أخبار عربيةالأخبارتونس

الأوضاع الاقتصادية في تونس مزرية

ازدادت الأوضاع الاقتصادية في تونس تأزما مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي فرضت على البلاد البحث عن موارد مالية إضافية لتغطية العجز الناجم عن ارتفاع أسعار المحروقات والقمح في الأسواق العالمية والذي لم يكن في حسبان من أعدوا ميزانية سنة 2022. فالميزانية المشار إليها، وباحتساب الأسعار القديمة، كانت تعاني من عجز فادح دفع بالحكومة إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي بحثا عن قرض يغطي هذا العجز، الذي تضاعف بعد ارتفاع أسعار القمع والمحروقات وسلع أخرى، فباتت تونس بحاجة إلى سيولات مالية إضافية تغطي العجز القديم والجديد على حد سواء وعدم الإكتفاء بقرض صندوق النقد الدولي في حال تم إسناده.

ويجمع خبراء الاقتصاد في تونس على أن تراجع التصنيف الإئتماني السيادي الذي حصل خلال الأيام الماضية سيزيد الأوضاع سوءا باعتباره سيزيد من فقدان المانحين للثقة في قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها في سداد قروضها في الآجال. وبالتالي بات يُخشى من أن تضطر الحكومة التونسية إلى الذهاب إلى نادي باريس للحصول على سيولات مالية لتغطية العجز الذي تعانيه بفعل عوامل عديدة منها ارتفاع كتلة أجور المنتمين إلى الوظيفة العمومية بعد أن حصلت انتدابات عشوائية في القطاع العام خلال العشرية الأخيرة.

فأغلب ما نالته تونس من هبات وقروض خلال السنوات الماضية من عدد من المانحين لم يتم إنفاقه على التنمية ولم يتم خلق الثروة من خلاله، وذلك ببعث مشاريع تنموية تعود بالنفع على البلاد، بل ذهبت نسبة هامة جدا من هذه الأموال لخلاص أجور موظفي القطاع العمومي وهو ما فاقم من الأزمة، ناهيك عن كثرة الإضرابات وتراجع الإنتاج والتصدير وغيرها. وهي عوامل أوصلت تونس إلى ماهي عليه اليوم من عجز حتى بات القريب يهين شعبها ويحط من شأنه قبل البعيد، ولم يرحم أحد ضعفها ووهنها ووضعها الإستثنائي الذي يمكن أن تمر به كل شعوب الأرض ولا أحد بمنآى عن هذه الهزات.

ولعل من العوامل التي ساهمت أيضا في مزيد تردي الوضع الاقتصادي، المتردي أصلا، هو انصراف رئيس الجمهورية قيس سعيد وتحت ضغط المعارضة والخارج إلى التفكير في الإصلاحات السياسية للتعجيل بالخروح من المرحلة الإستثنائية، وإهمال الشأن الاقتصادي. وبالتالي فقد وقع ساكن قرطاج في ما وقع فيه كل من حكموا تونس طيلة العشرية الماضية، أي اهمال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والالتفات إلى مسائل تهم النخبة السياسية بالدرجة الأولى على غرار البناء الديمقراطي والحقوق والحريات وإصلاح المؤسسات وغيرها.

فالشعوب الجائعة والفقيرة والبائسة والتي تمد يدها للديكتاتوريات الملكية والعسكرية المقنعة لا يمكنها أن تبني ديمقراطية، وفي حال نجحت سيكون بناؤها هشا ومعرضا للاهتزازات كما هو حال تونس التي استمرت فيها الاحتجاجات والإضرابات الاجتماعية بعد رحيل بن علي. فلا ديمقراطية بدون تنمية حقيقية يشعر المواطن بثمارها في حياته اليومية حتى يتحمس لها ويدعمها ويدافع عنها بكل ما أوتي من جهد خصوصا عند الأزمات والهزات والاضطرابات.

 

العملة الصعبة

 

لكن رغم هذا الوضع المزري اقتصاديا واجتماعيا يمكن لتونس، وفقا لتأكيدات عديد الخبراء الاقتصاديين، أن تتدارك أمرها وتتجنب أسوأ السيناريوهات خاصة إذا ما تمكنت من نيل القرض الذي تتفاوض من أجله مع صندوق النقد الدولي والذي يبدو أنه سيحظى بالموافقة في نهاية المطاف رغم المماطلة والتسويف والشروط المجحفة. ومن هذه الإجراءات، التي يمكن أن تساهم ظرفيا في الخروج من الأزمة، التكثيف من إنتاج الفوسفات الذي تضاعف سعره مرتين في السوق العالمية في ظل أزمة الغذاء التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية وهو الذي تستخرج منه الأسمدة الفلاحية ومشتقات أخرى.

