”

 

بينما قد يجد سبيلاً لتجنب المساءلة على رده اللاذع على من انتقدوا موقفه من كشمير، فإن قضية فلسطين شيء مختلف، فهي تبقى في الواجهة وفي القلب من الشعور الإسلامي على مستوى العالم.

 

وما كان لمثل هذا الأمر أن يمضي بسهولة.

 

المعركة على السردية

 

كتبت يوم الاثنين لمينك أطلب منه الإجابة عن عدد من الأسئلة بشأن زيارته لدبي والجدل الذي أثارته. سألته عن ما إذا كان لديه الاستعداد لتقديم مزيد من التفاصيل حول رحلته، ولماذا يستمر في السفر إلى دبي على الرغم من تجاوزات الإمارات العربية المتحدة كدولة، وما إذا كان يدرك كيف يعتبر جلوسه إلى جانب صهيوني بارز انتصاراً مؤزراً لكل من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

 

يشكر مينك على أنه رد على الخطاب.

 

بلهجة أكثر تصالحاً مما كان عليه الحال في مقطع الفيديو الذي نشره، قال مينك إن المحفز له في عمله، الذي يتضمن السفر حول العالم، هو بالدرجة الأولى “الدعوة وعلاج القلوب المنكسرة، وخاصة المسلمين، التي تناضل عبر العالم.”

 

وقال إنه يطمح في تقريب الناس من الإسلام وبناء علاقات وتفاهمات. ولتوضيح وجهة نظره أضاف: “أنا لست فطناً من الناحية السياسية.”

 

وفي ما يتعلق برحلته إلى دبي، قال مينك إنه سافر إلى هناك بدعوة من مركز المنار الإسلامي للمشاركة في ثلاث مناسبات في دبي. وقال إنه دفع تكاليف سفره بنفسه “كما أفعل دوماً”. وكان قد ألقى من قبل محاضرات في مركز المنار الإسلامي في عام 2019 وفي عام 2021.

 

وتوضيحاً لما جرى في اليوم الأخير، قال إنه في ختام المناسبة الأخيرة، قال له مضيفوه إنه مدعو من قبل إدارة الشؤون الإسلامية للمشاركة في إفطار، فقال إنه ذهب إلى هناك دون أن يزود بأي تفاصيل إضافية، ما أدى إلى جلوسه بجانب الحاخام.

 

وكما روى في بيانه المصور، قال إنه لم يكن على دراية بالدور الذي يقوم به الحاخام في الإمارات العربية المتحدة. وهذه المرة أضاف اعتراضاً إضافياً، حيث قال: “لو كنت أعلم لما شاركت.” ولكن وردت بعد ذلك العديد من التناقضات التي تفضي إلى جوهر هذه القضية الجدلية: المعركة على السردية.

 

سعت الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة إلى تقديم نفسها في صورة البلد المتسامح لدرجة أن هذا الطموح مدون ضمن استراتيجية القوة الناعمة للبلاد.

 

إلا أن الإشارة إلى “التسامح” مجرد غطاء لإخفاء ما تمارسه من سياسات قمعية. يقول الأعظمي: “لم تلبث الإمارات العربية المتحدة منذ ما لا يقل عن عقد من الزمن تعرب عن تصميمها على إيذاء المسلمين حول العالم، سواء في ما يتعلق بدعمها الحماسي لقمع الصين للمسلمين الإيغور، أو من خلال الترويج لعلماء مسلمين يدافعون عن القهر والقمع الذي يمارس ضد النشطاء الإسلاميين الديمقراطيين في الشرق الأوسط، أو من خلال الدعم الفعال للأحزاب اليمينية المتطرفة والكارهة للإسلام والمسلمين في الغرب.”

 

فعلى سبيل المثال، ضمنت الإمارات العربية المتحدة من خلال منتدى إفشاء السلام في المجتمعات المسلمة مساندة العديد من العلماء الإسلاميين البارزين لما تتبناه من سياسات، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، لدرجة أن اليهودية في الإمارات العربية المتحدة غدت الآن مرادفة لدولة إسرائيل.

 

وللتأكيد على هذا التساوق، صرح دوتشمان في آب/ أغسطس 2020 بأن احتضان الإمارات العربية المتحدة لإسرائيل “سوف يغير العلاقة بين اليهود والمسلمين في كل أرجاء العالم.”

 

سواء علم مينك ذلك أم لا، فإن دفاعه عن الإفطار ينسجم تماماً مع الحجج التي تسوقها الإمارات ويكاد يكون مطابقاً لما يصدر عنها من أقوال. فقد قال مينك: “لقد أعطت الجزيرة عربي المناسبة عنواناً مشاكساً وباطلاً وكذبت حين زعمت بأن الفكرة كانت تطبيع الأمور، في حين لم يتعد الأمر كونه إفطاراً مفتوحاً.”

