ملفات ساخنة

قصة نزع الحجاب وبائع اللبن الذي أطلق شرارة النضال التركي ضد المحتل الفرنسي

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وما نتج عنها من هزيمة لـ”قوات المحور” التي كانت الدولة العثمانية تشكّل جزءاً منها إلى جانب الإمبراطورية الألمانية وحلفائها، أجبرت “دول الحلفاء” الحكومة العثمانية على القبول بتوقيع هدنة موندروس في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1918، التي أنهت الصراع العسكري بين الطرفين، ومهدت الطريق أمام الاحتلال الغربي للأراضي التركية.

 

وتزامناً مع الاحتلال الغربي لأراضي الأناضول ورومالي والعاصمة إسطنبول، أشعل مصطفى كمال أتاتورك برفقة أصدقائه بالسلاح شرار النضال الوطني التركي وحروب الاستقلال التي استمرت لقرابة أربعة أعوام، من منتصف عام 1919 حتى انسحاب آخر جندي إنجليزي من إسطنبول في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1923.

 

وتخلل فترة النضال الوطني التركي كثير من البطولات التي خلّدها التاريخ، من أبرزها قصة بائع اللبن المعروف باسم “سوتشو إمام”، الذي أطلق الرصاصة الأولى في وجه المحتلّ الفرنسي في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 1919، وأشعل الثورة ضدّ المحتلّ الفرنسي في ولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا، لتحريرها من المحتلّ الفرنسي بعد أقلّ من 4 أشهُر.

 

القوات الفرنسية تحتلّ قهرمان مرعش

 

حسب المصادر التاريخية، فإن المحاولة الأولى لغزو مرعش بدأت بعد 4 أشهر من توقيع هدنة موندروس، تحديداً في 22 فبراير/شباط 1919، بعدما دخلت قوات الاحتلال البريطاني المدينة بقيادة العقيد ماكس أندريو.

 

وبعد ثمانية أشهر من الاحتلال البريطاني للولاية، احتلّ الفرنسيون قهرمان مرعش في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1919.

 

قوبلت الأخبار التي تنذر بقرب وصول الجنود الفرنسيين القادمين من مناطق عنتاب وأضنة إلى ولاية مرعش بحماس كبير من الأرمن المحليين، الذين درّبهم الفرنسيون وجنّدوهم ضمن صفوفهم، لعلمهم بجغرافيا المدينة وسكانها، للقضاء على المقاومة الشعبية في المدينة والمناطق المحيطة بها.

 

قصة بائع اللبن “سوتشو إمام”

 

في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1919، بعد يومين من دخول قوات الاحتلال الفرنسي إلى المدينة، وبينما كان “سوتشو إمام” (تعني بالعربية “إمام بائع اللبن”، واسمه الأصلي إمام، ليس لقبه أو وظيفته) يمارس عمله، هاجم جنديان أحدهما فرنسي والآخر أرمني ثلاث تركيات محجبات كُنّ خارجات من حمام “أوزنولوك” التاريخي، وحاولوا نزع حجابهن قائلين: “هذه الأرض أصبحت مستعمرة فرنسية، ولا يمكنكن التجول بالحجاب هنا”.

 

عندما أُغمِيَ على إحداهن بسبب الهجوم، صرخت الأخريات طلباً للنجدة، فجاء أهالي مرعش الذين كانوا يجلسون في المقهى إلى مكان الحادثة وحذّروا الأرمن، لكن الجنود استمروا في مضايقتهم، فيما حاول أحد الباعة التدخل للدفاع عن السيدات، إلا أن الجنديين أطلقا عليه الرصاص وقتلاه.

 

إثر ذلك لم يتمالك “سوتشو إمام” نفسه، فأخذ سلاحه وأطلق النار على الجنديين مُردِياً الفرنسي قتيلاً، ومصيباً الأرمني بجروح خطيرة مات لاحقاً بسببها.

 

في أعقاب الحادثة، حاول الفرنسيون ومن يعاونهم من الأرمن جاهدين القبض على “سوتشو إمام”، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك على الرغم من تفتيش جميع بيوت المدينة واعتقال ابن خاله وقتله بعد قطع أنفه وأذنيه لترهيب المواطنين.

 

“سوتشو إمام” أحد أبرز أبطال النضال التركي

 

كانت رصاصة “سوتشو إمام” الشرارة الأولى التي أشعلت حركة النضال الوطني ضدّ المستعمر الفرنسي في قهرمان مرعش، التي استمرت حتى تحرير الولاية في 11 فبراير/شباط 1920.

 

وبعد تحرير المدينة كوفئ “سوتشو إمام” وعُيّن في البلدية، ثم في تشغيل المدافع بقلعة قهرمان مرعش. وعندما عيّن البرلمان التركي عبد المجيد سلطاناً، ذهب “سوتشو إمام” إلى القلعة لرمي 101 كرة من المدافع حسب البروتوكول المعمول به وقتها، لكنه في أثناء ذلك أُصيبَ بحروق شديدة بعد حادثة اشتعال البارود، توُفّي على أثرها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1922، ودُفن في مقبرة مسجد تشينارلي.

 

وبعد وفاته بَنَت بلدية قهرمان مرعش في عام 1936 وفي نفس مكان الحادثة، نصباً تذكارياً تظهر فيه صورة امرأة محجبة، والجنرال يمسك بالحجاب، والبطل “سوتشو إمام” يقتله رمياً بالرصاص. وإلى جانب عديد من الأماكن والميادين والشوارع التي تحمل اسمه، حوّلَت قيادة الأحكام العرفية قبره إلى ضريح عام 1980.

 

ورأت الحكومة التركية خلال فترة تأسيس جامعة قهرمان مرعش أن من الواجب تكريم “سوتشو إمام” بإطلاق اسمه على الجامعة، التي أصبح اسمها “جامعة قهرمان مرعش سوتشو إمام”.

زر الذهاب إلى الأعلى