كما وجب على الحكومة أن توقف نزيف تصدير المواد الغذائية الأساسية المدعمة إلى خارج الديار، حيث تباع هذه المواد في أسواق بعض البلدان المغاربية وفي أسواق النيجر ومالي بسعر الدعم، وبعض هذه المواد يقتنى بالعملة الصعبة على غرار مشتقات القمح اللين المتأتي من أوكرانيا. فالدولة التونسية باتت تقترض من الخارج لتنفق على شعوب بلدان أخرى من خلال مساهمتها في دعم المواد التي تصدر إلى هذه البلدان من قبل المهربين والمحتكرين.

كما أن القطاع السياحي بدوره يستنزف المواد الأساسية المدعمة وهو ما يساهم في جعل سعر الإجازة السياحية في تونس زهيدا جدا مقارنة بوجهات سياحية أخرى، وكأن الدولة التونسية تمول النشاط السياحي لغير التونسيين ومن قوتهم. وبالنهاية تذهب الأموال الطائلة المتأتية من السياحة إلى مؤسسات مالية ومصارف في بلدان أخرى لأن عددا هاما من أصحاب النزل السياحية لديهم حسابات بنكية في الخارج تحول إليها وكالات الأسفار الأجنبية الأموال بالعملة الصعبة فلا ينتفع الاقتصاد التونسي بالعملة الصعبة.

أما فيما يتعلق بمسألة استيراد القمح اللين من الخارج، والذي تسبب فيه تغير العادات الغذائية للتونسيين، يمكن للحكومة أن تعمل على تشجيع استهلاك منتوجات القمح الصلب الذي تنتجه تونس بكميات هامة مقابل التخفيض في استهلاك القمح اللين الذي يأتي من أوكرانيا وغيرها. كما بإمكانها، وعلى المدى البعيد، أن تساير التغيرات الحاصلة في العادات الاستهلاكية للتونسيين فتشجع الفلاحين على بذر القمح اللين بدلا عن القمح الصلب، وهكذا يتوقف استنزاف العملة الصعبة التي تذهب باتجاه صفقات غذائية لبلد مثل تونس لديه كل الإمكانيات، ليكون في طليعة منتجي ومصدري الغذاء في العالم.

لكن لا يبدو أن هناك إجراءات عملية قد تم اتخاذها بهذا الاتجاه، وكل ما قام به ديوان الحبوب كان ان اشترى مؤخرا أطنانا من القمح اللين بسعره الجديد المرتفع في الأسواق العالمية خشية من مزيد ارتفاع ثمنه خلال الأيام والأسابيع المقبلة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. فمن يديرون شؤون الدولة يكتفون على ما يبدو بتصريف الأعمال دون أن تكون لهم رؤية استراتيجية لاستشراف المستقبل الذي لا يبدو مطمئنا لكثير من التونسيين الذين بدأ اليأس يدب في أوصالهم نتيجة لعدم تحسن المؤشرات التنموية.

كما يمكن لتونس أن تذهب قدما باتجاه التسريع في نسق الاستثمار في الطاقات البديلة المتجددة وغير الملوثة وعلى رأسها الطاقة الشمسية وذلك لتغطية حاجياتها بالكامل في إنتاج الكهرباء، وهكذا ومع الوقت، تستغني تماما عن النفط والغاز وتتجنب مستقبلا الهزات والاضطرابات التي يتسبب فيها ارتفاع أسعار المحروقات. فالعصر هو عصر الطاقات غير الملوثة وهو يسير بهذا الاتجاه وسينتهي عصر النفط قريبا مثلما انتهى عصر الفحم الحجري، وما على الدولة التونسية إلا أن تستشرف المستقبل، وهي التي بدأت جديا ومنذ التسعينات في الاستثمار في هذه الطاقات، لكنها تأخرت كثيرا خلال العشرية الماضية.

فارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب على أوكرانيا أضر كثيرا بالاقتصاد التونسي باعتبار أن الإنتاج المحلي من النفط والغاز لم يعد يحقق الاكتفاء الذاتي منذ التسعينات وهو ما جعل البلاد تجنح إلى الاستيراد لتغطية عجز الإنتاج المحلي. ورغم الاكتشافات الجديدة من النفط والغاز، لا يبدو أن هذا هو الحل الأمثل على المدى البعيد، فالاستثمار في الطاقات البديلة هو الأساس، وهو الحل الجذري لعديد الأزمات، ومنها أزمة البطالة، حيث أن لهذه المحطات المنتجة للكهرباء بالطاقة الشمسية طاقة تشغيلية هامة وبإمكانها أن تكون حلا من بين حلول أخرى للقضاء على البطالة.

زر الذهاب إلى الأعلى