 

إلا أن الحقائق تقدم لنا صورة مختلفة تماماً.

 

التلفيق الإماراتي

 

قبل أن تنشر الجزيرة عربي تقريرها، استخدمت الحكومة الإسرائيلية والسلطات الإماراتية الصور التي التقطت لمينك ودوتشمان لعرض صورة عن العلاقات الوثيقة بين الطرفين. والملاحظ أن مينك لم يحتج على ذلك. فقط عندما تعرض مينك للانتقاد بسبب مشاركته في مناسبة ترتبط بالتطبيع راح يزعم أن الجزيرة عربي تمارس الإفساد. ورداً على ذلك صرحت الجزيرة عربي لموقع ميدل إيست آي بأن المقالة كانت تتحدث عن مناسبة عامة نظمت في دبي وتمت تغطيتها من قبل وسائل إعلام أخرى، مضيفة أن المقال المذكور لم يحتو على ما يمكن أن يعتبر استهدافاً لأي شخص أو كيان بعينه.”

 

ولاحقاً، في مقابلته معي، قال مينك إنه منزعج بسبب استخدام كل طرف لتلك القصة لخدمة أجندته مؤكداً أنه بات ضحية صورة أو ربما شكل من أشكال التلاعب السياسي بين دول ومنصات إعلامية. ولكن من يتحمل وزر ذلك؟

 

علق الأعظمي على ذلك قائلاً: “ينبغي على المرء توخي الحذر الشديد عندما ينزل ضيفاً على حكومة الإمارات العربية المتحدة بأي صفة من الصفات. لسوء الحظ يبدو أن المفتي مينك لم يُحط علماً بتلك الجوانب من سجل الإمارات – وهو سجل بات معروفاً جداً بحيث لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه.”

 

هل يشعر بأنه استخدم من قبل الإماراتيين؟ سألته عن ذلك، فأجاب: “النوايا يعلمها الله. أما بالنسبة لي، فلا أظن أنهم استخدموني بسبب من أكون وإنما بسبب مظهري. فالصورة تظهر شخصاً مسلماً متديناً يلتقي مع شخص يهودي متدين. أظن أن وسائل الإعلام، بما في ذلك الجزيرة عربي، استخدمت الصورة بدون أن تعلم بالضبط من أكون.”

 

ولكن مينك شخصية عالمية في ما يعرف بالعالم الإسلامي الأكبر، وهو يشارك بأفكاره وصلواته بشكل يومي ما يقرب من 8.7 مليون متابع على تويتر. من غير المحتمل ألا يعلم الصحفيون في الجزيرة عربي من يكون. ولكن من باب الجدل دعونا نتصور أنهم لم يعرفوه، فهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً.

 

والحاخام دوتشمان هو نفسه ذلك الصهيوني الذي يسهل مهام التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وجلوس مينك إلى جواره مشكلة كبيرة، سواء علم ذلك أم لم يعلمه. وتحججه بوجود أناس آخرين من أديان أخرى في المكان، أو أنه لم يكن ثمة إشارة إلى أي مظهر من مظاهر التطبيع، فهو أيضاً كلام غير مقنع.

 

وإلا فلماذا يقول إنه لو علم من هو دوتشمان، أو ما الذي كان يمثله، لما شارك في الإفطار؟

 

بمعنى آخر، على الرغم من دفاعه، فيبدو أن مينك أدرك أن وجود دوتشمان في حد ذاته في مناسبة ترعاها الدولة كان ضاراً بما فيه الكفاية، وأنه لعب دوراً في إضفاء مشروعية على هذا الأمر.

 

لقد رأى بعد ساعات من تلك المناسبة كيف نشرت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحكومة الإسرائيلية الصور كدليل على أنها لا تحمل عداء للمسلمين حتى وهي تشن عدوانها على المصلين الفلسطينيين داخل المسجد الأقصى. كما أنه رأى أيضاً كيف استخدمت الإمارات العربية المتحدة وجوده مع الحاخام دليلاً يثبت ما تدعيه من تسامح.

 

للأسف، أنه لا يبدو أنه يجد في نفسه القدرة على الإقرار بذلك.

 

وهذا أمر محزن لأنه إذا لم يكن لدى زعماء المسلمين الاستعداد لبذل الوقت والجهد من أجل فهم ما يعانيه أهلهم، فهم لا يصبحون فقط متواطئين في ما يتعرض له المسلمون من قهر، بل إنهم يطبعون الجهل كذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى