أخبار عالميةالأخبار

الأزمة بأفغانستان سياسية وأمريكا طرف فيها

تناولت الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري، في مقال لها نشره المعهد المصري للدراسات، ما تعيشه أفغانستان من أزمات بالوقت الحالي، بعد وصول حركة طالبان إلى الحكم بعد سيطرتها على كابول العام الماضي.

 

وكان لافتا إشارة الصحفية بوري إلى أنه بحسب واقع وجودها مؤخرا في أفغانستان، فإنها تؤكد بأن الأزمة فيها سياسية أكثر منها إنسانية، على عكس ما يروج له المجتمع الدولي.

 

وأوضحت أن الأزمة تأتي بالأساس من قرار الولايات المتحدة بتجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني، مؤكدة أنه “بذلك جمّدت معه الاقتصاد الأفغاني بأكمله”.

 

وشددت على أنها “ليست أزمة إنسانية، بل هي أزمة سياسية. أنت لا تموت اليوم في أفغانستان. بل تُقتل. وليس من طالبان. الجميع يتحدث الآن عن حقوق المرأة، لكن الحق الأول هو الحق في الحياة”.

 

وتاليا النص الكامل للمقال:

 

لقد أنفقت الولايات المتحدة 143 مليار دولار على التنمية في أفغانستان، حيث يمثل هذا المبلغ 6% فقط مما أنفقته على الحرب هناك على مدى عشرين عاما: لكنه مع ذلك يفوق ما أنفقته على خطة مارشال[1] التي أعادوا بناء أوروبا من خلالها. لكن الواقع أنه عندما جاء الأمريكيون إلى أفغانستان، كان هناك واحد من ثلاثة من الأفغان معرضين لخطر المجاعة، لكنهم عندما انسحبوا منها، أصبحت هذه النسبة واحدا إلى اثنين.

 

ومع ذلك، ففي حسابات البنتاغون سُجلت مشاريع على أنها أُنشئت في أفغانستان على شاكلة مشروع استيراد تسعة من الماعز الإيطالي[2] لإحياء صناعة النسيج هناك، حيث دفعوا في سبيل ذلك 6 ملايين دولار، وليس لدى أي أحد الآن أدنى علم عن مكان وجودهم (الماعز).

 

لقد استولى الأمريكيون على كابول في أقل من ستة أسابيع، مع سقوط 20 من الضحايا، بزيادة ضحية واحدة عما حدث في غزو جرينادا[3]. وكانوا يتوقعون البقاء هناك لفترة قصيرة، حتى إنه لم يكن في باجرام دُش حمّام واحد، وكان يتم شحن الملابس المتسخة على متن طائرة هليكوبتر ليتم تنظيفها في أقرب مغسلة، في أوزبكستان. والآن، أصبحت باجرام إحدى أكبر القواعد العسكرية للولايات المتحدة في الخارج، حيث تضم 30 ألف جندي يتعاملون مع منتجات هارلي ديفيدسون.

 

وبعد أفغانستان، انتقل الأمريكيون إلى غزو العراق، التي قصفوها بهدف إخضاعها بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن لديها من الأساس.

 

وماذا كانت النتيجة؟ ظهور الدولة الإسلامية.

 

في أفغانستان، كانت ساحة المعركة الأكثر دموية هنا هي “سانجين”، وهي مدينة تقع في ولاية هلمند، جنوبي أفغانستان، ويقطنها 20 ألف نسمة، التي تُعتبر معقل حركة طالبان. وكذلك إنتاج الأفيون. وللوصول إليها، عليك قيادة السيارة لساعات على امتداد طريق لا ترى فيه سوى اللون الأصفر، من الرمل الأصفر إلى الغبار الأصفر. ومن وقت لآخر، يتحول هذا اللون الأصفر إلى اللون الرمادي. عندما ينفجر لغم. أو تسقط قنبلة؛ وذلك لأن هذا ما تبدو عليه أفغانستان خارج مدينة كابول، مجرد حطام، وأطلال وبقايا جدران، حيث كانت طائرات بي 52 التي تكلف 70 ألف دولار لكل ساعة طيران واحدة، كانت تسوي تلك المنازل الطينية التي لا تزيد تكلفة الواحد منها ثلاثمئة دولار. تظل وسط هذه الأطلال حتى تخبرك خرائط جوجل فجأة، وأنت وسط اللامكان، وتقول؛ إنها سانجين، فعندها تُدرك أنك قد وصلت.

 

وذلك لأن سانجين، بكل بساطة، لم تعد موجودة.

