ملفات ساخنة

تعرّف على الزعيم الثائر والفيلسوف المسلم علي عزت بيغوفيتش

أحيا البوسنيون أمس الأحد، الذكرى الـ96 لميلاد الزعيم المسلم الثائر، والفيلسوف المفكر، ورجل السلام، علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك.

 

البطل الذي حارب العنصرية ضد المسلمين وكافح طويلا لاستقلال بلاده، فكان أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك بعد استقلالها وذلك في 3 آذار/مارس 1992، بعد انهيار الاشتراكية في أوروبا.

 

يُحظى بشعبية واسعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، خاصة لدى الأتراك، ففي عام 2019، وأثناء زيارته إلى البوسنة، حرص الرئيس أردوغان على زيارته، ووضع إكليلًا من الورود على قبره في مقبرة كوفاتشي، كما لا تتأخر الرئاسة التركية منذ سنوات في إحياء ذكر وفاته والتي يحضرها شخصيات سياسية تركية وبوسنية، كما يتذكر المسؤولين الأتراك الزعيم المسلم الثائر وكلماته الخالدة في كل مرة، شأن وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو.

 

ولد علي عزت بيغوفيتش في 8 آب/أغسطس عام 1925، لأسرة مسلمة، انضم إلى مجموعة “الشبان المسلمين”، مما جعله وزملائه عرضة للاعتقال وذلك عام 1946 وحكم عليه بالسجن 3 أعوام، وأثناء خروجه عاد إلى نشاطه السياسي، لكن سرعان ما حُلت جماعته ولم يسلم أحد من أعضائها من الاعتقال والقتل وكان هذا أثناء حكم تيتو.

 

تفرغ بيغوفيتش لبناء نفسه ودراسة مجتمعه، وأتم دراسته وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد عام 1962، وتعلم العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية، وعام 1970 ألف كتابه “الإعلان الإسلامي” والذي قدم من خلاله مشروعه السياسي للدول في العالم الإسلامي.

 

اعتبرت السلطات الشيوعية كتاب بيغوفيتش، دعوة ل”إقامة الشريعة” مُنع من النشر وتم استخدامه لاعتقاله عام 1983، بتهمة التآمر لتأسيس “دولة مسلمة”، وحُكم عليه بالسجن 14 عاما.

 

خرج بعفو عام 1989، بعدما ضعفت الشيوعية، وشهدت يوغسلافيا أجواء سياسية جديدة، وحدثت التعددية الحزبية للمرة الأولى منذ تأسيس البلاد، مما سهل المهمة لبيغوفيتش لطرح فكرته وذلك من خلال الاجتماع مع المفكرين والمثقفين والناشطين، وكان من ثمار ذلك تأسيس حزب “العمل الديمقراطي” لتمثيل مسلمي يوغسلافيا.

 

ومع نهاية العام 1990، حاز حزب بيغوفيتش على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، في انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد، بنسبة 33%، وتولى منصب رئيس مجلس الرئاسة.

 

تحالف مع حزبين من الصرب والكروات، لكن تحالفه انهار بعد أقل من عامين بعد انسحاب الحزبين، حاول بيغوفيتش تجاوز الحرب التي شنتها صربيا، واقتراح حلول سلمية تتحفظ وحدة البلاد، مع حفظ كرامة شعبه، لكن مع استمرار حركات الانفصال التي شهدتها البلاد بداية من سلوفاكيا وكرواتيا مطلع التسعينات، لم يعد هناك “يوغسلافيا”.

 

رفض البقاء مطالبا هو الآخر بالانفصال واستقلال جمهورية البوسنة والهرسك، رغم تهديدات وتحذيرات الصرب، داعيا إلى استفتاء عام 1992 والذي انتهى بتصويت أكثر من 94% ب “نعم” للاستقلال.

 

أُعلِنت جمهورية البوسنة والهرسك المستقلة عن يوغسلافيا، وأُجبِر العالم على الاعتراف بدولته الفتية وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يحمي بلاده من الاعتداءات، بينما بقي الغرب متفرجا على القصف العشوائي وكل أشكال التعذيب والقتل والدمار من قبل الصرب وجزار البوسنة رادوفان كارديتش.

 

حارب بيغوفيتش مع شعبه بفكره وقيادته وحنكته السياسية وإيمانه بقضيته، مما جعل أفواج من أحرار المسلمين منهم عرب، إلى الانضمام إلى جيشه، ولم يهدأ حتى انسحاب العدو من سراييفو في أيلول/سبتمبر 1995.

 

دعا رمز المسلمين وبطلهم الثائر، لاستفتاء وطني لاستقلال البوسنة عن يوغسلافيا، مجبرا العالم على الاعتراف بدولته الفتية وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة.

 

تنحى عن الحكم في عام 2000 بعدما حقق مراده، وهو محاكمة كل سجانيه وجزاريه من كانت لهم يد في مجزرة سربرينتسا التي وقعت في تموز/يوليو 1995، وراح ضحيتها أكثر من 8000 بوسني، واغتصاب الآلاف من النساء البوسنيات المسلمات، وتشرين أكثر من مليوني شخص.

 

رحل ديدو كما يحب مسلمي البوسنة تسميته، في 19 تشرين الأول/أكتوبر عام 2003، بنوبة قلبية، فكانت جنازته أكبر حدث في تاريخ البوسنة، ودفن بناءً على وصيته بقبر بسيط بين قبور الشهداء في مقبرة كوفاتشي، بعد أن رفض خطة كانت تعدها الحكومة لبناء ضريح فخم وكبير له.

 

ومن وصاياه وهو على سرير المرض قبل وفاته “رسالة إلى نفسك، لو بلغت هامتك عنان السّماء، سيكون الموت نهايتك، لو طفت الأرض شرقا وغربا سيكون السكون بدايتك، تستقبل في حياتك ضيوفا كثر، لكن ضيفا غير مرغوب فيه سيحل عليك، كل شيء سينتهي لتبدأ حياتك بعد الموت، هذا العالم سيموت لذلك كن مستقيما”.

 

ترك وراءه العديد من المؤلفات المتنوعة بين الفكر والسياسة، أشهرها كتابه الإسلام بين الشرق والغرب، ومذكراته “هروب إلى الحرية”، التي سجل فيها ملاحظاته أثناء الاعتقال بين 1983- 1988، من أهم أقواله: “إن المجتمع العاجز عن التدين، هو أيضا عاجز عن الثورة”.

زر الذهاب إلى الأعلى