أخبار عالميةالأخبار

مجلة فورين أفيرز: أمريكا خسرت أفغانستان مبكرا والهزيمة كانت محتومة

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لجيس دوبنز، من مؤسسة “راند”، والذي عمل مبعوثا خاصا لأفغانستان وباكستان والصومال وهاييتي وكوسوفو في إدارات كل من باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون، قال فيه إن الغرب خسر أفغانستان منذ زمن طويل، فالهزيمة كانت محتومة والأخطاء الأولى جعلت من النجاح أمرا بعيد المنال. وقد شهدت الولايات المتحدة في الأيام التي أعقبت سيطرة طالبان على كابول سلسلة من عمليات التشريح للتورط الأمريكي في أفغانستان.

 

وقد استشهدت بعض التعليقات الناقدة بعيوب السياسة وسوء تطبيقها، فيما أكد آخرون أن تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان كان محكوما عليه بالفشل منذ البداية، مذكرين بسمعة أفغانستان “كمقبرة للإمبراطوريات”. ومع ذلك فقد ذهب أخرون، بمن فيهم الرئيس جوزيف بايدن أبعد من هذا وناقشوا أن تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد النزاع أو ما يعرف ببناء الدول يقود إلى الدخول في مستنقع يجب تجنيب القوات الأمريكية الوقوع به.

 

والحقيقة أن هزيمة الولايات المتحدة لم تكن قدرا مكتوبا إلا أنها هي التي عرقلت جهود تحقيق الاستقرار وفي البداية.

 

ومن الناحية التاريخية شنت الولايات المتحدة حملات عسكرية بهدف وقف أمر مثل العدوان العسكري أو منع انتشار الأسلحة النووية، وفي حالة أفغانستان 2001 وقف العمليات الإرهابية. وعندما كان يتم تحقيق الأهداف، كما في أفغانستان وبعد إزالة تهديد القاعدة، تجد قوات التدخل العسكري نفسها على منعطف طريق.

 

ومن أجل منع حدوث أحداث جديدة، فعليها الاختيار بين الاحتلال الدائم أو الاحتلال المتكرر أو الالتزام ببناء نظام قوي وجديد، وترك مجتمع يعيش بسلام مع نفسه وجيرانه. واختارت إدارة جورج دبليو بوش التي لم تكن مستعدة لحكم أفغانستان وواجهت صعود القاعدة من جديد، الخيار الثالث، لكنها فشلت في فهم الأبعاد الكاملة للتحدي الذي فرضته على نفسها.

 

ويقول الكاتب إن أشد ناقدي عمليات تحقيق الاستقرار فيما بعد النزاع ومهام إعادة الإعمار عادة ما يركزون على أمثلة الفشل السابقة مثل فيتنام والعراق بدون التطرق لقصص النجاح في كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، وفي الفترة الأخيرة في البوسنة وكوسوفو، حيث نجحت الولايات المتحدة وحلف الناتو بإنهاء أول النزاعات المسلحة في أوروبا منذ عام 1945.

 

ويرى دوبنز أن درسا مهما سيخرج من النظر إلى هذه النجاحات القريبة للتدخل الأمريكي إلى جانب في فشلها في أفغانستان. فمعظم القرارات الحيوية التي تتخذ إلى جانب التخطيط تتم في المراحل الأولى، وإذا كانت هذه معيبة فستقضي على أي فرص للنجاح، مهما خصصت واشنطن من مصادر وما تنفقه من وقت. ولم تكن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان محكوم عليها بالفشل لكن البذور التي قادت لفشلها زرعت في بداية 2002.

 

ويقول إن التدخل في أفغانستان في مرحلة ما بعد 9/11 اكتسب أهمية ضخمة لدى إدارة بوش والتي كانت مصرة على منع هجوم كارثي جديد على التراب الأمريكي. لكن الإدارة لم تكن لديها رغبة بحماية أفغانستان وللأبد، ولهذا اختارت المساعدة على بناء نظام جديد يخلف نظام طالبان، يستطيع يوما ما، حكم البلد معتمدا على نفسه. وكذا التأكد من عدم تحول أفغانستان مرة أخرى إلى ملجأ آمن للإرهابيين. وكان غزو أفغانستان والإطاحة بطالبان سريعا تم بطريقة سلسلة وانتصارا لم يكلف الكثير من المال والأرواح. وفي ضوء هذا النجاح السريع اعتقدت إدارة بوش أن عملية بناء الدولة ستكون سهلة بنفس القدر.

