ملفات ساخنة

كيف انتصرت تركيا على العقوبات الأمريكية وأنتجت مدفعها البحري؟

انطلاقاً من مقولة نيتشه الشهيرة: “ما لا يقتلك يجعلك أقوى”، في كتابه “شفق الأصنام”، تمكنت تركيا خلال فترة زمنية قليلة جداً من التغلب على العقوبات الأمريكية المعروفة باسم “كاتسا” التي تحظر بيع الأسلحة المتطورة والتقنيات العسكرية عقاباً لتركيا على شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400” قبل أعوام، وأنتجت هذه المستلزمات والتقنيات الحديثة تباعاً بإمكانيات محلية خالصة.

 

ومن ضمن الأسلحة التي طورتها تركيا عقب العقوبات الأمريكية، هو المدفع البحري من طراز 62/76 مليمتر الذي طورته شركة الآلات والصناعات الكيماوية التركية (MKE) خلال فترة قصيرة من أعمال البحث والتطوير التي استمرت 12 شهراً فقط، ونجح في تجاوز أولى اختبارات الإطلاق قبل أسابيع.

 

وبهذا الإنجاز لم تتمكن تركيا من تصنيع مدفعها البحري الوطني بنصف سعر التكلفة وحسب، بل حجزت لنفسها مقعداً داخل نادي الدول الكبرى المصنعة لهذا النوع من الأسلحة التي لا يتجاوز عددها الـ8 دول.

 

من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رسالة مصورة، الخميس، بعثها لبرنامج اختبار المدفع البحري، إن البحرية التركية ستزيد قوات بلاده قوة بمجرد دخولها حيز الاستخدام، واصفاً هذا اليوم بالتاريخي للصناعات الدفاعية التركية.

 

وأوضح أن المدافع تعتبر من أهم الأنظمة القتالية بالنسبة للقوات البحرية، متمنياً نجاح الاختبارات الجارية حالياً.

 

الدوافع وراء توطين إنتاجه

 

حتى وقت كانت تركيا كما هو حال العديد من الدول الكبرى، تستورد المدافع البحرية من عيار 76 ملم من شركة (Oto Melara) الإيطالية التي تستحوذ على سوق صناعة المدافع البحرية وتصديرها على مستوى العالم.

 

إلا أنه وتحت الضغوط الأمريكية رفعت الشركة الإيطالية أسعار المدافع التي كانت تعتزم توريدها لتركيا حتى تصعب عملية شرائها من طرف تركيا، الأمر الذي رأت فيه أنقرة مسألة أمن قومي كونها تستخدم هذه النوع من المدافع بكثر فوق قطعها البحرية المنتشرة فوق “وطنها الأزرق”، فضلاً عن تركيبها على سطح السفن الحربية صغيرة الحجم ومتوسطة التي تصنعها من فئة “أدا” و”أناضولو” وغيرها.

 

وفي هذا السياق كشف الرئيس أردوغان في رسالته المصورة أنه “في إطار حملة تطوير صناعاتنا الدفاعية، ركزنا منذ نحو عام على صناعة المدفعية البحرية المحلية، لأن هدفنا تخليص بلادنا من التبعية للخارج” في هذا القطاع.

 

وأردف: “واجهنا في الفترة الأخيرة مشاكل في استيراد احتياجاتنا، كما تعرضنا لبعض أنواع الحظر المعلن وغير المعلن، لذا قررنا تكثيف جهودنا لتخليص صناعاتنا الدفاعية من التبعية للخارج وتمكنا خلال فترة وجيزة من إنتاج هذا المدفع البحري”.

 

وعليه حثت مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية الشركات والمهندسين الأتراك من أجل تطوير سلاح مشابه بإمكانات محلية خالصة، وهو ما تحقق في النهاية. وبهذا تكون تركيا قد ضمت إلى قائمة المنتجات التي جرى توطينها في السنوات الأخيرة، مدفعاً بحرياً متطوراً وحديثاً لا تنتجه سوى الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا.

 

مواصفات المدفع التركي

 

يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، شاركت شركة الآلات والصناعات الكيماوية التركية (MKE) على حسابها على موقع تويتر فيديو يظهر تجربة الاختبار الأولى على مدفعها البحري الجديد، معنونةً الفيديو بعبارة مصطفى كمال أتاتورك الشهيرة: “النصر لمن يقول إن النصر ملكي”، وكاتبةً إياها على الطلقة الأولى التي أطلقتها بنجاح ضمن تجربة الإطلاق الأولى.

 

ونظام المدفع يتكون من سلاح يبلغ مداه الأقصى نحو 16 كيلومتراً وسبطانة قطرها 79 ميليمتراً وطولها 4700 ملميتراً. فيما يزن النظام 7 آلاف و500 كيلوغرام من دون ذخيرة، ونحو 8 آلاف و500 كيلوغرام وقت حشوة بالذخيرة.

 

والمدفع قادر على إطلاق 80 طلقة في الدقيقة الواحد بشكل آلي عبر أنظمة تحكم خاصة به، وهو فعال ضد الأهداف البرية والبحرية والجوية.

 

من المتوقع أن يكون المدفع البحري الوطني الذي سيجري تركيبة فوق سطح فرقاطة إسطنبول محلية الصنع، جاهزاً للاستخدام في غضون عام واحد فقط. كما وسيكون بالإمكان استخدامه فوق جميع القطع الهجومية والفرقاطات من فئة “غابيا”، فضلاً عن السفن الحربية التي يجري إنتاجها ضمن مشروع “ملغم” الخاص بتطوير وتصنيع السفن الحربية الوطنية.

 

نادي النخبة

 

يرى الباحث الدفاعي والبحري كوزان سلجوق إركان الذي تحدث لموقع (TRT  Haber)  أن أصعب جزء في إنتاج المدافع البحرية على نطاق واسع يبدأ بمعرفة التكنولوجيا الصناعية الخاصة به، ويقول: “إن أصعب شيء في إنتاج المدافع البحرية يكمن في الطريقة التي تمكنها من إطلاق النار بدقة أثناء الحركة، دون الوقوف ساكناً، كما هو الحال على الأرض، تحت ظروف صعبة”.

 

وأضاف إركان قائلاً: “المدفع البحري هو سلاح مكلف للغاية ويصعب تصنيعه، وقلة من دول العالم تستطيع تصنيعه. وبفضل (MKE) دخلت تركيا نادي النخبة هذا لأول مرة”.

 

وبهذا الإنجاز تكون تركيا قد حجزت مقعداً لها بين الدول الأفضل في العالم في مجال تصميم وتطوير السفن الحربية بنسبة ووطنية ومحلية مرتفعة، وبالأخص بعد نجاحها في تطوير وإنتاج العناصر والأنظمة التي تشكل التكلفة الأعلى في مثل هذه المشاريع، مثل أنظمة الإطلاق وأنظمة الاستشعار.

زر الذهاب إلى الأعلى