 

لكل أمريكي سقط في تلك الأثناء هناك اسم، وصورة، وقصة. أما الضحايا من الأفغان، فلا يحظون حتى بمجرد “رقم”، حيث لا يتم إحصاء من سقط منهم أبدا.

 

ومع ذلك، فإن كل القلق الآن ينصب حول حركة طالبان؛ فعندما تتحدث عن أفغانستان، فإن السؤال الوحيد الذي يُطرح عليك هو: كيف هم؟ هل ما زالوا يقطعون أيدي اللصوص؟ هل ما زالوا يرجمون الزناة حتى الموت؟ هل مازالوا يهشمون أجهزة التلفزيون؟ أم إن الحركة أصبحت مختلفة عما كانت عليه قبل عشرين عاما؟ بكل صراحة، أنا بالفعل لا أعلم. أن تكون أجنبيا لا يمكن أن يكون مثل أن تكون أفغانيا، خاصة في ظل الوضع الحالي؛ فحركة طالبان تريد اعترافا دوليا بها، والسماح بدخول المساعدات، ولذلك فأنت تراهم جميعا تبدو عليهم ملامح الطيبة.

 

وبالمناسبة، فإن متوسط العمر هنا هو 18.4 سنة. لكن في الأساس، أنا لا أعرف تفسيرا للوضع، ربما لأنه لا أحد يعرف عن ذلك شيئا حتى الآن، ولا حتى طالبان نفسها.

 

وعلى عكس الحركات الإسلامية الأخرى، فإن طالبان لم تقم بإنشاء حكومة ظل، ولم يكن لديهم أبدا جناح عسكري وجناح آخر مدني، حيث إنهم كانوا فقط مجرد مقاتلين.

 

وتُعرف أفغانستان بأنها بلاد الجبال، التي يبلغ متوسط ارتفاعها 1,884 مترا، في المتوسط: وهي بلاد الوديان كذلك، حيث تضم مجتمعات اعتادت الحكم الذاتي. لقد اعتادوا الاعتماد على أنفسهم فقط، وليس على أحد آخر.

 

وهكذا، فإن كل شيء هنا يبدوا جديدا، حتى بالنسبة إلى طالبان. لقد كنا معا في سانجين، حيث كانت المرة الأولى بالنسبة لي أن ألتقي بهم، ولكنهم أيضا لم يسبق لهم أن تقابلوا مع فتاة. وعندما التقينا، كنت أفكر في مظهرهم الذي يبدو في غاية الغرابة، من حيث ردائهم، وعمامتهم، وعباءتهم، كما لو كانوا قد جاؤوا من حقبة أخرى من الزمن، عندما فاجأني أحدهم وهو يشير إلى حذائي الرياضي من ماركة كونفيرس، وهو يقول؛ إنكِ تبدين غريبة جدا (بهذا الحذاء).

 

فهم لا يوجد معهم سوى بندقية كلاشينكوف. وحتى الآن بعد انتهاء الحرب، تراهم ينظمون حركة المرور وهم يتأبطون أسلحتهم، على الرغم من أنه حتى تتمكن من تنظيم حركة المرور، فأنت بحاجة أكثر إلى إشارات مرور بدلا من السلاح. لكن هذا الأمر يتم بشكل كلاسيكي تماما.

 

أما بالنسبة للعديد من الأفغان، فطالبان هي أهون الشَّرَّيْن، ولهذا السبب فقد عادوا مرة أخرى إلى السلطة.

 

وبسبب فشلنا، فإن حركة طالبان أصبحت هي أهون الشَّرَّيْن.

 

لكن كما اعتدنا، تدور جميع عناوين الأخبار الآن حول أزمة إنسانية. وقالت الأمم المتحدة أيضا؛ “إنها أسوأ أزمة شهدناها على الإطلاق”، داعية دول العالم إلى تقديم المساعدات: حيث قالت إن مليون أفغاني على وشك الموت.

 

وبهذه الطريقة، فإن الأمر سيبدو وكأنه بسبب البرد والشتاء القارس، رغم أن الحقيقة أنه ليس كذلك.

 

الأزمة تأتي بالأساس من قرار الولايات المتحدة بتجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني، وبذلك جمّدت معه الاقتصاد الأفغاني بأكمله. كل شيء موجود هنا، بما في ذلك كل أنواع المواد الغذائية. والدولارات التي يمكن دفعها للحصول على هذه المواد موجودة أيضا، لكنها عالقة هناك داخل الحسابات المصرفية.

 

إنها ليست أزمة إنسانية، بل هي أزمة سياسية. أنت لا تموت اليوم في أفغانستان. بل تُقتل. وليس من قِبل طالبان. الجميع يتحدث الآن عن حقوق المرأة، لكن الحق الأول هو الحق في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى