أخبار عربيةالأخبارالجزائر

إقالات مفاجئة لوزراء تثير الجدل والفضول في الجزائر

تعرض العديد من الوزراء في الجزائر لإقالات مفاجئة خارج سياق التعديلات الحكومية التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون منذ وصوله للحكم نهاية سنة 2019. وتختلف النظرة لهذه التغييرات بين من يراها بالفعل تصحيحا لزلات وأخطاء مهنية، وبين من ينتقد معايير التعيين في الأصل.

 

في آخر هذه الإقالات المفاجئة، أُطيح بوزير النقل عيسى بكاي الذي يشغل المنصب منذ يوليو الماضي إثر التعديل الحكومي الذي جاء بأيمن عبد الرحمن، رئيسا للوزراء، بعد الانتخابات التشريعية. وقبل ذلك، كان بكاي وزيرا منتدبا مكلفا بالتجارة الخارجية، في أولى حكومات الرئيس تبون التي قادها عبد العزيز جراد، وظل يحظى بثقته فيما تلاها من تعديلات حكومية.

 

وما أثار الجدل في إقالة بكاي فضلا عن طابعها الفجائي، تبريرها في بيان الرئاسة بارتكابه “خطأ فادحا” وهي عبارة لم يسبق استعمالها بشكل رسمي من قبل في التغييرات الحكومية، على الرغم من أن العديد من الوزراء أقيلوا ضمنيا للأسباب ذاتها. وولدت هذه العبارة فضولا كبيرا حول معرفة سبب الإطاحة بهذا الوزير الذي كان قبل 48 ساعة من ذلك، قد أعلن عن قرار زيادة الرحلات الجوية الدولية من وإلى الجزائر بـ108 رحلة في الأسبوع أغلبها نحو مدن فرنسية. فهل كان ذلك سبب غضب الرئاسة عليه؟ أم أن الأمر يتعلق بتسييره ملف السفن البحرية الجزائرية التي احتجزت في موانئ أوروبية خلال الأشهر الماضية؟ كل هذه الاحتمالات تبدو واردة في ظل امتناع المصادر الرسمية عن ذكر أسباب الإقالة.

 

وقبل شهر فقط من هذه الحادثة، عرفت وزيرة الثقافة وفاء شعلال المصير ذاته دون تبرير للأسباب أيضا، إلا أن ثمة شبه إجماع في الوسط الثقافي والسياسي، أن رحيلها كان بسبب لقاء تلفزيوني أجرته في القاهرة على هامش معرض الكتاب، وأدلت فيه بتصريحات اعتُبرت مسيئة لصورة البلاد. فقد ذكرت هذه الوزيرة لقناة مصرية، أن الجزائريين يفكرون بالفرنسية قبل أن يتكلموا بالعربية، وهي جملة أثارت غضبا عارما في الجزائر، كونها مفصولة تماما عن الواقع الثقافي للبلاد، ناهيك عن التبعات السياسية لمثل هذا الكلام في بلد يعتمد دستوره اللغة العربية كلغة رسمية، ويحاول مسؤولوه التخلص من استعمال الفرنسية في الأنشطة الرسمية.

 

وسبق إقالة وزيري الثقافة والنقل، حديث للرئيس تبون في لقاءاته الدورية على التلفزيون العمومي، يؤكد فيه أنه لا ينوي إجراء تعديل وزاري؛ لأن الحكومة في رأيه لا تزال حديثة عهد، وينبغي منحها مزيدا من الوقت، لكنه لم يستبعد تغييرات محدودة في حال وقوع أخطاء، وهو ما تأكد مع الوقت. وفي حالة الوزيرة شعلال، كانت أغلب ردود الفعل على الإقالة إيجابية مع تساؤلات حول أسباب الاختيار المستمر لشخصيات مجهولة المسار لتولي قطاع الثقافة.

 

لكن الإشكال بالنسبة للمعارضة وفق ما صرح به ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام في حركة مجتمع السلم لـ”القدس العربي”، أن هذه التغييرات “لا تزال تخضع  لنفس الممارسات التقليدية، إذ لا يعرف الرأي العام عن أي مسؤول ما هي معايير التعيين وما هي أسباب التنحية”، وهذا ما يبعد حسب المتحدث فكرة المحاسبة حال إخلال الوزراء بواجباتهم ولا يسمح بالنظر في حصائل المسؤولين على رأس قطاعاتهم وتقييمها.

 

وفي الحقيقة، لم تكن الإقالات وليدة هذه الفترة، بل تعود للأشهر الأولى لمجيء الرئيس تبون، كنوع من إظهار صرامة الرئيس الجديد في التعامل مع الوزراء الذين تبدر منهم تصرفات مسيئة للمنصب. وفي نهاية يوليو 2020، أُعلن عن إنهاء مهام وزير العمل، أحمد شوقي فؤاد عاشق يوسف، دون توضيح الأسباب. وتداولت مصادر إعلامية قبل ذلك بساعات، فيديو للوزير في شجار عائلي اضطرت على إثره مصالح الشرطة للتدخل، وهو أمر بدا مهينا لوزير يمارس مهامه. كما أعفي بالمثل، الإعلامي السابق سمير شعابنة من منصب كاتب دولة مكلف بالجالية، ساعاتٍ بعد إدراج اسمه في التعديل الحكومي بعد ثبوت امتلاكه لجنسية فرنسية، وهو ما يمنعه الدستور الجزائري على من يزاولون مهام عليا في الدولة.

 

ووصل الأمر في حالة وزير الموارد المائية السابقة أرزقي براقي لغاية إيداعه السجن بتهم فساد بعد تنحيته من المنصب، وهو أول وزير يلقى هذا المصير في فترة الرئيس تبون. ولم ينف الرئيس في إحدى لقاءاته أنه اضطر لتنحية وزراء بسبب أمور أخلاقية، كما انتقد علنا أداء بعض الوزارات قبل سفره الثاني لألمانيا للعلاج، ونجم عن ذلك تعديل وزاري اصطلح على تسميته بحكومة عبد العزيز جراد الثانية. وخارج دائرة الوزراء، كان الرئيس قد أنهى مهام العشرات من الولاة بعد فضائح أو تصريحات غير موفقة أدلوا بها وتحولت إلى قضايا رأي عام على مواقع التواصل.

 

ويعطي الدستور الجزائري صلاحيات حصرية لرئيس الجمهورية في تعيين وإقالة الوزراء. وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، زاوج الرئيس تبون بين الجانب السياسي والتكنوقراطي في اختيار الوزاء، بعد حصوله على أغلبية مريحة في البرلمان. ويوجد في الحكومة حاليا وزراء ينتمون لأحزاب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة البناء الوطني، وجبهة المستقبل إلى جانب وزراء يمثلون الأحرار، بينما ظلت الوزارات السيادية في يد وزراء غير متحزبين.

زر الذهاب إلى الأعلى