أخبار عالميةالأخبار

واشنطن بوست: عصر الامتياز الأميركي انتهى

فن الحكم الناجح يربط المصالح بالظروف، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة قاد جيل من رجال الدولة أدرك هذه الحقيقة الجوهرية إعادة توجيه جذرية لسياسة الولايات المتحدة الأساسية، وكانت النتيجة نصف قرن من التفوق الأميركي العالمي.

 

هكذا استهل أندرو باسيفيتش، رئيس معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، مقاله في صحيفة واشنطن بوست  (Washington Post)، مشيرا إلى أن عصر التفوق الأميركي انتهى الآن، وأن ضرورة اللحظة الحالية توجب تعديل سياسة الولايات المتحدة تبعا للظروف المتغيرة بسرعة.

 

وذكر الكاتب أنه في العقدين الماضيين منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 سعى أعضاء مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية إلى إتقان هذه القضية أو تجنبها، لكن فشل الحرب الأميركية التي استمرت 20 سنة في أفغانستان يوحي أن هذا الأمر لم يعد ممكنا.

 

وأشار باسيفيتش إلى نقطة أساسية ذكرها جورج كينان، مدير تخطيط السياسة في الخارجية الأميركية، في كتاباته عام 1948 عندما قال “لدينا نحو 50% من ثروة العالم، ولكننا نمثل فقط 6.3% من سكانه. لذا فإن مهمتنا الحقيقية في الفترة المقبلة هي ابتكار نمط من العلاقات يتيح لنا الحفاظ على هذا الوضع من التفاوت”.

 

ومع وضع هذا الهدف في الاعتبار، قام شركاء كينان، وعلى رأسهم جورج مارشال ودين أتشيسون وجيمس فورستال وبول نيتز، بسلسلة من المبادرات التي تهدف إلى إدامة هذا الموقف من التفاوت، حيث تركز نهجهم على ابتكار آليات لإبراز القوة الأميركية على مستوى العالم.

 

وألمح الكاتب إلى أن من بين أشهر مبادراتهم كانت عقيدة ترومان وخطة مارشال وحلف شمال الأطلسي. وأردف بأنه لم ينجح كل شيء كما كان مخطط له، ونتج عن ذلك خطأ كبير وحماقة في التقدير أسفرت عن سباق تسلح محموم؛ وظهور مجمع صناعي عسكري فاسد ومواجهة مع معركة فاصلة خلال أزمة الصواريخ الكوبية وحرب سارت بشكل خاطئ في فيتنام.

 

ولكن بشكل عام، خلال الحرب الباردة التي استمرت عقودا، تمتع الأميركيون بأسلوب حياة جعل الولايات المتحدة موضع حسد العالم بسبب الحرية والديمقراطية والازدهار، أو هكذا كان الاعتقاد الراسخ لدى معظم الأميركيين.

 

وأضاف باسيفيتش أن نهاية الحرب الباردة ساهمت في تأكيد مثل هذه القناعات، ومن ثم فقد أدى انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الشيوعية إلى إثارة بعض الأفكار الأخرى فيما يتعلق بنموذج استعراض القوة الراسخ الآن.

 

واستجابة للهجوم الإرهابي على نيويورك وواشنطن، رد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الصاع صاعين، واصفا العدو الجديد للأمة بأنه “ورثة كل الأيديولوجيات القاتلة” في القرن الماضي، وأن الولايات المتحدة سوف تتعامل معها بالضبط كما تعاملت مع “الفاشية والنازية والاستبداد”، وسيحدد الماضي القريب مستقبل أميركا.

 

وبناء على طلب بوش شنت أميركا حربا عالمية على الإرهاب استهدفت “محور الشر” الذي يتألف من 3 دول غير متورطة في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهي العراق وكوريا الشمالية وإيران.

 

وعلى عكس هذه الدول الثلاث، كانت أفغانستان قد احتلت مكانة في الهجوم الإرهابي، ولكن عمليا في الحرب العالمية التي تلت ذلك لم تكن أفغانستان سوى مجرد فكرة لاحقة، وتكمن أولويات واشنطن في مكان آخر.

 

وتابع الكاتب أنه بحلول هذا الوقت بدأ الترابط بين سياسة الولايات المتحدة وموقف التباين لدى كينان في الانهيار. وبحلول عام 2000 شكلت الولايات المتحدة 32.6% من ثروة العالم. وبعد عقدين فقط، تقلصت حصة أميركا من الثروة العالمية إلى أقل من 30%. وفي الوقت نفسه كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل أميركا نفسها تتزايد بسرعة فائقة، مما ساهم في حدوث اضطرابات داخلية عميقة.

 

ولم تعد عبارة “حرة وديمقراطية ومزدهرة” كافية لوصف أميركا المعاصرة، حتى في أعين العديد من الأميركيين، ولم تعد تنفع صيغة ما بعد الحرب للحفاظ على مركز الامتياز العالمي.

 

وخلص الكاتب إلى أن الحرب الأميركية في أفغانستان انتهت بإذلال مرير، ولكنها ينبغي أن تكون أيضا بمثابة جرس إنذار بأن عصر الامتياز الأميركي ذهب بلا رجعة.

 

واختتم مقاله بأن المهمة الأكثر إلحاحا في الفترة المقبلة هي ابتكار نمط من العلاقات من شأنه ترميم وتجديد المفهوم السائد للحرية الأميركية، وتبدأ هذه المهمة بتوفير السلامة والرفاهية للأميركيين حيث يعيشون.

زر الذهاب إلى الأعلى