 

وكان الفشل الأول لإدارة بوش هو عدم تقديرها للمعوقات الجغرافية أمام جهود إعادة إعمار البلد. فأفغانستان تقع على الجانب الآخر من العالم وليس لها منفذ على البحر ويحيط بها جيران أقوياء ودول مفترسة مثل إيران وباكستان وروسيا. والطريق الوحيد لنقل أمريكا ما تريده إلى أفغانستان أو إخراجه منها هو عبر باكستان، الدولة التي لا تشترك مع الأهداف الأمريكية بل وتعمل بشكل مستمر على تخريبها. وأكثر من هذا فعدد سكان أفغانستان كان أكبر من أي بلد حاولت فيه أمريكا التدخل العسكري، ففي وقت التدخل عام 2001 كان عدد سكان أفغانستان يفوق بنسبة الضعفين عدد سكان جنوب فيتنام. ومن الناحية المنطقية فنسبة عدد القوات للسكان محدد مهم لنجاح عملية إعادة الإستقرار. وقبل عامين من غزو أفغانستان، نشرت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو 50 ألف جندي لفرض الإستقرار في كوسوفو وهو بلد لا يتجاوز تعداد سكانه عن 1.9 مليون نسمة. وكان عدد سكان أفغانستان وقت الغزو هو 21.6 مليون نسمة، وبنهاية عام 2003 كان عدد القوات الأمريكية هناك هو 8 آلاف في بلد يفوق عدد سكانه عشرة أضعاف عدد سكان كوسوفو وليس فيه جيش أو شرطة.

 

ولم يكن هناك عدد كاف من القوات الأمريكية لتأمين بلد سيطرت عليه الولايات المتحدة. وواحد من الأسباب لنشر هذا العدد القليل من الجنود هو أن إدارة بوش لم تكن تنوي القيام بمهمة حفظ سلام أو تحمل مسؤوليات الأمن العام بل وملاحقة بقايا تنظيم القاعدة وعلى حساب الأمن الأساسي المطلوب لبناء دولة فاعلة. وتجاهلت إدارة بوش تخصيص القدرات المالية اللازمة لجهود تحقيق الاستقرار الأفغانية. وفي البوسنة قدمت الولايات المتحدة والدول المانحة الدعم الإقتصادي الذي وصل إلى 1.600 لكل مواطن في العام وطوال السنوات التي تبعت نهاية الحرب. أما المبلغ المقابل لكل أفغاني فهو 50 دولارا، أي مبلغ لا يقارن. وارتكبت إدارة بوش عددا من الأخطاء التي حدت من إمكانية نجاح مهمة تحقيق الاستقرار، فلم تقم بجهود جوهرية لبناء جيس وطني أو قوة شرطة بشكل ترك الأمن في يد أمراء حرب مفترسين وحد من قدرة مواجه طالبان العائدة من جديد. ولم تكن هناك جهود دولية لإعادة الإعمار، وأكثر من هذا تبين أن باكستان التي سحبت دعمها لحكومة طالبان لم تتخل عن الحركة حيث منحت قادتها الملجأ الآمن لكي تعيد ترتيب نفسها وتتدرب وتتزود والبدء بحركة تمرد جديدة داخل أفغانستان.

 

وبناء على هذه الأخطاء، فقد تلاشى منظور النجاح في أفغانستان وبشكل كبير مع بداية عام 2003. ثم قامت إدارة بوش بغزو العراق، البلد الكبير كأفغانستان ويعاني من توترات ونزاعات داخلية وتحيط به دول معادية. وكما فعلت في أفغانستان فقد قللت من حجم مهمة تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد نهاية النزاع. ولم يمض أيام على الغزو إلا وبدأت حركة تمرد عنيفة، وأصبحت القوات الأمريكية تحت ضغوط حادة مع ظهور طالبان كتهديد خطير في أفغانستان. وظل هذا هو الحال طوال فترة بوش مما عرقل جهود الولايات المتحدة لتحقيق الإستقرار في أفغانستان وسمح لطالبان بإيجاد موطئ قدم لها هناك. ولم يكن الفشل بالحد من صعود طالبان وبناء مؤسسات قوية في أفغانستان محتوما. فلو خصصت الولايات المتحدة المصادر المطلوبة لتحقيق الاستقرار وإعمار البلد، لكانت لديها فرصة لترك أفغانستان وفيه دولة فاعلة. إلا أن أخطاء الولايات المتحدة التي لم تكن مفروضة عليها في البداية تركتها بين خيار الخسارة أو عدم الخسارة وليس الانتصار أو الهزيمة. ولهذا واجهت أمريكا خيار البقاء في أفغانستان بكلفة بسيطة ومنع طالبان من الظهور معتمدة على حليف قوي في مكافحة الإرهاب وهو الحكومة الأفغانية وحفظت المكاسب التي تم تحقيقها أو اعترفت بفشلها في بناء الدولة ومستقبل دائم للأفغان. وتصارع الرؤساء الأمريكيون مع المعضلة التي تركها لهم بوش، فقد تحدث باراك أوباما ودونالد ترامب عن الخروج لكنهما قررا البقاء وعدم مواجهة الخسارة، أما بايدن فقد قرر قطع الحبل السري والاعتراف بالهزيمة.

زر الذهاب إلى الأعلى