أخبار عالميةالأخبار

هل يقف رجل روسيا القوي على أرض صلبة في قراراته الأخيرة؟

لم يردع عديد من المبادرات والمحادثات الدبلوماسية والتهديد بالعقوبات الاقتصادية، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن أن يخرج يوم الاثنين 21 فبراير/شباط الجاري، على شعبه ويعلن خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي الروسي، إرسال قوات “حفظ السلام” إلى المنطقتين الأوكرانيتين المنفصلتين دونيتسك ولوغانسك، بعد الاعتراف بهما.

 

وأثار القرار المفاجئ، تنديداً واسعاً من حكومة كييف وعواصم المجتمع الغربي، التي اعتبرت بدورها أن موسكو أنهت آخر فصول “مسرحية استدراج أوكرانيا نحو الحرب”.

 

ولكن مراسم الإعلان عن القرار الروسي كشفت أيضاً وبشكل لافت، وجود بعض الخلافات والتصدعات داخل الكرملين ذاته، بما يُفقِد بوتين بالتالي الإجماع والالتفاف الذي كان ينتظره، لتوجُّهه الأخير في مسار الصراع. ويُطرَح بذلك عديد من التساؤلات أيضاً حول حجم هذه المعارضة والأطراف التي تقف وراءها، ومدى أهميتها في مستقبل الصراع.

 

قرار بوتين.. بين التأييد والرفض

 

في أول اجتماع متلفز لمجلس الأمن القومي الروسي، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بويتين من وزرائه إبداء آرائهم وتقديم توصياتهم، بشأن الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك.

 

وكان رد وزير الخارجية سيرجي لافروف، بالإشارة إلى أن مطالب روسيا بالحصول على ضمانات أمنية “ليست إنذاراً نهائياً”، كما لفت انتباه بوتين في تلك الأثناء إلى أنه “في مؤتمر ميونخ الأمني الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي، أعلن كل ممثل غربي التزامه المطلق نهجاً موحداً، بما يؤكد حاجتنا إلى التفاوض مع واشنطن”.

 

من جانبه أيد وزير الدفاع سيرجي شويغو قرار الرئيس الروسي، باعتبار أن “أوكرانيا يمكن أن تحصل على أسلحة نووية فتشكّل تهديداً أكبر من إيران أو كوريا الشمالية”.

 

فيما لعب رئيس مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف، على وتر بوتين الحساس قائلاً: “الدول الغربية تُخفِي هدفها الحقيقي المتمثل في تدمير الاتحاد الروسي”، ليبدو بذلك إغلاق كل منافذ الدبلوماسية والتفاوض مع الجميع مُحِقَّة.

 

وبينما أجمع أغلب الآراء على تأييد قرار الاعتراف بالمنطقتين الأوكرانيتين المنفصلتين، وإرسال مزيد من قوات “حفظ السلام” إلى هذه الأراضي، كانت المفاجأة الأهمّ تحت قبة غرفة الدولة الكبرى في الكرملين، تصريح رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين.

 

فبعد أن كان بوتين يتلقى بابتسامةٍ أجوبةَ وزرائه المنسجمة مع طموحه وتوجهاته، أثارت تصريحات ناريشكين غضبه الشديد، إذ ردّ رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي على تصريح بوتين بأن “التهديد بالاعتراف بدونيتسك ولوغانسك سيكون وسيلة ضغط مفيدة لتنفيذ اتفاقيات مينسك لعام 2015 لتسوية الصراع في المنطقة الشرقية، لكن الاعتراف اليوم بالجيبين الانفصاليين على أنهما مستقلان من المحتمل أن يعرقل أي فرصة للاتفاق”.

 

وحاول بوتين رغم ذلك ممارسة مزيد الضغط على ناريشكين، لحشد أتباعه وضمان المسؤولية الجماعية للقرار، قائلاً لناريشكين: “تحدث بوضوح، هل تؤيد الاعتراف؟”، ولم تكن إجابة الأخير بـ”سأفعل” كافية، إذ ألحّ بوتين في سؤاله مرة أخرى: “تفعل، أم ستفعل؟” وعلى عكس المنتظر أجاب ناريشكين بصوت متلعثم: “أدعم جلبهما إلى روسيا”.

 

أثار الجواب مزيداً من انزعاج الرئيس الروسي الذي صرخ في رئيس جهاز الاستخبارات: “هذا ليس ما نناقشه. هل تؤيد الاعتراف بالاستقلال؟”، حينها أجاب ناريشكين: “نعم”.

 

اعتبر خبراء ومحللون أن هذه اللحظة التي شابها كثير من التوتر، قد تمثّل في المستقبل نقطة تحوُّل في حكم بوتين، كما تنطوي في داخلها على مزيد من الشقوق التي تعارض توجهات الرئيس الروسي الأخيرة، وتصعيده الخلاف مع الغرب.

 

هل ينجح بوتين في حشد التأييد؟

 

إن كانت معارضة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين، الأكثر وضوحاً، فإن مسؤولي البيت الأبيض أكدوا بدورهم بوادر خلافات أخرى داخل القيادة الروسية، حسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

 

وجاء في التقرير أن عدداً من الجنرالات المتقاعدين الروس انتقدوا من جانبهم أيضاً خطة الغزو وعبّروا عن رفضهم التوجهات الأخيرة.

 

كما كشف آخر استطلاع للرأي، دعماً محدوداً داخل الشارع الروسي للحرب، وبدورها انتقدت أصوات من المثقفين الروس البارزين قرارات بوتين، علناً في تَحدٍّ واضح له.

 

في السياق ذاته لفتت صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى أن مشهد اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي، الذي عرضته المحطات التليفزيونية الاثنين، كشف بشكل لافت العزلة التي أصبح عليها الرئيس الروسي، الذي بدا غير مستعدّ لمناقشة الأفكار، إذ “جلس بوتين بمفرده إلى الطاولة بعيداً، وهو يتفحص مرؤوسيه من بعيد، بينما كانوا يتجولون في الكراسي بشكل محرج في انتظار دورهم لاستجواب رئيسهم لهم” حسب وصف الصحيفة.

 

واعتبر خبراء ومحللون أن الخطاب العاطفي الذي ألقاه بوتين، بعد وقت قصير من اجتماعه، يُعَدّ استكمالاً لمحاولاته في حشد التأييد وكسب الدعم الشعبي لخطته، وركز في هذا الإطار على أن أوكرانيا أصبحت “مستعمرة غربية بنظام دمية”، وبالتالي لا تستحق أن تكون مستقلة عن روسيا، حسب قوله، محذراً من حصولها على الأسلحة النووية.

 

واستحضر الرئيس الروسي الخطاب القومي، لاستنفار مشاعر الروس قائلاً: “نتعرض للابتزاز ويهددوننا بعقوبات، هي ذريعة جديدة ستُوجَد أو تُلفَّق على الدوام. بصرف النظر عن الوضع في أوكرانيا، لماذا؟ لإبقاء روسيا في الخلف ومنعها من التطور… فقط لأننا موجودون”.

زر الذهاب إلى الأعلى